خلُص مؤتمر القمة العالمي للأغذية في عام 1996 إلى تعريف الأمن الغذائي على أنه وضع يتحقق عندما يتمتع جميع الناس، في جميع الأوقات، بإمكانية الحصول المادي والاقتصادي على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية وأفضليتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية ويٌقاس مؤشر الأمن الغذائي على أبعاد رئيسية أربعة وهي: التوفر، والحصول والاستفادة والاستقرار.
وهذا يعنى أن العالم بدأ يرصد – حينذاك - أماكن تعانى من انعدام الأمن الغذائي مثل تلك الأماكن فقيرة الموارد أو التي تعانى من انعدام أمن وأمان أو التي تعانى توترات سياسية، ولكن اليوم لا يهدد الأمن الغذائي فقط بعض من أماكن العالم ولكن بلدان العالم كله مهددة وكأنه جائحة أو إرهاب، ليس فقط بسبب الصراع الروسي الأوكراني الذي استهدف تصدير الحبوب بشكل كبير ولكن بسبب ما يشهده المُناخ من تغيير يؤدى إلى تصحر وندرة مياه وتهجير قسري.
ومن ثمّ كانت مصر تضع في الحٌسبان عدة عوامل لتحقيق الأمن الغذائي وهو أمر ليس بيسير، العامل الأول هو المحافظة على الرقعة الزراعية ومنع التعديات عليها والتي كانت سببًا في إهدار الكثير من الأفدنة الصالحة للزراعة فالتجاوز والبناء على الأراضي الزراعية لا بد أن نعتبره اليوم جرمًا آثمًا وليس مخالفة فحسب، وزيادة الرقعة الزراعية باستصلاح المزيد من الأراضي الصحراوية، العامل الثاني وهو استهداف الفلاح المصري واستعادة ثقته وبناء علاقة طيبة بين الدولة والفلاح المصري من خلال السياسات التحفيزية وزيادة أسعار شراء بعض من السلع الإستراتيجية كالقمح والزراعة التعاقدية ووجود أرضية مشتركة بين الدولة والفلاح ؛ الأمر الذي يخلق حالة من الربط لمتطلبات الدولة من السلع الإستراتيجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي بزراعة الفلاح لتلك السلع.
يأتي العامل الثالث والأهم وهو لُب الاقتصاد الأزرق متمثلا في الحفاظ على الموارد المائية وإدارتها بشكل جيد واستغلالها بشكل أمثل حتى أصبحت مصر لديها الإمكانات لإدارة المياه الجوفية بشكل رقمي ومميكن واستخدام الري بالتنقيط، العامل الرابع يأتي في إقامة مجتمعات زراعية صناعية أملا في توفير كُلفة نقل الحصاد إلى المصانع مما يخلق مجتمعًا غذائيا صحيا متكاملا ومدمجًا، العامل الخامس في تحقيق الأمن الغذائي هو حسن التخزين وزيادة الطاقة الاستيعابية والحفاظ على مخزون استراتيجي يكفى لشهور قادمة خاصة في ظل تلك الظروف المتغيرة مع توطين زراعة وصناعة الطعام في ظل ذلك المشهد الضبابي العالمي.
يأتي هنا السؤال الأهم: كل دولة تحاول جاهدة تحقيق الاكتفاء الذاتي الآن من كل السلع وخفض فاتورة الاستيراد، هل العُزلة الاقتصادية والغذائية هي الحل ؟ أم التكامل والاندماج هما الحل الأمثل ؟ أي من المسارين يقلل من وطأة التحدي الذي نحن بصددده ؟
تكمن الإجابة في موقف الدولة المصرية التي تؤمن في التعاون والتكامل والانفتاح في وقت الأزمات خاصة في أزمة الأمن الغذائي مؤمنة بتذليل العقبات واتفاقات التجارة الحرة داخل القارة الواحدة مما يخلق التكامل ويكمل ما ينقص الأخر.