وجهت السلطات الأمنية في ألمانيا طعنة جديدة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، وذلك بتصنيف مركز إسلامي جديد تابع لولاية براندنبورج القريبة من العاصمة برلين، بأنه يمثل طاقة متطرفة، ووضعت المسجد التابع له تحت المراقبة.
وتواصل الجهات الأمنية في كشف العلاقات والدوائر شديدة السرية التي تصنعها الجماعة الإرهابية من أجل صرف الأنظار عن المؤسسات والجمعيات والمراكز التابعة لها في أوروبا، إلا أن إدراك ألمانيا لخطورة تجنيد الشباب على أراضيها، وخطورة تنامي خطاب العنف والكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى على منابر المساجد الواقعة تحت سيطرة جماعات الإسلام السياسي، جعلها تسعى لكشف روابط هذه الأماكن بالتطرف والإرهاب، ومحاصرتها ووقف تراخيصها، أو إيقاف عضويتها، أو فقد الثقة فيها من الجانب الألماني.
وتملك عناصر الجماعة الإرهابية خبرة في التخفي، وفي كيفية إدارة "الواجهات" أو المشاريع التي ينشط خلفها الإخوان من أجل الحصول على الشرعية، ورصدت الأجهزة الأمنية تزايد مستمرا في أعداد عناصر جماعة الإخوان على أراضيها، الأمر الذي يوحي بأن اتجاه يسود لدى هذه العناصر بأن لديهم مناطق ومواقع آمنة وشرعية يعملون من خلالها وتساهم في دعمهم ماليا.
وكشف تقرير عن أسباب تحرك هيئة حماية الدستور ضد المركز الإسلامي في فورستنفالده، بأنه يأتي في إطار منع هذا المركز من تأسيس شبكة من المنظمات والأفراد والأنشطة يتبع الإسلاموية.
أحزاب سياسية ضد نشاط الإسلام السياسى
في الوقت الذي تعلن فيه هيئة حماية الدستور في ألمانيا عن جهودها الاستخباراتية في كشف المواقع الإخوانية أو المرتبطة بجماعات الإسلام السياسي، فإن الأحزاب السياسية من ناحية أخرى تشدد على ضرورة مكافحة الإرهاب خوفا على المكتسبات الألمانية، إذ تستغل الجماعات الحريات الممنوحة لضرب القيم الأوروبية والعمل بشكل عدائي ضدها.
كان لحزب البديل جولة ضدها، حيث قدم في يونيو من العام الماضي، طلب إحاطة في أروقة "البوندستاج" حول تمدد الأذرع الإعلامية المرتبطة بجماعات إسلامية متطرفة وتأثيرها المحتمل في الشأن الألماني؛ بحسب وثيقة نشرها موقع البرلمان الألماني. وفي نفس الصف، يقف حزب الاتحاد الألماني مع حزب البديل في تقديم مشاريع قرارات للجلسات البرلمانية بهدف حصار جماعات الإسلام السياسي، والحد من خطرها الذي يتبنى رؤية معارضة للديمقراطية والتعددية والحريات الفردية. مطالبا الحكومة الفيدرالية بتوسيع سلطات هيئة حماية الدستور في مجال التحقيقات المالية المتعلقة بجمعيات وتنظيمات الإسلام السياسي، بشكل يمكنها من توضيح النفوذ السياسي والمالي بشكل أفضل.
كونت جماعة الإخوان شبكة علاقات قوية مع عدة منظمات وتجمعات، وبحسب تقرير لوحدة الدراسات بالمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، فإن الجماعة كونت علاقات مع الاتحاد الإسلامي التركي والمجلس الأعلى للمسلمين ومن ثم التجمع الإسلامي ومنظمة الجالية المسلمة بألمانيا، ما منحها فرصة التواجد بين المسلمين الألمان والسيطرة بشكل أوسع على المساجد ونشر أفكارها بشكل تدريجي بهدف عدم إثارة الشكوك حولها، إضافة إلى محاولة كسب ثقة المجتمع والساسة الألمان والنأي بنفسها عن الأفكار المتشددة الصادرة من باقي التنظيمات المتطرفة، والعمل عبر خلايا سرية لاستقطاب الشباب والفئات غير القادرة على الاندماج بالمجتمع والفئات الأقل تعليما، ليصبح للجماعة ثقل كبير وممتد داخل المجتمع الألماني منذ عقود طويلة.
تحذيرات من عودة الهجمات
في تقرير جديد للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، فإن الخبراء حذروا من أن المتطرفين من أصحاب الدوافع الإسلاموية لا يزالون يشكلون خطرا عاليا فيما ينذر بوقوع هجمات في ألمانيا. بحسب ما خلصت إليه نتائج أحدث تقرير لمجموعة العمل المشتركة بين وزارات تابعة لحكومة ولاية شمال الراين- ويستفاليا حول الوقاية من "السلفية الجهادية". وجاء في التقرير المؤقت الذي نشره برلمان الولاية في دوسلدورف، يوم ١٥ يوليو ٢٠٢٣، والذي شاركت في إعداده خمس وزارات تابعة للولاية ومجلس استشاري علمي، أنه لا يوجد سبب لوقف التحذير.
أشار "المركز الأوروبي" إلى أن التقرير المشار إليه جاء بعد إلقاء القبض على تسعة أشخاص في ألمانيا وهولندا بزعم جمع أموال لتنظيم داعش والتخطيط لهجمات، وقالت الحكومة الألمانية إن تسعة أشخاص من آسيا الوسطى اعتقلوا في ألمانيا وهولندا يوم السابع من يوليو ٢٠٢٣ بسبب خطط لشن هجمات في ألمانيا وجمع أموال لتنظيم داعش. قال مدعون اتحاديون إن سبعة رجال اعتقلوا في ألمانيا اتهموا بتأسيس جماعة إرهابية محلية، ودعم تنظيم داعش وقالت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر للصحفيين في برلين إن "تهديد الجماعات الإسلاموية المتطرفة لا يزال حادًا للغاية ، كما ترون من اعتقالات اليوم".
تقرير البرلمان المشار إليه يؤكد أنه ليست هناك أسباب جديدة تشير إلى هبوط وانحسار التمدد الإسلاموي، لذا يوصي بالتزام أخذ الحذر خاصة بعد العملية الأخيرة التي ألقت فيها السلطات الأمنية القبض على عناصر تعمل على جمع تمويلات مالية لخدمة تنظيم داعش الإرهابي. بعدما شنت ١٩ مداهمة فى عدة مناطق، وتمكنت من اعتقال ٧ أشخاص بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي، عملوا على تحويل مبالغ مالية تقدر بما لا يقل عن ٦٥ ألف يورو لمحتجزين فى مخيمى الهول وروج شمال سوريا، ساعدت فى تقوية التنظيم، وفى إمداد عناصره المحتجزة كما أنها سهلت فرارها. وأفادت وكالات أنباء عالمية، بأن الموقوفين يشتبه فيهم الانتماء لشبكة دولية تعمل على جمع تبرعات وبث مناشدات لتقديم التبرعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، ونقلت هذه التبرعات عبر وسطاء تابعين للتنظيم الإرهابي.
مواجهة نشاط الجماعات المتطرفة
ليست المراكز والهياكل والمنظمات التابعة للإخوان وحدها التي تعمل على تنامي خطاب الكراهية والعنف في ألمانيا، بل إن هروب عناصر تنظيم داعش من سوريا وقدرته في تخطى الحواجز وصولا إلى ألمانيا للتخفي وسط المجتمع، ما ينذر بقرب وقوع هجمات إرهابية أو أي أعمال عنف حال نشطت هذه العناصر المختبئة، خاصة وأن أنصار داعش في الخارج يجتهدون لمد عناصر التنظيم في الداخل السوري بالمال وبتهيئة الظروف لاستقدام البعض منهم بعد فراره من أتون الهزيمة التي لاحقت بهم في كل من العراق وسوريا.
ونقلا عن تقرير لـ"اسكاي نيوز" فإن الحكومة الألمانية تعتزم تنفيذ خطة العام الجاري لمواجهة تنامي نشاط الجماعات المتطرفة، من خلال عدة سُبل منها: "تعزيز ترسانة القوانين والتشريعات في الدولة؛ بحيث تصبح المواجهة مع تلك التنظيمات أكثر مباشرة، حتى وإن كانت تلك التنظيمات تمارس أساليب ملتوية للتخفي، وينفي أفرادها صلاتهم بالإرهاب، كما هو الحال بالنسبة إلى فروع جماعة الإخوان. من المتوقع أن يشهد عام ٢٠٢٣ مواجهة أكثر حسما مع تلك التنظيمات، وسط تنامي التحذيرات من خطر انتشارها، وضرورة مواجهتها أمنيا وفكريا. سيتطلب الأمر برامج لإعادة تأهيل الشباب الذين وقعوا تحت تأثير هذه التنظيمات، حتى بعد القضاء عليها".