الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

الباش حكيم| «أطباء الغلابة» ملائكة تداوى على الأرض.. «الفحل» رفض الظهور إعلاميًا والكشف والعلاج بالمجان.. «ضيف» ملاذ مرضى العظام بالدقهلية.. وإنسانية «المُر» تُنسى المرضى الآلام 

محمد مشالي
محمد مشالي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وهبوا حياتهم وعلمهم لله ثم لخدمة الناس؛ لم يسعوا لجاهٍ أو سلطة أو مال؛ بل لاحقتهم الشهرة فأصبحوا الأشهر فى بلادهم؛ وحرصوا على مصالح المرضى وعملوا على إسعادهم وإدخال البهجة والسرور إليهم، فتربعوا على القلوب؛ وصعد نجمهم إلى السماء عاليًا بدرجات سُلم الحب والوفاء والإنسانية، حتى باتت سيرتهم الذاتية تُروى وتقص كأساطير يحلم التعلق بها وعمل مثلها. إنهم "أطباء الغلابة" أصحاب الأيادى والقلوب ناصعة البياض شمس الأمل للمرضى وغير القادرين. 



صبحى الفحل رفض الظهور الإعلامي.. ويدون على روشتة للصيدلى: «أخبر المريض بأن هذا العلاج مجاني»
داخل قرية كفر شبين التابعة لمركز شبين القناطر بالقليوبية؛ سطر أحد أبنائها اسمهِ بحروف من نور؛ ليس فقط لأنه لُقب بـ«طبيب الغلابة»؛ ولكن لابتسامته وبشاشة وجهه وإنسانيته التى لم تشهد مِثلها قريته، إنه استشاري طب الباطنة والأطفال الدكتور الراحل صبحى الفحل. 

قبل ٦٨ عامًا من الآن؛ ولد «الفحل»  لأبٍ كان يعمل صباحًا مُحصلًا بالسكة الحديد "كُمسري" وبعد الظهر فلاحًا بالزراعة لتلبية احتياجات أبنائه وأسرته؛ ومن بينهم "صبحي" الذى تدرج فى المراحل التعليمية المُختلفة إلى أن أصبح طالبًا بكلية الطب؛ ولكن النجاح المحفوف بالفرح لازمه نوعًا من القلق والحيرة فمن أين سيأتى الأب المُكافح بالأموال لتلبية التزامات مصاريف دراسة الطب؟ فقرر الأب بيع قطعٍ من الأراضى الزراعية التى تُأمن قوت أبنائه لتحقيق حلم الطبيب؛ وفى المُقابل عمل الطالب صبحى على مُساندة أبيه وتخفيف العبء عن كاهل أسرته بتدريس مادة اللغة الإنجليزية لطلاب الثانوية العامة فى ثمانينات القرن الماضى لاستكمال مصاريف دراسة الطب. 
مرت سنوات الدراسة بسلام؛ وتخرج الطالب فى كلية الطب متخصصًا فى أمراض الباطنة وطب الأطفال؛ ليبدأ مسيرته المهنية والعلمية معًا؛ ولكن منذ التخرج عاهد "الفحل" نفسه أن يكون عونًا ودعمًا وسندًا لأهالى قريته ومرضاهم وبسطائهم؛ تنفيذًا لوصية والده الذى أوصاه بالفقراء خيرًا، فاتخذ من إحدى البنايات السكنية فى قريته عيادة له وكان سعر أول فيزيتا للكشف الطبى جنيهًا ونصف فقط لأكثر من ١٥ سنة؛ ثم ارتفع سعر الكشف لـ٣ جنيهات ونصف الجنيه، وبعد سنوات بلغت قيمته ٥ جنيهات؛ حتى وصل لـ١٥ جنيهًا فى ٢٠١٩، حسبما تحدث ابن شقيقه محمود عمر الفحل لـ"البوابة نيوز". ويقول: لأكثر من ٣٥ عامًا استمرت مسيرة طبيب الغلابة بكفر شبين؛ رافضًا الظهور الإعلامى بكل أشكاله؛ مُعللًا ذلك بقوله: "أنا وهبت حياتى لله ولمُساعدة المرضى لا أريد جزاءً ولا شُكُورًا من أحد، وما أفعله علاقة بينى وبين ربي". 
 



لم تقتصر إنسانية الطبيب صبحى الفحل على استقبال المرضى نهارًا وليلًا على مدار ٢٤ ساعة؛ بل كان يدفع ثمن العلاج للمُحتاجين والمرضى. ويسرد ابن شقيقه قائلًا: طبيب الغلابة كان يحرص على الاستماع جيدًا للمريض مُحاولًا معرفة ظروفه المعيشية والعملية؛ وعلى ظهر روشته العلاج يُدون رسالة بالإنجليزية للصيدلى يكتب فيها الصيدلي: "أخبر المريض بأن هذا العلاجى مجانًا ولا تأخذ شيئًا من المريض.. وأنا سأدفع لك ثمن العلاج"، بعد ذلك يُوجه المريض بالروشتة لصيدلية مُحددة حتى يتمكن من مُساعدة المريض بالعلاج المجانى نظرًا لظروفه المُستحقة. 

ويُؤكد ابن شقيقه أن قيام "طبيب الغلابة" بدفع ثمن العلاج لغير القادرين كان سرًا بينه وبين عدد من الصيادلة لم يُكشف لأسرته هذا السر إلا بعد رحيلة فى أبريل ٢٠١٩ عن عمر ناهز ٦٤ عامًا. وعن حب الناس لطبيب الغلابة صبحى الفحل حتى بعد وفاته، يروى ابن شقيقه لـ"البوابة": ذات مرة ذهبت للمقابر للزيارة وقراءة الفاتحة؛ ووجدت أشخاصًا غرباء أما قبره يقرأون القرآن؛ وحينما قررت أن أقدم لهم "وهبة مالية"، كان الرد مُفاجأة: "خلى فلوسك فى جيبك يا أستاذ.. الدكتور صبحى دافع مُقدمًا". 

ويختتم الشاب حديثه عن طبيب الغلابة: رغم ثمن الكشف الرمزى الذى كان يتقاضاه عمه من المرضى نظير توقيع الكشف الطبي؛ إلا أن حياته كانت ميسورة ماديًا ورزقه الله بابنة وحيدة تُدعى الدكتورة روان تخرجت فى كلية الصيدلة؛ وتنوى تدشين صيدلية تحمل اسم والدها تخليدًا لذكراه الطيبة وستتخذ من أبيها طبيب الغلابة نموذجًا فى عمل الخير.

ياسر ضيف..  ملاذ مرضى العظام فى الدقهلية 
حين تطأ قدماك مدينة شربين التابعة لمحافظة الدقهلية؛ فإن أسهل عنوان يمكن الوصول له هو عيادة استشارى جراحة العظام الدكتور ياسر ضيف؛ فالجمع يعرفون فهو أحد أعلامها ونصير أبنائها وحبيب قاطنوها؛ فـ"طبيب الغلابة" كما يلقبونه الآلاف يتمتع بشعبية لا مثيل لها بين أبناء شربين. 

نعود بالزمان لعام ١٩٨٠، وتحديدًا كلية الطب بجامعة المنصورة إذ تخرج فيها طبيب جراحة العظام ياسر ضيف؛ ليبدأ مسيرته المهنية والإنسانية مُعاهدًا نفسه على أن يكون داعمًا لأبنائها مُخففًا عنهم آلامهم وقسوة حياتهم بعد أن وهب علمه لله ثم للناس. الطبيب "ضيف" الذى تخرج من طب المنصورة أحد أبرز قلاع علم الطب فى مصر؛ عمل بالعديد من المستشفيات حتى استقر فى النهاية طبيبًا للعظام بمستشفى شربين العام؛ ومنذ أن افتتح عيادته كان ثمن الكشف الطبى ٥ جنيهات لأكثر من ٢٠ سنة؛ ولكن فى ٢٠٢١ ارتفع سعر الكشف الطبى لـ ١٠ جنيهات، مؤكدًا: "لم يكن حلمى الثراء ولا الشهرة ولا المال.. ولكن حلمى يتحقق بمساعدة البُسطاء ونُصرة الفقراء وتضميد جراح المرضى وتخفيف آلامهم". 
 

يقول استشارى جراحة العظام: نُحاول مُساعدة الناس بصورة أو بأخرى، والذين لا يقدرون على دفع الـ ١٠ جنيهات لا حرج عليهم، أهلًا بهم فى كل لحظة وكل وقت، الـ ١٠ جنيهات ثمن الكشف الطبى هى رمزية وبسيطة للتخفيف عن المواطنين من قسوة الأسعار وارتفاعها فى كل شيء؛ ولكن هى فقط لدفع التزامات العيادة". 
لم تقتصر إنسانية طبيب الغلابة على تخفيض ثمن الكشف وتقديم النصائح الطبية للعشرات يوميًا؛ بل يعمل الطبيب الإنسان على منح بعض الأدوية مجانيًا للمرضى والمُحتاجين؛ مؤكدًا "يكفينى دعوات الناس.. وراضى جدًا عما أقدمه فى العمل فى المجال الطبي". 

حنا متى.. 39 عامًا فى خدمة مرضى البحيرة والكشف بـ10 جنيهات 
داخل عيادة بسيطة بأبوالمطامير فى البحيرة؛ يستقبل استشارى الجلدية الدكتور حنا متى مرضاه الذين يترددون عليه من كل حدب وصوب فى البحيرة؛ إذ لا يتخطى ثمن كشفه الطبى عشرة جُنيهات، بعد أن قرر أن يكون نصيرًا وداعمًا ومُساندًا للفقراء والمحتاجين. فى ثمانينات القرن الماضي، تخرج طبيب الغلابة كما يلقبونه أهالى البحيرة من كلية الطب تخصص جلدية؛ وافتتح عيادته بعد حصوله على ترخيص مُزاولة المهنة؛ وقرر أن يكون ثمن كشفه جنيهًا واحدًا؛ ثم تتدرج سعر الكشف الطبى إلى أن وصل فى ٢٠١٧ لـ١٠ جنيهات ولغير القادرين مجانًا، رغم أنه يسكن فى محافظة الإسكندرية، ويُسافر يوميًا إلى أبوالمطامير لتوقيع الكشف الطبى على المرضى. 

حنا متى



يؤكد طبيب الغلابة أنه منذ افتتاح عيادته عام ١٩٨٤ واتخذ عهدًا على ذاته بأن يكون مساندًا وداعمًا ورؤفًا بالفقراء؛ على مدار ٣٩ عامًا قضاها "متى" فى عيادته بين الفقراء تدرج سعر الكشف الطبى من جنيه لـ ١٠ جنيهات؛ وهو الأمر الذى يدفع المئات يوميًا من السقماء والمرضى لزيارة طبيب الغلابة للحصول على نصائحه وتوجيهاته الطبية؛ مُناشدًا الأطباء زملائه بوجوب إجراء الكشف الطبى على غير القادرين مجانا أو بأثمان تلائم دخولهم ومستواهم المعيشي، وهو الذى يجسد مساندة مجتمعية لهم.

نبيل سارى.. طبيب الرحمةوالإنسانية فى البحيرة 
لم يكن الطبيب "متى" الوحيد الذى لقب بـ"طبيب الغلابة" فى محافظة البحيرة؛ فهناك أبطال آخرون أقسموا أن يكونوا مُحبين وداعمين للفقراء والمحتاجين؛ فالإنسانية والرحمة والمسئولية الطبية كانت أيضًا مُلازمة لأستاذ دكتور أمراض الباطنة والحميات نبيل عبد الحميد سارى والذى لا يتخطى سعر كشفه الـ ٢٠ جنيهًا ويجرى الكشف على مرضاه باستخدام جهاز السونار.  تخرج "ساري" فى كلية طب جامعة الإسكندرية عام ١٩٨٢؛ مُتخصصًا فى أمراض الباطنة والحميات؛ ولمدة ٤١ عامًا عمل على تضميد جراح وآلام المرضى داخل عيادته لـ مدة ٥ أيام أسبوعيًا يأتيها من الإسكندرية إلى عيادته بـ كفر الدوار بالبحيرة. 

يقول ساري: "منذ أن فتحت العيادة كانت الفيزيتا بـ١٠ جنيهات لأكثر من ١٥ سنة؛ إلا أن أحد المُترددين من المرضى على العيادة أصر أن يكون الكشف ٢٠ جنيهًا خاصة وأنه يتم بجهاز السونار؛ لافتًا إلى أن أحد المواقف العصبية من أسرة مريض دفعته للتفكير فى رفع الكشف لـ ٣٠ جنيهًا؛ وقال للسكرتيرة: أول حالة تدخل لك ثمن الكشف ٣٠ جنيهًا؛ وبعد دقائق كانت أول حالة لرجل مسن على كرسى مُتحرك وأنا أعرف ظروفه المعيشية الصعبة جدًا فتراجعت عن قرارى وعاد ثمن الكشف لـ٢٠ جنيهًا مرة أخرى معللًا: "الشيطان حاول يرجعنى عن طريق الخير". 
 

نبيل سارى


ويسرد استشارى أمراض الباطنة والحميات أحد المواقف المؤثرة التى جعلته متمسكًا بموقفه النبيل واستكمال نهجه فى دعم المرضى وتخفيف الأعباء عن كاهلهم: جاءت العيادة سيدة لإعادة الكشف عليها مرة أخرى ولا تملك الـ٥ جنيهات قيمة الإعادة؛ فخرجت السيدة إلى الشارع وتسولت الـ ٥ جنيهات قيمة إعادة الكشف؛ وحين دخلت غرفة الكشف قالت لي: اتفضل يا دكتور الـ٥ جنيه.. مستورة الحمد لله" كلماتها كانت قاسية للغاية ولحظات أصعب. رفضت أخذ الـ ٥ جنيهات قيمة الكشف وعلمتنى السيدة البسيطة أن الرضا بالمقسوم أهم النعم، واعتبرتها رسالة من الله للثبات على ما أنا عليه. مختتمًا حديثه بقوله: "أنا راضى جدًا بما أفعله يكفينى الدعوة الصادقة النابعة من القلوب". 

مجاهد الطلاوى.. نصير الفقراء والبسطاء بالطب فى بنى سويف
يعرفه القاصى والدانى بملامحه الريفية الأصيلة ورداء الحكمة والوقار والبساطة الذى يلازمه؛ فهو أحد أعلام محافظة بنى سويف وابنها البار؛ ذاع صيته فى شتى روع مصر وعرف بـ"طبيب الغلابة" فملايين المرضى يترددون على عيادته أملًا فى الشفاء بعد أن وهب حياته وعلمه لله وللمرضى؛ كشفه الطبى لا يتجاوز ١٠ جنيهات للأغنياء ومجانًا للفقراء واليتامى والمُعيلات فضلًا على منح الأكثر احتياجًا من المترددين على عيادته الدواء مجانًا. إنه الطبيب الإنسان نصير الفقراء والبسطاء مجاهد مصطفى معوض أو كما يُعرف مجاهد الطلاوى ابن قرية طلا التابعة لمركز الفشن بمحافظة بنى سويف. 

الطبيب الذى نشأ فى كنف أب وأمٍ يعملون فى الزراعة، ووصل للعالمية، يقول: إن والده كان مهتمًا بالتعليم جدًا وحرص على تحفيظه وإخوته القرآن منذ صغرهم ما سهل عليهم الدراسة ما جعله هو وإخوته من الأوائل، حتى تخرج فى كلية الطب عام ١٩٨٤ رافضًا تعيينه فى قصر العينى مُفضلا خدمة أهل قريته ومساندتهم فى مُواجهة المرض ورفع المعاناة عنهم منذ ٣٩ عامًا. 

فيضان خير الطبيب الإنسان لم يتوقف عن تخفيض ثمن الكشف أو مجانيته؛ فحسب إحصائيات سابقة لمصلحة ضرائب الفشن فإن ما يقرب من ٦٠ ألف مريض ترددوا على عيادة طبيب الغلابة سنويًا؛ بمُعدل ما يقرب من ٢٥٠ مريضا يوميًا، وقد دخل "الطلاوي" موسوعة جينس بعد أن عالج ما يقرب من ٢ مليون مريض على مدار ٣٠ عامًا فضلًا عن إجرائه أكثر من ٥٠ ألف عملية جراحية؛ بل تخطى الأمر الدعم الطبى ووصل للخدمات المجتمعية الإنسانية بتوزيع ٢٠٠ ألف رغيف خبز والتكفل بزواج ٢٠٠ يتيمة سنويا إلى جانب دفع المصروفات الدراسية للأيتام منذ أكثر من ٢٠ عاما والتكفل بمصاريف أى طالب يلتحق بكلية الطب من أبناء قريته فضلًا عن تدريبهم.

مجاهد الطلاوى


لفترة وجيزة كان كشف الطبيب الطلاوى لا يتجاوز ٥ جنيهات إلا أن نقابة الأطباء ببنى سويف تدخلت وأجبرته على زيادة الكشف لـ١٠ جنيهات عقب تعدد تظلمات الأطباء من انصراف المرضى عن عيادتهم بمراكز ببا وسمسطا والفشن والذهاب لعيادة الطبيب مجاهد الأرخص والأحرص على تقديم مساندة الطبية المتميزة للجميع. وفى فبراير ٢٠٢٠ كرم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبى الدكتور مجاهد الطلاوى من بين صناع الأمل؛ ويؤكد " الطلاوي" أن حلمه الوحيد أن يرى افتتاح المستشفى الذى يُشيده فى قريته لعلاج المحتاجين. 

محمد مشالى..أيقونة أطباء الغلابة 
لُقب بـ"أيقونة أطباء الغلابة فى مصر؛ عرفه الناس بالزهد والبساطة والإنسانية؛ ذاع صيته وارتفع نجمة فى شتى أنحاء الوطن العربي؛ ليس بمالٍ ولا جاهٍ ولا سلطة فقد اتخذ من حب الناس ملاذًا ومأمنًا فأحبوه ودعموه ونصروه حتى بات أشهر الأطباء، إنه الطبيب الراحل فى يوليو ٢٠٢٠ عن عمر ناهز ٧٦ عاما من العطاء، محمد مشالى والمعروف بـ«طبيب الغلابة». 

على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان؛ لبى "مشالي" نداء الإنسانية والمهنية بحب وتفانٍ وإخلاص؛ فالطبيب المتخصص فى أمراض الباطنة وطب الأطفال والحميات خلد اسمه بحروف من ذهب وبات أسطورة خيرية وإنسانية يُحتذى به؛ بعد مشوار طويل من خدمة الفقراء فى الطب؛ فظل لأكثر من ٥٠ عامًا يتقاضى ٥ جنيهات فقط قيمة الكشف الطبى قبل أن يرفعها لـ١٠ جنيهات؛ ويعالج غير القادرين أو غير الراغبين فى الدفع بالمجان. 

 

محمد مشالى


ولد "مشالي" ابن محافظة البحيرة عام ١٩٤٤ لأب كان يعمل مدرسًا، تدرج فى التعليم حتى تخرج فى كلية طب القصر العينى فى القاهرة عام ١٩٦٧، بل كان الأول على دفعته بنسبة ٩٩.٣٪ عمل فى عدة مراكز ووحدات طبية فى الأرياف إلى أن افتتح عيادته عام ١٩٧٥ فى طنطا الغربية؛ ليُقرر معالجة الناس بالمجان حتى وفاته فى ٢٠٢٠. 

تكفل مشالى برعاية أخوته وأبناء أخيه الذى توفى مبكرا وتركهم له، وكان هذا سبب فى تأخره فى الزواج، وكان لدى مشالى ٣ أولاد تخرجوا جميعًا من كلية الهندسة. ظل "مشالي" طوال حياته يرفض المال أو المساعدات ومن بينها رفضه شيكا بمليون جنيه من برنامج "قلبى اطمأن" وكان يؤكد:" نشأت فقيرا ووالدى أوصانى بالفقراء خيرًا، ومش عاوز عربية ١٠ متر، ولا بدلة بآلاف الجنيهات، سندوتش الطعمية يكفيني". 

كشف مجانى ومشروب وواى فاى.. إنسانية «المُر» تُنسى المرضى الآلام 
الابتسامة لا تُفارق وجهه البشوش؛ تبعث بالأمل فى أنفس السقماء بالشفاء قبل جُرعات العلاج، يحرص دائمًا على التحدث لمرضاه بطيب القول وحُسن اللقاء لتخفيف آلامهم، عرّفه الناس بطبيب الغلابة، ليس فقط لخفض قيمة الكشف الطبى أو رفضه تقاضى المُقابل المادي؛ بل يعتبرونه ناصرهم ونصيرهم على ظروفهم المادية والمرضية؛ إنه طبيب استشارى أمراض الباطنة والكبد بمستشفيات جامعة الزقازيق د.السيد المر، أحد أشهر الأطباء فى محافظة الشرقية الذين يؤكدون على مقولة: «الدنيا لسه بخير».
حين تطأ قدماك مقر عيادته، تقع عيناك للوهلة الأولى على لافتة إنسانية دُون عليها عبارات كُتبت من دوافع الرحمة والإنسانية تُشعرك بأنك ضيف عزيز لإنسانٍ جمع بين الرُقى والإنسانية؛ «الكشف مجانًا لمن لا يقدر أو لا يرغب فى الدفع» تلك لافتة تُشعر السقيم بأنه ليس فى حاجة للمال مُقابل العلاج، مؤكدًا بقوله: «دونت هذه العبارات منذ ٧ سنوات لنزع القلق الزى يشعر به المريض بشأن الناحية المادية، فالمريض فليس مُضطرا للمال للحصول على الكشف الطبي».


لم تكن تلك العبارة الإنسانية فقط التى زينت لافتة عيادة «المُر»؛ فبعد الترحاب بالمرضى وشُكرهم دُونت عبارتين لعلهما الأغرب فى العيادات الطبية على وجه العموم، الأولى: «لا تتردد فى طلب مشروبك المفضل» أما الثانية فكانت «كلمة المرور لشبكة الواى فاي»، تلك العبارتين تشعر السقيم بأنه لم يدخل عيادة لإجراء الكشف الطبى وإنما وطأت قدماه أحد أفخم التجمعات السياحية، تِلك اللافتة الإنسانية التى تُشير لسُبل الراحة وكرم الضيافة كانت كفيفة بأن ترفع «المر» فوق الرؤوس تقديرًا لنُبله ولإنسانيته.


وردًا على ما دُون على اللافتة الإنسانية، يقول استشارى أمراض الباطنة والكبد: «النت والمشروبات المجانة، تُعد خدمات عادية لا بد أن أقدمها للمرضى، خاصة وأن الإنترنت أصبح خدمة ضرورية وليست ترفيهية فى حياة الناس ويتم الاشتراك به شهريًا، وأما المشروبات فهى ترحيب بالمرضى وذويهم لأنهم ضيوفي». 


الطبيب الذى تخرج من طب جامعة الزقازيق عام ١٩٩٨ رفض لسنوات طويلة أن يفتتح عيادة خاصة خوفًا من الانشغال فيها عن مُساعدة ومساندة المرضى الذين يرقدون فى المستشفيات الحكومية؛ إلا أن عدد من الأصدقاء أقنعوه بضرورة اتخاذ مقر للعيادة الخاصة ودعم المرضى بتوقيع الكشف عليهم واستكمال المسيرة الإنسانية لدعم المرضى؛ وقبل سنوات ضئيلة أصدرت قرار بتدشين العيادة وتقديم خدمات طبية أكثر للسقماء وخصوصًا البُسطاء».


40 عامًا فى خدمة المريض.. "فهمى وابنته" أطباء الغلابة فى الزوامل 
داخل شقة صغيرة بقرية الزوامل مركز بلبيس بمحافظة الشرقية؛ اتخذ الطبيب محمد فهمى عيسى والملقب بطبيب الغلابة، منها مقرًا لاستقبال مرضاه وتقديم الدعم والمساندة اللازمة. قائلًا: ولدت عام ١٩٥٦ لأب يعمل فى الزراعة؛ وأبديت رغبتى لوالدى أن أدخل المدارس والتعليم وساعدنى على ذلك أحد المعلمين وبادر بإعطائى دروسا خصوصية مجانية، تدرجت فى مراحل التعليم المختلفة حتى تخرجت فى كلية طب الأزهر عام ١٩٨٢. 
بدأت حياتى المهنية قبل التخرج فى كلية الطب؛ إذ دعمنى زميل لاكتساب الخبرة قبل التخرج من العمل فى المستشفيات منها الدمرداش وأحمد ماهر، للاطلاع على الحالات وتشخيصها، وبعد التخرج افتتحت عيادتى المرخصة بقرية الزوامل عام ١٩٨٣ وكان ثمن الكشف آن ذاك جنيه ونصف وتتدرج حتى وصل لـ ٢٠ جنيها؛ ولكن بعد أزمة كورونا ارتفع الكشف لـ٣٠ جنيها بسبب المُستلزمات الطبية والاحترازية؛ مؤكدًا أنه لم يغلق عيادة فى جائحة كورونا دعمًا لعلاج أبناء قريته والمرضى. 


يروى طبيب الغلابة بالزوامل أكثر المواقف التى أثرت فى حياته ودفعته لنصرة والفقراء ودعم المرضى قائلًا: فى صغرى وكنت ١٠ سنوات تعرض أخى لمرض يعد نادرًا، وحاولت والدتى توقيع الكشف عليه؛ وكان الكشف آن ذاك نصف جنيه؛ ولكن العلاج كان بـ٢ جنيه وربع؛ ولم يملك أبى سوى ٢ جنيه فقط؛ فأثر هذا الموقف بداخلى خاصة بعد وفاة شقيقي. 

يؤكد الطبيب الإنسان؛ الـ٣٠ جنيهًا ثمن الكشف هى بمثابة مليون جنيه؛ أعيش بها أحسن حياة وراضى بما قسمه الله لي؛ لافتًا إلى أن الله رزقه بـ أبناء ٣ أطباء و٢ مهندسين؛ ويكفينى الدعوات الصادقة التى تخرج من قلوب المرضى فهى لا تقدر بثمن.  إنسانية الطبيب فهمى لم تقتصر عليه فقط بين عائلته؛ فقد ورثت ابنته فعل الخير وحُبه؛ فالطبيبة سارة محمد فهمى أخصائى الأسنان فتحت عيادتها منذ ٩ سنوات واتخذت من إنسانية أبيها نموذجًا فقررت أن يكون الكشف الطبى ٣٠ جنيهًا منذ اليوم الأول لعيادتها وحتى الآن.