داخل قرية كفر شبين التابعة لمركز شبين القناطر بالقليوبية؛ سطر أحد أبنائها اسمهِ بحروف من نور؛ ليس فقط لأنه لُقب بـ«طبيب الغلابة»؛ ولكن لابتسامته وبشاشة وجهه وإنسانيته التى لم تشهد مِثلها قريته، إنه استشاري طب الباطنة والأطفال الدكتور الراحل صبحى الفحل.
قبل 68 عامًا من الآن؛ ولد «الفحل» لأبٍ كان يعمل صباحًا مُحصلًا بالسكة الحديد «كُمسري» وبعد الظهر فلاحًا بالزراعة لتلبية احتياجات أبنائه وأسرته ومن بينهم «صبحي» الذى تدرج فى المراحل التعليمية المُختلفة إلى أن أصبح طالبًا بكلية الطب؛ ولكن النجاح المحفوف بالفرح لازمه نوعًا من القلق والحيرة فمن أين سيأتى الأب المُكافح بالأموال لتلبية التزامات مصاريف دراسة الطب؟؛ وفى المُقابل عمل الطالب صبحى على مُساندة أبيه وتخفيف العبء عن كاهل أسرته بتدريس مادة اللغة الإنجليزية لطلاب الثانوية العامة فى ثمانينات القرن الماضى لاستكمال مصاريف دراسة الطب.
مرت سنوات الدراسة بسلام؛ وتخرج الطالب فى كلية الطب متخصصًا فى أمراض الباطنة وطب الأطفال؛ ليبدأ مسيرته المهنية والعلمية معًا؛ ولكن منذ التخرج عاهد «الفحل» نفسه أن يكون عونًا ودعمًا وسندًا لأهالى قريته ومرضاهم وبسطائهم؛ تنفيذًا لوصية والده الذى أوصاه بالفقراء خيرًا، فاتخذ من إحدى البنايات السكنية فى قريته عيادة له وكان سعر أول فيزيتا للكشف الطبى جنيهًا ونصف فقط لأكثر من 15 سنة؛ ثم ارتفع سعر الكشف لـ3 جنيهات ونصف الجنيه، وبعد سنوات بلغت قيمته 5 جنيهات؛ حتى وصل لـ15جنيهًا فى 2019، حسبما تحدث ابن شقيقه لـ«البوابة نيوز».
ويقول: لأكثر من 35 عامًا استمرت مسيرة طبيب الغلابة بكفر شبين؛ رافضًا الظهور الإعلامى بكل أشكاله؛ مُعللًا ذلك بقوله: «أنا وهبت حياتى لله ولمُساعدة المرضى لا أريد جزاءً ولا شُكُورًا من أحد، وما أفعله علاقة بينى وبين ربي» لم تقتصر إنسانية الطبيب صبحى الفحل على استقبال المرضى نهارًا وليلًا على مدار 24 ساعة؛ بل كان يدفع ثمن العلاج للمُحتاجين والمرضى.
ويسرد ابن شقيقه قائلًا: طبيب الغلابة كان يحرص على الاستماع جيدًا للمريض مُحاولًا معرفة ظروفه المعيشية والعملية؛ وعلى ظهر روشته العلاج يُدون رسالة بالإنجليزية للصيدلى يكتب فيها الصيدلي: «أخبر المريض بأن هذا العلاجى مجانًا ولا تأخذ شيئًا من المريض.. وأنا سأدفع لك ثمن العلاج»، بعد ذلك يُوجه المريض بالروشتة لصيدلية مُحددة حتى يتمكن من مُساعدة المريض بالعلاج المجانى نظرًا لظروفه المُستحقة.
ويُؤكد ابن شقيقه أن قيام «طبيب الغلابة» بدفع ثمن العلاج لغير القادرين كان سرًا بينه وبين عدد من الصيادلة لم يُكشف لأسرته هذا السر إلا بعد رحيلة فى أبريل 2019 عن عمر ناهز 64 عامًا. وعن حب الناس لطبيب الغلابة صبحى الفحل حتى بعد وفاته، يروى ابن شقيقه لـ«البوابة نيوز»: ذات مرة ذهبت للمقابر للزيارة وقراءة الفاتحة؛ ووجدت أشخاصًا غرباء أما قبره يقرأون القرآن؛ وحينما قررت أن أقدم لهم «وهبة مالية»، كان الرد مُفاجأة: «خلى فلوسك فى جيبك يا أستاذ.. الدكتور صبحى دافع مُقدمًا».
ويختتم الشاب حديثه عن طبيب الغلابة: رغم ثمن الكشف الرمزى الذى كان يتقاضاه عمه من المرضى نظير توقيع الكشف الطبي؛ إلا أن حياته كانت ميسورة ماديًا ورزقه الله بابنة وحيدة تُدعى الدكتورة روان تخرجت فى كلية الصيدلة؛ وتنوى تدشين صيدلية تحمل اسم والدها تخليدًا لذكراه الطيبة وستتخذ من أبيها طبيب الغلابة نموذجًا فى عمل الخير.