رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ألكسندر عون يكتب: فيروز.. «الديفا» اللبنانية الخالدة.. صدى صوتها يتردد فى قلوب وعقول كل العرب.. ويأسر بقدر ما يسحر.. ترنيمة حقيقية للتسامح والمحبة.. قال عنها ماكرون: آخر رموز الوحدة فى بلد الأرز

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"ديفا» بالأصل كلمة إيطالية تعنى المطربة الأوبرالية، لكن المقصد منها المطرب الذى يستمر فى نجاحه لفترات طويلة، دون أن يفقد قدرته على العطاء.. وهكذا هى فيروز. صدى صوتها يتردد فى قلوب وعقول كل العرب؛ فهو يأسر بقدر ما يسحر. فيروز واسمها الحقيقى نهاد حداد، ويتم بالفعل تبجيلها وتقديرها وشهرتها أكثر من وطنها لبنان وصوتها المسكر يجلب لمسة من الخفة والفرحة فى شرق أوسط مشتت بين الحروب والتدخل والصراعات الداخلية. مثل أم كلثوم أصبحت فيروز معيارًا للموسيقى العربية والشرقية.. تحفز وتتجاوز بموضوعات أغانيها كل الحدود والفواصل وذلك من خلال حب بلادها والتعلق بالدفاع عن القضايا النبيلة.
حياة مكرسة للموسيقى
ولدت فيروز عام ١٩٣٥ فى قرية جبلية لبنانية وتنحدر من عائلة كاثوليكية من الطبقة المتوسطة. وتلقت تعليمها فى مدرسة القديس يوسف الابتدائية الكاثوليكية فى بيروت. نما شغفها بالموسيقى فى وقت مبكر وفى سن السادسة انضمت إلى فريق الإذاعة اللبنانية. وهبت نفسها بالكامل للموسيقى وبرزت عام ١٩٥٢ بالتغنى بأغانى الملحنين اللبنانيين المشهورين عاصى ومنصور الرحبانى.
تزوجت عاصى الرحبانى عام ١٩٥٥. هذا اللقاء وهذه الكيمياء بين المطرب والملحنين هما نقطة الصعود النيزكى فى عالم الموسيقى. اسمها فيروز وهو اسم حجر من الأحجار الكريمة. وأسلوبها الموسيقى مختلف يسحر الحشود. وعلى عكس الموسيقى التقليدية الطويلة والرتيبة ذات الإيقاع الخطى، تقدم فيروز الشابة أغانٍ قصيرة ذات تأثير لاتينى معين. وهى بذلك تختلف عن أم كلثوم التى تدوم أغانيها أكثر من ساعة.
فى عام ١٩٥٧، شاركت فى مهرجان بعلبك الدولى واستطاعت أن تغزو القلوب. وتابعت جولات عديدة فى المنطقة من كازينو لبنان إلى المعرض الدولى بدمشق. وقدمت المسرحيات الموسيقية فى أسلوب أكثر تعبيرًا ودرامية كما غنت لأول مرة فى بيروت عام ١٩٦٦. وكانت العاصمة اللبنانية فى ذلك الوقت قلب التعبير الثقافى والفنى فى العالم العربى. وقدمت فيروز مع الأخوين الرحبانى إنتاجًا سينمائيًا فى منطقة الحمرا الفكرية والعالمية. وعاش الجمهور تحت تأثير سحر صوتها البلورى لحظات من السحر وأغانيها مزيج من لبنان السلام المتسامح ولكنه الخاضع للاضطرابات الإقليمية.
موسيقى ملتزمة وموحدة
أدت هزيمة الجيوش العربية ضد إسرائيل عام ١٩٦٧ إلى موجات صادمة فى المنطقة. كرست فيروز الحزينة ألبومًا كاملًا للقضية الفلسطينية عام ١٩٧١، القدس قلبي و«زهرة المدن». فقدمت قصيدة حب حقيقية لفلسطين التى استعمرها الجيش الإسرائيلى. عناوين أغانيها منتشرة على جميع موجات الأثير فى العالم العربي من دمشق إلى القاهرة عبر تونس العاصمة.
هذه المسيحية اللبنانية التى تتجاوز بأسلوبها وإيقاعها قواعد الموسيقى العربية الراسخة لتتجاوز الانتماءات الدينية والوطنية فى المنطقة. تؤيد تمامًا مواقف القومية العربية ضد الصهيونية. ولا تزال متمسكة بدينها إذ تشارك بنشاط فى قداس الجمعة وهى تغنى باللغة الآرامية (لغة المسيح) فى كنيسة أنطلياس بالقرب من بيروت.
شيئًا فشيئا أصبحت نموذجًا للنجاح فى العالم العربى بأسره. يُلقب لبنان بسويسرا الشرق الأوسط وهو معترك الفنانين ومنطلق للحياة والتفاعل الاجتماعى، والتقى عند فيروز الذوق العربى وشاركت بنشاط فى تأثير الثقافة العربية واللبنانية فى العالم.
غرق لبنان فى عام ١٩٧٥ فى حرب أهلية وعاش فى الفوضى. فيروز كان لديها من النضج الفنى ما يبعدها عن هذا الصراع فقد كانت حريصة على عدم التدخل فى التوترات السياسية العديدة فى بلدها. أكسبها هذا الحياد النموذجى مزيدًا من الإعجاب والمكانة فى المجتمع اللبنانى من جانب جميع الأديان والطوائف.
واصلت فيروز القيام بجولة فى عمان ودمشق. فى عام ١٩٧٧ قدمت مسرحية غنائية فى البتراء تكريما لعيد ميلاد الملك حسين عاهل الأردن. فى عام ١٩٧٨، غنت فى بلاديم فى لندن وفى العام التالى فى أولمبيا فى باريس. كانت هذه الجولة نهاية التعاون مع زوجها الذى طلقت منه.
من عام ١٩٧٩ لحن لها ابنها زياد. الأسلوب مختلف فقد كان مزيجًا من الأغانى الميلودرامية ذات الصوت الشرقى أو موسيقى الجاز. وتبقى حقيقة هى أن نجاحها لا نظير له. عادت فيروز إلى المسرح فى سبتمبر ١٩٩٤ فقدمت مسرحية فى بيروت شاهدها ٥٠ ألف لبنانى. وبسبب الحرب الأهلية المروعة وجد اللبنانيون فى فيروز رسول سلام ومصالحة وطنية. فهى تغنى لوطنها ولحبها للبنان. إنها صوت كل لبنان من طرابلس إلى صور عبر بعلبك. ترنيمة حقيقية للتسامح والمحبة.
موسيقى خالدة
بعد أكثر من ٨٠٠ أغنية و١٠٠ ألبوم، عبرت المغنية اللبنانية العصور والأجيال دون أى تجاعيد فى جميع أنحاء الشرق الأوسط تبث أغانيها باستمرار فى الحانات والمقاهى والإذاعات فى انسجام تام. يعرف كبار السن والرجال والنساء والأطفال نغماتها منذ النغمة الأولى. أغانيها تعبير عن شعب يتوق إلى الخفة والحرية فى وجه الحياة. المنطقة بأكملها تتعرف على نفسها فى أغانيها. سلسلة من الحب أو المقاومة أو الطبيعة ففيروز تتناول موضوعات بعيدة المدى. فى بلاد الشام الموسيقى تروّض الوقت. أغانى فيروز جسر بين الأجيال والمجتمعات. فى شرق أوسط معقد وممزق نجد فيروز استثناءً. هذه المغنية اللبنانية تروض الانقسامات وتخفف الآلام. ومع ذلك، تظل فيروز امرأة غامضة فهى لا تظهر فى مقابلات إعلامية ولا تتدخل فى السياسة وتهتم فقط بالدفاع عما يبدو لها أنه عادل ونبيل. هى أكثر من مجرد مطربة.. فيروز أيقونة. على أرفف أسواق عمان أو طرابلس أو رام الله أو دمشق تباع الأقراص المدمجة للمغنية اللبنانية كما لو كانت فى أيامها الأولى. ومن الطبيعى أن نجد الطلاب فى الشوارع يتغنون بأغانيها. فى العديد من المقاهى فى الشرق الأوسط بمجرد تشغيل أغنية فيروز يسكن الجميع وينصت والناس يتمايلون على اللحن. موسيقاها حظيت بالإجماع بين الأجيال.
فى مدينة معلولا السورية المقدسة، يتجمد الوقت أثناء بث أغنية يا مريم البتول لفيروز. ينتشر هذا الدعاء فى جميع أنحاء الوادى من خلال مكبرات صوت الكنيسة.
نشرت فيروز مؤخرًا مقطع فيديو تتلو فيه مقطعًا من الكتاب المقدس باللغة العربية لبث الأمل فترة انتشار جائحة كورونا. فى الشرق الأوسط قليلا ما نجد الموضوعات التوافقية التى تعبر الأزمنة والأعمار بنفس الشغف. فيروز هى الاستثناء الذى يثبت القاعدة.. أعلن إيمانويل ماكرون أنه بزيارة فيروز فى منزلها فى الرابية بالقرب من بيروت فى ٣١ أغسطس ٢٠٢٠ أنه التقى أحد آخر رموز الوحدة فى بلد الأرز. 
معلومات عن الكاتب: 
ألكسندر عون صحفى فرنسى من أصل لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يأخذنا إلى عالم فيروز أيقونة الغناء العربى.