الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: كيف يفكر البيت الأبيض؟.. أمريكا تعيد ترتيب أوراقها فى الشرق الأوسط.. المنطقة العربية تتصدر اهتمامات واشنطن فى الفترة القادمة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يبدو أن صانعى السياسة الخارجية الأمريكية، الدبلوماسية والدفاعية، أدركوا أخيرا أن من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على العالم، وأن الشرق الأوسط هو البوابة الأخيرة التى تستطيع الصين أن تنفذ منها إلى أوروبا، وأن الفراغ الذى خلفته الولايات المتحدة فى تلك المنطقة، بتقليل وجودها العسكرى فيها منذ عام ٢٠١٦، وتراجع اهتمامها السياسى والاقتصادى بها فى السنوات الأخيرة، هى العوامل الرئيسية التى وسعت نطاق النفوذ الصينى والروسى، حتى وصل إلى دول الخليج التى كانت لعقود طويلة تمثل حليفا طبيعيا للولايات المتحدة. المتابع للتطورات فى المنطقة خلال الأيام الأخيرة، يستطيع أن يرصد بسهولة، انتقال السياسة الخارجية الأمريكية من النقيض إلى النقيض. 
ومع أن واحدا من الخبراء فى علاقات واشنطن بالعواصم العربية وإسرائيل هو «توماس فريدمان»، صاحب العمود الشهير فى صحيفة «نيويورك تايمز»، قال فى ١١ من الشهر الحالى إن إعادة تقييم هذه العلاقات أصبح أمرًا لا مفر منه، لأن حفنة من قادة اليمين الدينى المتطرف هم الذين يقودون نتنياهو، وأن التعديلات القضائية تهدد أساس العلاقة الإيجابية بين واشنطن وتل أبيب، وأن الحكومة الإسرائيلية تمارس احتلالًا للضفة الغربية، وتقف بقوة ضد إقامة دولة فلسطينية، مما يتعارض مع سياسات الولايات المتحدة، فإن الاستنتاج الذى توصل إليه، جاء على العكس مما فعلته الإدارة الأمريكية. 


الخوف من خسارة الشرق الأوسط
تضمنت استنتاجات «فريدمان» أن الرئيس الأمريكى لا يخطط للقاء نتنياهو، رغم مرور سبعة أشهر على صعود الأخير إلى قمة السلطة فى إسرائيل. لكن بايدن خَيَّب ظنونه، واتصل تليفونيًا برئيس الوزراء الإسرائيلى يوم ١٧ من الشهر نفسه، يدعوه إلى زيارة الولايات المتحدة! ولا يبدو أن بايدن وهو يجلس فى محاورته مع فريد زكريا، كان يعلم ما يجرى ترتيبه خلف الكواليس فى البنتاجون ووزارة الخارجية بالنسبة للشرق الأوسط، أو لعله نسى بعد أن أحاطوه علما بما يجرى فى الظل وفى العلن. البيان الصادر عن البيت الأبيض بخصوص الدعوة الموجهة إلى نتنياهو لزيارة الولايات المتحدة، لا يستبعد الخلاف بين الشركاء والحلفاء، لكنه يعيد التأكيد على الالتزام الأبدى بأمن إسرائيل، وعدم السماح بوجود ما يهددها. ويبدو أن الخلاف حاليا لا يتعلق بإقامة دولة فلسطينية، ولا بالقنبلة النووية الإيرانية، وإنما يتعلق أساسا بما يمكن أن نطلق عليه الخوف على «الديمقراطية الصهيونية» من «التعديلات القضائية» المقترحة، التى يرى قطاع مهم من اليهود الأمريكيين، ومن الجناح الليبرالى فى الحزب الديمقراطى، ومن الإسرائيليين، أنها تمثل تهديدا خطيرا لطبيعة الدولة اليهودية الصهيونية. على هذه الأرضية، وجد بايدن أنه لا غضاضة فى إسقاط «الفيتو» الذى كان قد وضعه على دعوة نتنياهو، رغم أن الحكومة التى يقودها الأخير هى أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا التى شهدها بايدن فى حياته، كما قال هو. ومع اقتراب الانتخابات فإن بايدن لا يريد أن يخسر إسرائيل، ولا الشرق الأوسط، لأنه لا يريد أن يخسر الانتخابات الرئاسية المقبلة. 
منذ أواخر ديسمبر الماضى حتى الآن، تحركت آلة صنع السياسة الخارجية الأمريكية، الدبلوماسية والدفاعية، فى اتجاه إعادة تقييم الموقف بأكمله، ليس من أجل الأسباب التى ذكرها فريدمان، ولكن بسبب ثلاثة زلازل كبرى، هى القمة السعودية - الصينية، واستئناف العلاقات السعودية - الإيرانية، وصعود اليمين الدينى الصهيونى المتطرف إلى قيادة السلطة التنفيذية فى إسرائيل. ويبدو لى أن الرئيس الأمريكى شخصيا كان مشغولا بالعلاقات مع السعودية أكثر من غيرها، لأن الرياض تمثل طرفا رئيسيا فى إعادة صياغة دور كل من بكين وطهران وموسكو فى الشرق الأوسط، وأنه بدون ترويض السعودية، ستنفتح بوابة الشرق الأوسط للصين إلى أوروبا، وستكف دول الخليج عن النظر إلى إيران على أنها تهديد لأمنها القومى، وستظل موسكو طرفا قويا فى تحديد أسعار النفط. ومن هنا فإن البيت الأبيض أخذ يميل إلى فكرة أن السعودية وليس إسرائيل، تمثل الاهتمام الأساسى للسياسة الخارجية الأمريكية فى الأشهر الأخيرة. 


الهدف الرئيسى لهذه السياسة هو حرمان الصين وإيران وروسيا من عبور البوابة السعودية إلى الشرق الأوسط وأوروبا الغربية والعالم. أما بالنسبة لإسرائيل فقد راح بايدن يحاول ممارسة الضغط على جبهتين، الأولى هى جبهة التعديلات القضائية، والثانية هى الدولة الفلسطينية. 
لكن أجهزة البنتاجون، ووزارة الخارجية الأمريكية، والكونجرس، إضافة إلى أجهزة المعلومات، كانت تعمل على محاور أخرى، وإن كانت لا تتناقض مع رؤية بايدن، إلا أنها تسعى لتحقيق أهداف أكبر وأكثر استدامة، تضع الولايات المتحدة مرة أخرى على المسار الصحيح لحماية مصالحها القومية فى الشرق الأوسط، التى تبدأ من حرمان روسيا وإيران والصين من المزايا التى يمكنهم الحصول عليها مع اتساع نفوذهم الإقليمى. وفى شهر مايو الماضى أعلن البيت الأبيض، أن الرئيس جو بايدن على وشك القيام بسلسلة من الإجراءات فى الشرق الأوسط، لكن الإدارة الأمريكية لم تكشف على وجه التحديد طبيعة هذه الإجراءات. وفى سياق الإعداد لهذه الإجراءات، قامت وفود أمريكية دبلوماسية وعسكرية بزيارات للمنطقة، خصوصا السعودية وإسرائيل. ثم بدأت تتكشف تباعا بعض هذه الإجراءات التى تشمل حتى الآن ثلاثة تطورات رئيسية. التطور الأول هو زيادة الحضور العسكرى الأمريكى فى مضيق هرمز وبحر العرب وشمال المحيط الهندى وسورية، والثانى هو زيادة درجة تفاعل الولايات المتحدة مع قضايا الشرق الأوسط بالمشاركة مع السعودية، والثالث هو إنهاء الفيتو على دعوة نتنياهو لزيارة الولايات المتحدة. 
تعزيز الوجود العسكرى الإقليمي
منذ إعلان انتهاء العمليات القتالية للقوات الأمريكية فى العراق، بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام فى أواخر حكم الرئيس باراك أوباما، ثم قرار الرئيس التالى دونالد ترامب فى عام ٢٠١٩ تخفيض الوجود العسكرى فى سوريا إلى الحد الأدنى الضرورى للمحافظة على المصالح النفطية فى شمال شرق سورية، تراجع النفوذ العسكرى الإقليمى للولايات المتحدة، وطرح علامات استفهام حول دورها المستقبلى فى المنطقة، على ضوء تراجع مصالحها النفطية المباشرة، وانتهاء الحرب على الإرهاب تقريبا، وضعف القوة الاستراتيجية لروسيا من وجهة النظر الأمريكية، واعتقاد الإدارة الأمريكية بأن مشروع توسيع القيادة العسكرية المركزية بضم إسرائيل إلى منطقة عملياتها، سيكون كافيا لملء الفراغ الذى ستخلفه وراءها. وفى سياق العمل على تعزيز الدور الذى يمكن أن تلعبه إسرائيل تحت غطاء العباءة الأمريكية، اجتهد الرئيس الأمريكى السابق بترويج خطة جديدة للسلام بين إسرائيل والدول العربية، على أساس مبدأ «السلام مقابل السلام» الذى يتبناه بنيامين نتنياهو بدلا من مبدأ «الأرض مقابل السلام» الذى قامت على أساسه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وكذلك مشروع المبادرة العربية للسلام الذى تبناه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، التى لعب توماس فريدمان دورا رئيسيا فى ترويجها. 


وقد نجح الرئيس الأمريكى السابق فى ترويج مشروعه للسلام بتوقيع ما أُطلِق عليه «اتفاقيات أبراهام» التى تضم مع إسرائيل كلا من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. لكن الشق الغائب من تلك الاتفاقيات، ألا وهو الحقوق الوطنية للشعب الفلسطينى، الذى تتمثل ترجمته الواقعية بما يسمى «حل الدولتين» لم يتحقق حتى الآن. بل على العكس من ذلك فإن الأزمة السياسية فى إسرائيل انتهت أخيرا إلى استبعاد فكرة إقامة دولة فلسطينية، لتحل محلها فكرة تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين، بشرط القبول بمبدأ «يهودية دولة إسرائيل» وهو المبدأ الذى يعتبر إسرائيل «دولة لكل يهود العالم» ويؤسس لشرعية الاستيطان الصهيونى فى كل أرض فلسطين التاريخية، وينهى تسمية «الضفة الغربية» من القاموس السياسى والقانون الإسرائيلى ليحل محلها مصطلح «يهودا والسامرة»، ولا يعتبرها أرضا محتلة، بل يعتبرها حقا تاريخيا لليهود، أو فى أحسن الأحوال بالنسبة للفلسطينيين هى «أرض متنازع عليها». 
وفى إعادة تقييم علاقاتها بمنطقة الشرق الأوسط، تأخذ أمريكا فى اعتبارها أن دول الخليج ككل تحتاج إلى رؤية إجراءات على الأرض تؤكد جدية التزام الولايات المتحدة بأمن هذه الدول، وعزمها على تصحيح أخطاء سابقة ارتكبتها الإدارة الحالية على وجه الخصوص، سواء من ناحية الإساءة إلى السعودية، أو من ناحية التقصير فى واجبات المشاركة فى ضمان أمن الإمارات. السعودية تعرضت لاعتداءات مؤلمة عام ٢٠١٩ بواسطة الحوثيين، والإمارات تعرضت لاعتداءات فى العام الماضى، أعلن الحوثيون مسئوليتهم عنها. فى الحالتين كان رد واشنطن باردا وغبيا، فقررت سحب بعض بطاريات صواريخ باتريوت من السعودية، وهو قرار يدفع ثمنه حتى الآن وزير الدفاع الأمريكى برفض استقباله فى السعودية، وأرسلت طائرات إف-٢٢ فى رحلة استعراضية إلى الإمارات، وقدمت لها فاتورة بتكلفة هذه الرحلة! وقد انتهت عملية إعادة تقييم الموقف إلى ضرورة تعزيز القدرات العسكرية للقيادة المركزية جوا وبحرا وفى مجال العمليات السيبرانية. 
نشر طائرات إف- ٣٥
أعلن البنتاجون فى ١٧ يوليو الحالى نشر طائرات إف-٣٥ المقاتلة فى منطقة عمليات القيادة المركزية فى الخليج، إضافة إلى زيادة عدد الطائرات إف-١٦ التى كان قد تم نشرها فى المنطقة قبل عدة أيام، لمساندة القوة الجوية العاملة فى المنطقة التى كانت تتألف أساسا من طائرات إيه-١٠ القاذفة، وهى طائرات قديمة، ثقيلة الحركة كانت تستخدم أساسا فى عمليات مطاردة الجماعات الإرهابية. كما أعلن البنتاجون تعزيز القوة البحرية العاملة فى المنطقة بإرسال مدمرة إضافية مزودة للصواريخ الموجهة إلى منطقة مضيق هرمز وبحر العرب، هى المدمرة «يو إس إس توماس هاندر » لتعزيز القوة البحرية التى تضم المدمرة المزودة بالصواريخ الموجهة » يو إس إس ماكفول»، التى كانت قد تصدت أخيرا لمحاولة إيرانية للسيطرة على ناقلتين للنفط فى مضيق هرمز.
التطور الآخر الذى أشارت إليه بيانات البنتاجون، يتمثل فى زيادة النشاط الجوى للقوات الأمريكية فى سورية، وهى ملاحظة أكدتها القيادة العسكرية الروسية فى قاعدة «حميميم». وقال البنتاجون إن هذه الزيادة قد جاءت ردا على زيادة التهديدات الروسية للقوات الأمريكية فى قاعدة «التنف» العسكرية فى الأشهر الأخيرة. وقد وصلت هذه التهديدات إلى حد قرب حدوث صدامات فى الجو بين الطرفين. وذكر البنتاجون أن الروس يقومون بالتحرش بطائرات التجسس الأمريكية المسيرة من طراز «إم- كي-٩»، كما يقود الطيارون الروس طائراتهم على مسافة قريبة جدا فى الجو من الطائرات الأمريكية المأهولة، تقرب من ١٥٠ مترا. 
وتعتبر الولايات المتحدة أن قواتها فى الشرق الأوسط تواجه تهديدات مزدوجة من كل من إيران وروسيا، وهو ما استلزم تعزيزها بطائرات إف- ٣٥ وإف-١٦، وإرسال مدمرة ثانية مزودة بالصواريخ الموجهة، بعد أن كانت تعتمد على طائرات ايه-١٠، وطائرات الدورية البحرية طراز » P-٨» ومدمرة واحدة فقط. وكانت القيادة المركزية تسعى منذ أوائل العام الحالى إلى زيادة قدراتها التسليحية، لمواجهة زيادة التحديات فى المنطقة. وقام لويد أوستن وزير الدفاع، والجنرال مارك ميلى رئيس هيئة الأركان المشتركة بزيارتين منفصلتين للمنطقة، بهدف إعادة تقييم الموقف، وتقديم تطمينات للقوات الميدانية، خصوصا فى سورية، بعد أن تعرضت لهجمات وخسائر مادية وبشرية. 
وبناء على إعادة تقييم الدور الأمريكى فى المنطقة، جرت مشاورات بين وزير الدفاع وبين قائد القيادة العسكرية المركزية الجنرال مايكل كوريللا، تم خلالها تحديد الاحتياجات العسكرية الإضافية من الناحية الفنية، لمساعدة القوات الأمريكية فى المنطقة فى تعزيز دورها. الهدف الرئيسى المباشر لزيادة الحضور الأمريكى على المسرح العسكرى فى الشرق الأوسط هو إرسال تطمينات قوية إلى دول الخليج، بأن الولايات المتحدة جادة فى الالتزام بأمنها. ومن ثم استعادة مصداقية السياسة الأمريكية فى المنطقة. هذا ليس الهدف الوحيد، وإنما هناك هدف آخر هو حماية القوات الأمريكية العاملة فى المنطقة. وتعتقد واشنطن أن روسيا وإيران وسورية، تريد مواصلة الضغط على الولايات المتحدة لكى تنسحب عسكريا من المنطقة. ومن ثم فإن الرسالة الثانية لزيادة الحضور الأمريكى على المسرح العسكرى الإقليمى، موجهة إلى كل من روسيا وإيران وسورية، بأن الولايات المتحدة باقية فى المنطقة ولن ترحل. 
فهل تبقى القوة العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط أم ترحل؟