في تمام الساعة السابعة من مساء أول أمس الخميس 2023، احتفل البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد مار إيليّا النبي، وذلك لإرسالية مار بهنام وسارة في مدينة فينيكس بولاية أريزونا، الولايات المتّحدة الأميركية.
عاون غبطتَه صاحبُ السيادة مار برنابا يوسف حبش مطران أبرشية سيّدة النجاة في الولايات المتّحدة الأميركية، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب أفرام موشي كاهن إرسالية مار بهنام وسارة. وخدم القداس شمامسة الإرسالية وأعضاء الجوق، بحضور ومشاركة جموع غفيرة من المؤمنين من أبناء الإرسالية، حضروا بأعداد ملفتة بمحبّة وشوق للقاء غبطته، رغم كون القداس يُقام في يوم عمل عادي خلال الأسبوع.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، أعرب البطريرك عن فرحه بالاحتفال بهذا القداس لهذه الإرسالية المباركة: "نحن فرحون جداً أن نلتقي بكم، صحيح أنّ زيارتنا إليكم هي زيارة قصيرة، لكن كما تعلمون لدينا ظروف، ويجب أن نتابع زيارة الأبرشية من هنا إلى نيوجرسي ثمّ فلوريدا".
وتناول مناسبة اليوم: "اليوم هو تذكار النبي إيليّا، هذا النبي الذي اشتهر بغيرته على الله، وعلى أنّ الله واحد، وهو خالق العالم ومدبّره، وعاش في زمان صعب جداً، إذ أنّ الشعب العبراني كثيراً ما كان يترك عبادة الله ويعود إلى عبادة الأوثان. ونتذكّر أنّ إيليّا لم يقبل هذا الكفر، بل كان يدعو الملك وحاشيته إلى الرجوع إلى الإيمان بالله".
ولفت إلى أنّ "مار بولس في رسالته يذكر أنّنا مدعوون مثل الشعب العبراني كي نؤمن بالله، لكنّ الشعب العبراني نسي الله في أزمنة أو فترات، إلا أنّ الله لم ينسَه، وهنا نعرف سرّ ثبات أو استمرار الشعب العبراني في العالم على مدى آلاف السنين. يشير رسول الأمم إلى أنّ الله لم يندم على دعوته للشعب، لكنّ الشعب مدعو أن يقرّ ويؤمن بالمسيح كلمة الله المتأنّس بالروح القدس من مريم العذراء".
ونوّه غبطته إلى أنّنا "سمعنا نصّ الإنجيل المقدس الذي يتكلّم عن الرب يسوع بعدما تجلّى على جبل طابور وظهر حوله موسى وإيليّا، وهما نبيّان من أكبر أنبياء العهد القديم، ونحن لا نزال نعيّد هذا التجلّي في 6 اغسطس ولو أنّ 6 اغسطس 2014 ذكرى مؤلمة جداً لكم ولنا وللمسيحيين في سهل نينوى، ذكرى الاقتلاع على أيدي إرهابيي داعش".
وأكّد غبطته على أنّنا "جئنا إلى هنا كي نبقى ثابتين على إيماننا بيسوع مخلّصنا، ونهنّئكم لأنّكم تأتون إلى الكنيسة وتشاركون في القداس مع أولادكم وشبابكم. يجب على الأهل أن يتذكّروا أنّ الأولاد عطية من الله وأمانة في أعناقهم، كما أنّ آباءكم وأجدادكم ربّوكم على هذا الإيمان، ولن ننسى أنّنا شعب الله الجديد الذي يسير نحو الملكوت في أيّ أرض كانت من بقاع العالم. نرى الأطفال وقد جاؤوا ليشاركوا في هذا القداس، ولو أنّ البعض منهم متعبون قليلاً، ونحن نعرف أنّ هذه الساعة، الساعة السابعة مساءً، ليست توقيتاً سهلاً، ولكنّنا نهنّئكم، فمع أنّ اليوم هو يوم خميس، جئتم بهذا العدد ومن أماكن بعيدة أيضاً. أتيتم كي تبيّنوا على أنّكم ثابتون في إيمانكم ومحبّتكم للكنيسة، وتريدون أن تنقلوا هذا الإيمان وهذه المحبّة إلى أولادكم وشبابكم".
وأشار إلى أنّنا "سمعنا أيضاً أنّكم مزمعون، بإذن الله، أن تحصلوا على كنيسة خاصّة لكم، وهذا الأمر يُفرِح قلبَنا جداً، ونصلّي من أجلكم كي يبارك الرب هذا المشروع. ستضحّون وتتعبون اليوم كآباء وأمّهات كي تبيّنوا لأولادكم وأحفادكم في المستقبل أنّه، ولو أنّكم تركتم أرض آبائكم وأجدادكم مرغَمين ولجأتم إلى هذا البلد، فإنّكم تريدون أن تبقوا ثابتين في الإيمان وتؤسِّسوا كنيسة، وستكون هذه الكنيسة فخراً لأولادكم وأحفادكم من بعدكم. وجميعكم تدركون الصعوبات والتحدّيات التي تجابهها العائلة هنا في الغرب، بدءاً من أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وبلاد أوروبا الغربية، لذا نتّكل عليكم، أيّها الآباء والأمّهات، كي تعيشوا دعوتكم، وتؤسِّسوا ما نسمّيه العائلة، أي الكنيسة البيتية".
وشدّد على أنّ "الأولاد عطية من الله وليسوا ألعاباً في أيدي الكبار، إنّهم أشخاص يُفترَض على الأهل أن يقوموا بواجباتهم ويربّوهم التربية المسيحية مهما كانت التيّارات المعاكسة. وهنا أسمح لنفسي أن أذكّركم أنّكم تعرفون أنّ علينا ألا نكتفي بالانتقاد والتشكّي تجاه ما يحصل في بلاد الغرب، بل علينا أن نسعى جهدنا ونلتفّ متضامنين سويّةً مع العائلات، مع الآباء والأمّهات، حتّى ندافع حقيقةً عن العائلة ككنيسة بيتية، ونؤمّن الجوّ الصالح لنموّ أولادنا وتربيتهم وتنشئتهم".
وختم موعظته سائلاً "شفاعة أمّه وأمّنا مريم العذراء سيّدة النجاة شفيعة أبرشيتكم في الولايات المتّحدة، وشفاعة مار بهنام وأخته سارة الشهيدين، ومار إيليا النبي الغيور، وجميع القديسين والشهداء، كي يؤهّلنا يسوع أن نتابع مشوارنا نحوه، ونشهد له، ليس فقط بكلامنا، بل بأعمالنا وبسيرة حياتنا الصالحة أيضاً".
وكان سيادة المطران مار برنابا يوسف حبش قد وجّه إلى غبطته كلمة ترحيبية، فقال: "يدعونا الفرح جميعاً اليوم كي نرحّب بالطوباوي، أهلاً ومرحباً بكم سيّدنا البطريرك. باسم أبنائكم، أبناء إرسالية مار بهنام وسارة في فينيكس – أريزونا، وإن كانت زيارتكم إلى هنا لساعات قليلة، لكنّها تعني الكثير الكثير لنا. فعندما تسودنا المحبّة، تكون كلّ الأوقات طيّبة للمحبّين، شكراً لمحبّتكم وزيارتكم يا سيّدنا".
وتابع سيادته: "اليوم ونحن نحتفل بعيد مار إيليّا النبي، نبي الغيرة، النبي الغيور على مجد الله، لا نبالغ عندما نعرف أنّه منذ البداية كانت غيرتكم مبارَكة على الكنيسة، يا صاحب الغبطة، وثمرة غيرتكم كانت أبرشية سيّدة النجاة، والتي فيها نما فرع جميل جداً من شجرة هذه الأبرشية، فرع جميل جداً بمعانيه، فرع إرسالية مار بهنام وسارة. بهنام وسارة منّا وبنا، من بلدنا وأرضنا ودمنا، ويعطياننا أفقاً وبُعداً جميلاً جداً في حياتنا الإيمانية، بُعد الشهادة الاستشهاد، وأنتم، وكلّنا نعلم معكم، أنّ كنيستنا مدعوّةٌ للشهادة والاستشهاد، "شاهدةً وشهيدةً"، كما يحلو لكم في مواعظ كثيرة أن تذكروا هذه المعاني".
وأشار سيادته إلى أنّنا "نحن أيضاً نذكّر أنفسنا بأنّنا أبناء الشهداء، ولا تزال دماء المسيحيين في سهل نينوى وفي العراق والشرق الأوسط وأمكنة أخرى كثيرة لم تجفّ بعد ولن تجفّ، لأنّ الرب يسوع قال لنا: سوف يقدّمونكم إلى المحاكم ويقتلونكم شهادةً لي، فلا تهتمّوا. ونحن ههنا في هذا البلد، إنّما جئنا بسبب محبّتنا لإيماننا وغيرتنا على إيماننا. عندما أتكلّم مع الغربيين أقول لهم دائماً إنّه كان من السهل على المسيحيين العراقيين وغير العراقيين أن يُبقُوا على بيوتهم وممتلكاتهم ووضعهم، لكن لغيرتنا على إيماننا، آثرنا وفضّلنا أن نترك البلد ونترك كلّ شيء كي نحافظ على إيماننا المسيحي. اليوم يدعونا إيليّا النبي مع مار بهنام وسارة كي نتذكّر دائماً أنّ دعوتنا هي أن نؤدّي شهادةً على إيماننا المسيحي حتّى الاستشهاد، وتكون لدينا الغيرة المسيحية، أي أن نشهد للمسيح والكنيسة في كلّ مكان، بعملنا وغيرتنا وأقوالنا ومحبّتنا نحو بعضنا البعض".
وأردف سيادته: "لا تنسوا إخوتي أنّنا أولاد إرث أنطاكية حيث دُعِيَ تلاميذ المسيح لأول مرّة مسيحيين، لأنّهم شهدوا على أمانتهم وغيرتهم على تعاليم المسيح القائل: بهذا يعرف العالم أنّكم تلاميذي، إن كنتم تحبّون بعضكم بعضاً. إذاً في هذا القداس، أحبّائي، ونحن نحيط بأبينا ورئيسنا ومدبّرنا ومعلّمنا، صاحب الغبطة سيّدنا البطريرك، متذكّرين أيضاً تعليم الرسول بولس القائل: أحبّوا رؤساءكم وأكرموهم، فإنّهم يسهرون عليكم كمن يؤدّي الحساب. وكما أنّ الأب بحاجة إلى دعم أبنائه، فالبطريرك والمطران والكاهن بحاجة إلى محبّة أبناء الكنيسة وصلاتهم، فعلينا جميعاً أن نتعلّم أن نصلّي من أجل رؤسائنا".
وختم كلمته بالقول: "سيّدنا البطريرك، نعدكم الآن في هذا القداس أن نشترك معكم على نيّتكم، ونعدكم أن نقدّم طاعتنا الخالصة لكم، لأنّ طاعتنا لرؤسائنا هي طاعة للمسيح. وعلى غرار إشعيا النبي القائل على لسان الرب: لو أنّ المرضعة نسيت طفلها فأنا لا أنساكم، نقول: لو نسيت المرضعة طفلها فنحن لا ننسى الكنيسة ولا نتركها، نحن نحبّ الكنيسة، وفي محبّتنا للكنيسة ولبعضنا البعض نعلن إيماننا بالمسيح وطاعتنا للكنيسة وطاعتنا لرئيس رؤساء الكنيسة غبطة أبينا البطريرك. تقبّلوا يا سيّدنا هذه المحبّة البنوية، وتقبّلوا هذا القرار بطاعتنا واحترامنا لغبطتكم، أدامكم الرب".
وقبل البركة الختامية، ألقى الأب أفرام موشي كلمة جدّد فيها الترحيب بغبطته: "باسم راعينا الجليل مار برنابا يوسف حبش، وباسم أبرشية سيّدة النجاة وكهنتها وشعبها، وخاصّةً باسم إرسالية مار بهنام وسارة في فينيكس - أريزونا، نرحّب جميعاً بغبطة أبينا البطريرك، ونشكره جزيل الشكر على هذا القداس وهذه الزيارة، إذ حضر وترأّس هذه المناسبة وبارَكنا بزيارته. ونشكر سيادة المطران يوسف حبش، والمونسنيور حبيب مراد، والحضور جميعاً. شكراً لحضوركم ومشاركتنا في استقبال غبطته".
وتابع: "قلبنا مملوء فرحاً وبهجةً برعايته الأبوية، ونحن ممتنّون لسؤاله وحرصه وصلاته من أجل إرساليتنا، وكذلك لإرشاد وإدارة سيادة المطران يوسف حبش. لقد كان غبطته وسيادته على اطّلاع تامّ على المرحلة التي مررنا بها، ونحن نتمنّى ونرجو أن يتحقّق حلم هذه الإرسالية، هذا الحلم الذي بدأ منذ عام 1999، بشراء كنيسة خاصّة لنا هنا. ونشكر الله إذ بالرغم من أنّه ليست لدينا كنيسة خاصّة حتّى الآن، لكن لدينا إرادة قوية أنّنا سنحقّق ذلك قريباً بإذن الله، وأنتم، يا أبناء الإرسالية وبناتها، أثبتّم هذه الإرادة".
وختم ملتمساً بركة غبطته وصلاته، داعياً له "بتمام الصحّة والعافية وبالتوفيق في رعايته للكنيسة في كلّ مكان في هذه الظروف العصيبة، بما حباه الله من حكمة ورعاية أبوية".
وبعدما منح البركة الختامية، استقبل المؤمنين الذين تحلّقوا حوله ونالوا بركته في جوّ من الفرح الروحي العارم بلقاء الأبناء بأبيهم الروحي العام.