تساؤلات مهامة ومصير غامض، حول مستقبل شركة فاجنر في أفريقيا بعد التمرد الذي قاده زعيمهم يفجيني بريجوجين ضد الدولة الروسية في ٢٤ يونيو ٢٠٢٣، في تحد وجودي يعد أكبر وأخطر التحديات التي واجهت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ صعوده إلى السلطة عام ١٩٩٩، قبل أن ينجح ألكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا في نزع فتيل الأزمة وإنقاذ روسيا من شبح الحرب الأهلية والتفكك في الوقت الذي كانت فيه العناصر المتمردة على أبواب العاصمة الروسية موسكو، بمسافة ٢٠٠ كيلو متر.
حالة من القلق
التمرد المسلح الذي تم إجهاضه سريعًا، أدى إلى حالة من القلق وعدم الارتياح في العديد من دول القارة السمراء التي تعتمد في تأمين أنظمتها على عناصر فاجنر الروسية، خوفًا من إضعاف هذه الميليشيات أو تفكيكها، حيث تتمتع الحركة بنفوذ واسع في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، وغيرها من البلدان الأفريقية.
في هذا السياق؛ أكد الباحث في الشئون الروسية، الدكتور باسل الحاج جاسم، أن شركة فاجنر العسكرية، صنيعة المخابرات الروسية، كذراع عسكرية غير رسمية على غرار "بلاك واتر" الأمريكية، لتنفيذ مخططات موسكو في إفريقيا والشرق الأوسط، وظهر ذلك جليًا في سوريا وليبيا ودول أفريقية عدة مستغلة ضعف الجيوش النظامية في هذه البلدان مما يسهل لها مهمتها في تنفيذ المهام المكلفة بها.
وأشار "جاسم"، إلى وجود نحو ١٨٩٠ مدربًا من عناصرها في جمهورية أفريقيا الوسطى، المساعدة للقوات الحكومية في خضم الحرب الأهلية المستمرة، و١٢٠٠ في ليبيا، لحماية المصالح الروسية، بالإضافة إلى دورهم في مالي وبوركينا فاسو، والسودان إذ كانوا يدعمون نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وبعد الإطاحة بالبشير عام ٢٠١٩ بعد انتفاضة شعبية، واصلت فاجنر علاقتها الوثيقة بقوات الدعم السريع بقيادة المدعو حميدتي.
نفوذ واسع
وأشار باسل الحاج جاسم، إلى أن مجموعة فاجنر وسعت نفوذها في أفريقيا من خلال شبكة من الشركات والتحالفات تجعلها قادرة على طمس الخطوط الفاصلة بين الأنشطة المشروعة وغير المشروعة، إذ تمتد عمليات المجموعة إلى ما وراء الجهود الأمنية، لتشمل قطاعات مثل قطع الأشجار والتعدين، وبالنسبة للحكومات الأفريقية، التي تواجه قيودًا مالية، فإنها تجد ضالتها في الخدمات التي تقدمها فاجنر، حيث يتم سداد المدفوعات غالبًا من خلال حقوق التعدين أو امتيازات الوصول إلى السوق. وأضاف الباحث في الشئون الروسية، أن تمرد ميلشيات فاجنر على روسيا من المؤكد سيكون له تداعيات كبرى تتراوح بين تغير الديناميات الجيوسياسية وصيغ الحسابات الأمنية الوطنية والإقليمية، إذ قد تؤثر على المدى البعيد في الاستقرار الأمني لبعض الدول الأفريقية، في حالة قررت موسكو تصفية نشاط هذه المجموعة المسلحة، الأمر الذي يمنح الجماعات والتنظيمات الإرهابية فرصة كبيرة للسيطرة على المدن والقرى مما يهدد أمن القارة السمراء.
مرتزقة
وأكد أنه من الممكن أن تتحول فاجنر إلى مرتزقة بالمعنى الحرفي يصعب السيطرة عليهم وتخرج من تحت عباءة الدولة الروسية ولاسيما بعد تعارض المصالح الذي كشفه التمرد الفاشل بين موسكو وزعيم الشركة العسكرية يفجيني بريجوجين، مشيرًا إلى أن فاجنر قد يعيدون إنتاج خبراتهم وأيديولوجياتهم في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولاسيما في حالة انفصالهم عن النفوذ الروسي، إلى التخلي عن واجباتهم لمتابعة أجنداتهم السياسية الخاصة، مما يزيد من تفاقم الصراعات القائمة. كما حدث من المرتزق الفرنسي بوب دينار، الذي قاد مجموعة من المرتزقة للإطاحة بحكومة جزر القمر المستقلة حديثًا عام ١٩٧٥، وكان ذلك سببًا في حدوث عدة انقلابات عسكرية مما ينذر العديد من الدول الأفريقية بنفس المصير، وخاصة أن أمن أفريقيا هش، لا يتناسب مع وجود العديد من الصراعات وحركات التمرد التي تتطلب إدارة حذرة.
العالم
بين التخلى عن القارة والتحول لمرتزقة.. فاجنر تبحث عن مستقبلها فى أفريقيا بعد تمرد بريجوجين
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق