الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جوليان أوبير يكتب: أوروبا المعضلة!.. الميثاق الأخضر طموح القارة العجوز للوصول إلى الحياد المناخى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

انقسم البرلمان الأوروبى مؤخرا إلى قسمين فيما يتعلق بالتصويت على نص الإصلاح أو العودة إلى أصل «الميثاق الأخضر» للاتحاد الأوروبى. يهدف الميثاق الأخضر إلى جعل أوروبا أول قارة «محايدة مناخيًا». وبالتالى فقد تبنت المفوضية الأوروبية سلسلة من المقترحات التى تهدف إلى تكييف سياسات الاتحاد الأوروبى المتعلقة بالمناخ والطاقة والنقل والضرائب مما يسهم فى تقليل صافى انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بنسبة تصل إلى ٥٥٪ على الأقل بحلول عام ٢٠٣٠ مقارنة بمستويات عام ١٩٩٠.
إن فلسفة النص المتعلق بإصلاح الطبيعة هى جزء من هذا الطموح العام. والأمر بسيط للغاية ويتلخص فى إلزام الدول «بإصلاح» النظم البيئية فى البر أو البحر بنسبة ٣٠٪ على الأقل فى عام ٢٠٣٠ و٦٠٪ بحلول عام ٢٠٤٠. وعلى قائمة هذه الإصلاحات: تفكيك السدود وتطهير الأراضى وإنشاء المراعى وإعادة الغطاء النباتى وإزالة التلوث من التربة.
ولا شك أن مفهوم «الإصلاح» متناقض تمامًا. قامت بروكسل منذ حزمة ٢٠٢٠ المسماة H٢٠٢٠ بالتقدم إلى الطاقات المتجددة وهكذا أصبحت أوروبا مليئة بتوربينات الرياح البرية والبحرية: ٢٨٠٠٠ فى ألمانيا و٨٠٠٠ فى فرنسا. وتذهب الحزمة الخضراء إلى أبعد من ذلك فتقترح المفوضية رفع الهدف الملزم إلى ٤٠٪ نسبة التحول للطاقات المتجددة فى الاتحاد الأوروبى.


ومع ذلك، يمكن للمرء أن يجادل ويقول بأن تأثير هذه الأنشطة الخالية من الكربون على النظام البيئى ليس مثاليًا. يشتكى البشر، الذين يمكن وصفهم بأنهم نوع من الثدييات التى تعيش على مقربة من أعمدة توربينات الرياح، من الضوضاء والإزعاج البصرى لهذه التوربينات. كذلك يشتكون من تأثيرها على قيمة الممتلكات أو حتى على السياحة المحلية. حتى إذا أخذنا فى الاعتبار أن هذه الشكاوى مرتبطة بظاهرة «NYMB» (ليس فى ساحتى الخلفية)، فيمكن الاستشهاد بأمثلة أخرى للتأثير البيئى لها كالتالى: تقدر رابطة حماية البيئة عدد الطيور التى تم قتلها فى فرنسا بواسطة شفرات التوربينات بحوالى ٥٦٠٠٠ وتسبب الـ٦٠٠ متر مكعب من الخرسانة التى يتم سكبها فى الأرض لتثبيت تلك التوربينات الهوائية التلوث كما أن توربينات الرياح البحرية تعطل النظم البيئية البحرية الهشة.
وهنا يمكننا تقديم نفس هذا التحليل على الألواح الكهروضوئية المستوردة والتى تُنتج فى الصين والتى تتهمها منظمة Greenpeace بأنها تتسبب فى انبعاثات ضخمة من مسحوق السيليكون فى الغلاف الجوى (المادة الخام للخلية الكهروضوئية) ناهيك عن التلوث المرتبط بتكرير السيليكون.. كما يمكننا أيضًا إضافة أنه لربط هذه المحطات الجديدة فإنه من الضرورى تطوير الشبكة عن طريق تعزيز الخطوط الحالية وإنشاء وصلات جديدة تحت الأرض أو فى الجو. من الواضح أن مثل هذه الإجراءات المكثفة لا يمكن إلا أن تزعج المساحات الطبيعية التى تمر فيها.
وفى الحقيقة، تكمن المشكلة فى أن أوروبا لم تسع أبدًا إلى مواءمة أهدافها وكانت دائمًا تتأرجح ما بين الاهتمام بتفادى الأضرار التى تلحق بالبيئة وولادة صناعة جديدة. إن تلك القضية تعتبر قديمة. بالفعل فإن التوجيه ٢٠٠٨/٩٩ / EC للبرلمان الأوروبى والمجلس الأوروبى بتاريخ ١٩ نوفمبر ٢٠٠٨ بشأن حماية البيئة من خلال القانون الجنائى المحدد فى المادة ٣ ينص على ما يلى: «يجب على الدول الأعضاء أن تقدم ضمانات بأن الممارسات التالية تشكل جريمة جنائية إذا تمت بصورة غير قانونية أو عن قصد أو عن طريق الإهمال الجسيم: تصريف أو انبعاث أو إدخال كمية من المواد الأيونية أو الإشعاع فى الغلاف الجوى أو التربة أو الماء مما يتسبب أو قد يتسبب فى وفاة الأشخاص أو إصابتهم بجروح خطيرة أو تدهور كبير فى جودة الهواء أو جودة التربة أو جودة المياه أوالحيوانات أو النباتات (قائمة غير محدودة).
فى عام ٢٠٢١، ناقش البرلمان الفرنسي- مدفوعًا بالمنطق المجتمعي- مدى وجود فرصة خلق «جريمة إبادة بيئية» وانتهى الأمر بتقطيع الثمرة إلى نصفين وجعلها جريمة. ويتم تعريف ذلك على حقيقة تعريض الحيوانات والنباتات أو جودة المياه لخطر مباشر أو لضرر جسيم ودائم.
ومن الواضح أن صياغة هذه النصوص تمثل السيف المسلط للدوائر الصناعية: القضاء والمخاطر الجنائية وعدم اليقين القانونى. من المسئول عن الإهمال؟ ما هى «المخاطر المباشرة"؟ وتوجد نفس هذه المعضلة بالنسبة للزراعة الأوروبية حيث يُطلب منها احترام أمرين ملزمين: الانفتاح التجارى وخفض التكلفة من ناحية والطموح البيئى من ناحية أخرى. وبالتالى، فقد قامت بروكسل- تحت ستار حماية المستهلك- بزيادة معايير الرقابة بموجب توجيه REACH مما أدى إلى زيادة تكلفة الإنتاج ميكانيكيًا والقضاء على صغار المنتجين من السوق. كما بحثت بروكسل عن منتجات الصحة النباتية دون تقديم حلول بديلة للمنتجين الأوروبيين ودون حمايتهم من المنافسة من الدول الأجنبية التى لا تخضع لنفس القواعد البيئية.
بالنسبة للبيئات الزراعية التى لا تستفيد من ميزة تنافسية كافية، فإن الزراعة البيئية تؤدى إلى خطر قتل الزراعة تمامًا.
وفى الواقع، فما تظهره هذه الأمثلة هو أن الصناعة تظل صناعة حتى لو كانت «خضراء» بالمعنى المناخى للمصطلح. ولا يمكن إعفاء الزراعة البيئية من قواعد السوق.
يميل الخطاب السياسى إلى تضمين مكافحة الاحتباس الحرارى وحماية البيئة، وهما هدفان يمكن أن يكونا متباينين فى بعض الأحيان، فى شكل من أشكال الدعاية العامة على هذا الكوكب. ومع ذلك، عندما نرى مقاومة الصناعات «الخضراء»، فإننا نتخيل أن الأمر نفسه سيكون صحيحًا بالنسبة للطموحات الأوروبية أو الفرنسية فى «إعادة تصنيع» القارة. هذه السياسة التى سيكون لها تأثير على إعادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون التى تم نقلها سابقًا، ستواجه حتمًا الرأى العام الأوروبى الذى يسعى إلى الحفاظ على نوعية الحياة المثالية.
لذلك يجب على أوروبا أن تحدد بسرعة أولويات تلك الطموحات الثلاثة: أن تكون سوقًا واسعة مفتوحة للعالم (وبالتالى تواجه منافسين لا يحترمون نفس المعايير) وأن تكون نموذجًا لحماية البيئات الأرضية والمائية (مما يعنى الحد من الإنسان)، النشاط الصناعى أوالزراعى، وبالتالى الاعتماد على بقية العالم) وأن تكون قوة صناعية أو زراعية جديدة «خضراء» (مما يعنى التلوث الناجم). إن الخطر يكمن فى أنه إذا لم يتم حل هذه المعضلة العقدة، فسوف يؤدى ذلك إلى الفشل فى تحقيق أى من هذه الأهداف الثلاثة.
معلومات عن الكاتب: 
جوليان أوبير.. سياسى فرنسى، انتخب نائبًا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017، ولم يوفق فى انتخابات 2022.. يكتب عن المناقشات الدائرة فى أوروبا حول الميثاق الأخضر.