أعلنت المتحدثة الرسمية بإسم وزارة الخارجية الفرنسية السفيرة آن كلير لوجوندر، بأن فرنسا "تشعر بالقلق إزاء الأحداث الجارية في النيجر وتتابع عن كثب تطورات الوضع"، كما"تدين بشدة أي محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة وينضم إلى دعوات الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لاستعادة سلامة المؤسسات الديمقراطية في النيجر."
أهمية النيجر لفرنسا
تتخوف فرنسا حاليًا من استغلال روسيا لحالة الانقلاب في النيجر وتعميق نفوها عبر مجموعة فاجنر، فضلا عن الخوف من استغلال التنظيمات الإرهابية الفوضى والتمدد بأراضي النيجر، بالإضافة إلى تدفق الهجرة غير الشرعية إلى الغرب حال نجاح هذا الانقلاب. فيما تشكل الاضطرابات في النيجر مصدرا لقلق كبير للدول الغربية خصوصا فرنسا، لأن الرئيس بازوم يعد آخر حلفاء باريس في غرب أفريقيا.
وتخشى فرنسا أن تكون النيجر الدولة التالية التي تخسرها لصالح روسيا في غرب أفريقيا، فقد أصبحت النيجر الغنية باليورانيوم، وقبل واقعة الانقلاب ضمن أهداف موسكو حيث تساعدها البيئة الأمنية المتدهورة في بسط سيطرتها على المستعمرات الفرنسية السابقة، وقد استغلت روسيا الانقلاب الذي أطاح بحكومة بوركينا فاسو أواخر العام الماضي ومدت نفوذها.
فلا تزال النيجر، المستعمرة الفرنسية السابقة الوحيدة في المنطقة، ضرورية لمحطات الطاقة النووية التي توفر 70% من الكهرباء لفرنسا، ولهذا فهي أكبر دولة، من حيث المبالغ، تستثمر فيها الوكالة الفرنسية للتنمية بعد السنغال.
ومنذ تولي بازوم السلطة عام 2021 سعت فرنسا بالتعاون معه إلى بناء استراتيجية جديدة لها في منطقة الساحل غرب أفريقيا، تكون قاعدتها النيجر، لمنع تمدد الإرهاب ومواجهة النفوذ الروسي، لتلافى أخطاء وفشل تجربتها في مالي.
ووفق مراقبيين فرنسيين، فإن استقرار النيجر وموقعها الجغرافي، يساعدان الجيش الفرنسي في مراقبة الحدود مع ليبيا، ومكافحة الهجرة غير الشرعية. وتعدّ النيجر خصوصا شريكًا مميزًا لفرنسا في الساحل حيث نشرت باريس 1500 جنديًا، إذ يحاول الجيش الفرنسي التواجد عبر النيجر بعد مغادرة مالي في عملية "برخان"، ومطالبة بوركينا فاسو المجاورة بسحب القوات الفرنسية من أراضيها لعدم تركها فريسة لمجموعة "فاجنر" الروسية.
وخلال انقلاب بوركينا فاسو، سارع قائد فاجنر يفجيني بريجوجين، إلى تقديم الدعم لإبراهيم تراوري، قائد الانقلاب حينها. ووفق الخبير العسكري والاستراتيجي الفرنسي دومينيك كارايول، فإن النيجر تعد حلقة لاستقرار النفوذ الفرنسي بعد حالة عدم الاستقرار الأمني في دول الجوار مثل ليبيا ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد.
كما تعدّ النيجر واحدة من آخر حلفاء الدول الغربية في منطقة الساحل التي يجتاحها العنف الجهادي، بينما تحوّل اثنان من جيرانها هما مالي وبوركينا فاسو، بقيادة العسكريين الانقلابيين، إلى شركاء آخرين من بينهم روسيا. فلدى افتتاحه قمة بين روسيا وإفريقيا في سان بطرسبرج في شمال غرب روسيا، وعد الرئيس فلاديمير بوتين ست دول من هذه القارة بشحنات حبوب مجانية "في الأشهر المقبلة" أبرزها النيجر، حيث تشكل الصحراء ثلثي مساحة النيجر الواقعة في قلب منطقة الساحل القاحلة في غرب إفريقيا وتحتل مرتبة متأخرة في مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة.
بلد الإنقلابات
منذ استقلال هذه المستعمرة الفرنسية السابقة في العام 1960، شهدت أربعة انقلابات: الأول في أبريل 1974 ضدّ الرئيس ديوري هاماني، والأخير في فبراير 2010 تمّت خلاله الإطاحة بالرئيس مامادو تانجا، فضلا عن محاولات انقلاب عدة أخرى.
وفي أبريل 2022، سُجن عثمان سيسي وزير الداخلية النيجيري السابق لنظام انتقالي عسكري (2010-2011)، لضلوعه المفترض في انقلاب فاشل في العام 2021، وأُطلق سراحه في فبراير، لعدم كفاية الأدلّة، بينما حُكم على خمسة من الجنود الذي قُدِّموا على أنّهم قادة رئيسيون لمحاولة الانقلاب، بالسجن لمدّة 20 عامًا.
بينما تتجه بعض الأنظار إلى روسيا، كما هو الحال مع كل انقلاب جديد في القارة، نقلت صحيفة "اللوموند" واسعة الإنتشار عن عدة مصادر فرنسية تأكيدها أنه لا توجد عناصر في هذه المرحلة بخصوص دور موسكو أو جناحها المسلح في إفريقيا، متمثلا في مجموعة فاغنر شبه العسكرية، في الانقلاب الذي شهدته دولة النيجر، ويقول أحد هذه المصادر: "يجب أن نحفر لنتعمق أكثر".
ونقلت "لوموند" عن مصادر عسكرية اعتقادها أن الانقلاب أو محاولة الانقلاب هذه هي أولًا وقبل كل شيء مسألة "داخلية"، مرتبطة، خاصة، بالإحباطات الشخصية لرئيس الحرس الرئاسي، وترى فرنسا وفق مصادر عسكرية بأن الأمر لم ينته بعد.