الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محمود حامد «شغل وعشرة»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت جريدة «البوابة» آنذاك قبلة المحررين الصحفيين، لأنها مؤسسة ولدت كبيرة وقوية وكل المؤشرات المهنية كانت تدل على أنها ستستمر، وبعد عناء المحاولات فى مواقع وصحف كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، تقدمت للعمل فى قسم الديسك بجريدة «البوابة نيوز»، وكانت من أفضل فترات العمل فى حياتى لأن المجموعة كانت منتقاة جيدًا، أخلاق ومهنة وحب بين الجميع، كان الأستاذ محمود حامد، نائب رئيس القسم ثم رئيسا للقسم، توطدت علاقتنا نحن مجموعة الشباب به إذ إنه لم يكن من هؤلاء المديرين الذين يعطون أوامر، بل كان يعمل بيده ويقرأ بدقة ويوجه بمحبة وعشم، يعمل بكل طاقته وينهمك فى العمل ويتابع كل شىء، يعاتب على قدر الحب، وكنا نقدره جميعا لخبرته وسنه، ومعروف لدى الجميع كم المعارك المفتعلة فى بلاط صاحبة الجلالة، والتى تتطور أحيانا إلى ما يشبه لعبة الكراسى الموسيقية، لكن الرابح فى النهاية هو الحريص على عمله والذى يؤديه فى أحسن صورة، لم ار يوما طيلة عشر سنوات أو أكثر الأستاذ محمود وهو فاتر العزم أو متكاسل أو يشكو من ثقل العمل أو ينشر الإحباط بين الزملاء، لكن حتى فى الأوقات التى لو فعل ذلك سيكون له عذره كان يعمل بكل طاقته، فمتعته كانت وما زالت فى العمل، وإنى كنت أتعجب حينما أراه عائدا من التأمين الصحى يتصبب عرقا ومعه شنطة الأدوية، فأساله مندهشا: ليه ما رجعتش على البيت يا أستاذ محمود؟ فيجيب وهو يمزح معي: عندى شغل يا زعيم مهم.. بينما كان يشكو شباب فى بداية عملهم الصحفى من الشغل.
ربطتنا محبة شخصية بجانب صداقة العمل جعلته يفتح لى قلبه ويحكى لى الكثير والكثير عن سنوات حياته وعمله والمواقف التى تعرض لها، وكان فى آخر كل جلسة يوصينى على مازن، ذلك الفتى الذى يسكن قلب أبيه، فدائرة الحياة بالنسبة له هى العمل والتفكير فى مازن ومستقبله ومتابعة أدويته، حتى إن الابتسامة التى تشعر بأنها خرجت من قلبه تكون خاتمة لجملة ذكر فيها اسم مازن، ولكم أوصانى الدكتور عبد الرحيم على دوام السؤال والاهتمام على الأستاذ محمود وهو يقول لي: «أخبار عمك محمود إيه ما تزهقوش واعمل له اللى هو عايزه».
وفى الحقيقة إن الأستاذ محمود شخص طيب، لكنه فى بعض المواقف عصبي، ومن لا يعرفه جيدا يحكم عليه من عصبيته التى سرعان ما تزول، والتى لها دوافعها من مشوار فى الحياة لم يكن سهلا بل كان شاقا ومجهدا وتحمله الرجل فى صبر وكفاح ودأب وما زال يواصل السعى حتى يطمئن على ابنه مازن الذى سخر له حياته، ولقد رأيت الصورة كاملة صورة الأستاذ محمود فى العمل ومشوار عم محمود فى الحياة، فلم يحدث بيننا أى خلاف طيلة سنوات العمل بل تحملت انفعاله كابن وتحمل هو اندفاعى كأب وأكاد أكون الوحيد الذى يتحمله فى غضبه دون أن يسبب بيننا ذلك جفاء، وأنا أدرك ذلك جيدا وأقدره له؛ لذلك إذا احتاجنى فى أمر وجدنى بجواره دون تردد، فما بيننا ليس عملا فقط وعيش وملح وتقدير للكبير مهما اختلفت الآراء.
يحسب لعبد الرحيم على أنه أكد لى على تعليم درس الوفاء بما فعله ويفعله كل يوم مع رفقاء دربه، وذلك الحب الذى قلت له يوما عنه ربما يكون من أسباب رزقك أنك الوحيد القادر على توزيع الحب لمن حولك بالتساوي، ففى سفره وانشغاله الكبير قال لى لابد أن تحتفوا بعمك محمود.. ده تاريخ يا بني، ثم عاود التأكيد عليّ مرة ثانية: قل للزملاء فى البوابة أقل تقدير إقامة تكريم للأستاذ محمود يحضره الجميع، وها نحن جميعا نحتفى ونكرم واحدا من أساتذتنا الكبار فى «البوابة نيوز»، احتفاء يليق بمسيرة طويلة من العطاء، احتفاء تلاميذ بأستاذهم، وأبناء بأبيهم الذى يعمل بجانبهم كتفا بكتف فى بيتنا البوابة الذى نأمل أن تستمر فيه روح المحبة بين الجميع، فكبيرها أدارها بالحب فنجحت واستمرت وستستمر بهذا الحب وذلك التعاون وتلك الروح الطيبة بين الجميع.
وفى النهاية أنا واحد من الذين لا يتخليون البوابة دون كبارها، فهم كشجر النخيل خلف ديارنا لا معنى للمكان بدونهم.. ظل وثمر ونسيم هواء.