كنا أطفالًا صغارًا فى بلدتنا، حينما كنّا نسمع كلمة فلان «زى المكوك»، وكلمة «مكوك» كانت تطلق على كثير الحركة والنشاط، فيقال فلان «زى المكوك» يطوى الأرض طيا، يجرى من اليمين إلى اليسار، لا يترك شاردة ولا واردة للظروف، يده فى كل شيء، يلاحظ ويتابع، ويبادر، ويقود، يخطيء مرة ويصيب مرات، وهذا شأن كل مِقدام يقف على رأس الصفوف، ويتقدم الجماعات.
كبرنا، وجرى بنا العمر، وتغيرت الدوائر والأشخاص، وبدأت تظهر كلمة جديدة فى قاموس العمل وهى كلمة «دينامو»، وهى الأكثر دلالة على ما يقوم به ذات الشخص، فالدينامو هو المحرك، المحفز المولّد، وكلها معانً تدل على أنه شيء يبعث النشاط والحركة والطاقة فى أشياء أخرى، أو أشخاص محيطين، أو دائرة عمل، وهذا ما يحدث دائما.
وسواء راقتك مقولة «مكوك»، أو حبّذت كلمة «دينامو»، فالأمر سيان، والمعنى واحد، والمقصود جلّى ولا يخطئه من كان له عقل، فالنشاط والحركة والسعى والإقدام والمثابرة والإيمان بالعمل وتقدم الصفوف، وتحفيز الآخرين، صفات تجدتها كثيرا فى صفوف الشباب، ولكنّى وجدتها لدى رجل تجاوز السبعين من عمره بسنوات، وجدتها لدى أستاذ حولة شباب كثر، يكفيه أن يسأل أى منهم أمرا مهنى فيجاب على الفور، وأن يطلب فيلبّى الطلب، ولكنه آل على نفسه إلا أن يكون فارسًا دوما، لا يترك ميدان المعركة، يناور ويصول ويكر ويعود، ليصبح مثالا لمن حوله لا يستطيعون معه إلا التأمل فى هذا الإصرار والنشاط والإعجاب به.
حينما بدأت العمل بشكل مباشر مع الأستاذ محمود حامد، كنت على وشك تنفيذ ملف صحفى عن الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودي، وكانت الظروف المادية صعبة لدينا نحن أصحاب الفكرة، من نريد تنفيذها، فنحن نحتاج السفر لأكثر من محافظة خارج القاهرة والجيزة، ونعمل على جمع مادة لملف تخطى الأربع عشرة صفحة تليق باسم الخال، وكاد الأمر أن يتوقف، والعمل أن يؤجل لأننا لم نكن حينها، نملك تكاليف السفر وخلافه، وإذا به فى ذات اللحظة التى أخبرته بالأمر- وكان حينها مديرا لتحرير الجريدة الورقية- يخرج مبلغا من المال، ويقول لى هذا ما أستطيع المشاركة به معكم من راتبى الشخصي، أعانكم الله ووفقكم، لا توقفوا العمل، وأنا واثق أنكم ستنجزون شيئا يستحق العناء والثناء.
هذا الأمر يكشف لك عن رجل ينفق من جيبه الخاص لأجل العمل وإن استرد ما أنفق، فالأمر هنا أكبر من الجنيهات، الأمر هنا فى الإيمان بالعمل والشباب، الأمر هنا أن ردة فعله كانت مباشرة دون تفكير.
خرج الملف للنور كأروع ما يكون، وطلبت السيدة نهال كمال زوجة الخال الأبنودى أن يحضر فريق العمل فى هذا الملف إلى منزل الخال فى الإسماعيلية لنفطر سويا ونقضى سهرة رمضانية فى حضرة الخال ومعيته، عرفانا وشكرا على ما صنعت أيدينا، وكان معنا حينها الأستاذ محمود حامد «الدينامو»، شعرت بفخره بما صنعت يد الشباب، وشعرت أنه سيعد بدعمنا ودعم العمل، وأنه لم يتردد للحظة، وقبلها كنت أشعر بفرحته وسعادته مع كل حلقة تنشر من الملف، وكأنه فى هذا التوقيت عثر على بغيته، عثر على فريق من الديناموهات، الذين يمكنه الاعتماد عليهم فى الملفات الخاصة، الموضوعات العاجلة، والعمل المخلص الدائم الدءوب. وكانت البداية مع «الخال» واستمر الكفاح والنجاح.
وفى عيد ميلادك، أتمنى لك دوام النشاط والطاقة، وأقول لك بقصد منك ومنهم أو بدون، هناك جيل من الشباب ينظر إليك على أنّك النموذج والمثال الذى يجب أن يحتذى به فى العمل الجاد والدءوب دون تأفف أو كلل، إيمانا بأن العمل هو الحياة.
آراء حرة
محمود حامد «الدينامو» و«الخال» و«جيل الشباب» ومسيرة الكفاح
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق