ليست المشكلة في انقطاع التيار الكهربائي، إنما في عشوائية انقطاعه، فمن يقطع الكهرباء ليس لديه إحساس بالوقت، لا يعرف متى تبدأ حفلة "ثومة" ومتى تنتهي! لو كان يعرف أن الجميع ينتظر، الفلاحون عادوا من حقولهم والموظفون من مصانعهم، الصنيعية أجلوا بعض الأعمال ليؤدوها في السهرة مع "ثومة"..
سكن الليل
وفي ثوب السكون تختبئ الأحلام
لكن أي ليل هذا بل ليال لا تشدو فيها أم كلثوم! أي عقاب وعذاب أقسى من منع وصول صوتها للمنهكين نهارا الباحثين عن راحة في صوتها ليلا!
لا عتاب يجد مع ذلك الذي أثقل الأحمال على القلوب ليخففها على المحطات،أدركت أنه لا طائل من عتابه فطالبت محبيها بالكف عن العتاب لمن ليس لهم قلوب ولا ألباب فقالت:
هسيبك للزمن لا عتاب ولا شجن
تقاسي من الندم وتعرف الألم
تشكي مش حسأل عليك
تبكي مش حارحم عينيك
يا اللي ما رحمتش عنيه
لما كان قلبي في إيديك
يدندن عم أحمد أغاني الست من ذاكرته ويسأل الجالسين بجواره على قارعة الطريق فارين من قيظ البيوت:ماذا تركوا لنا حتى نعيش؟ حتى ونس الليل مع "ثومة" أخذوه، سرقوا منا الواقع والآن يصادروا الخيال حتى السماء لم يعد بها نجوم..
تفيض دمعة من عين الأستاذ ناجي فيتمتم:
أواه يا ليل طال بي سهري
وسألتني النجوم عن خبري
ما زلت في وحدتي أسامرها
حتى سرت فيك نسمة السحر
ما زلت في وحدتي أسامرها
حتى سرت فيك نسمة السحر
وأنا أسبحُ في دنيا تراءت لعيوني
قصة أقرأ فيها صفحات من شجوني
بين ماض لم يدع لي غير ذكرى
عن خيالي، عن خيالي لا تغيب
وأمان صورت لي في غد لقيا حبيب لحبيب
يقاطعه المهندس علي قائلا: يا لها من صدفة غريبة، أتعرفون أن "ثومة" كانت ستغني الليلة قصيدة "من أجل عينيك" والصدفة أن الكهرباء قطعت حينما كان السنباطي يتهيأ لسماع القصيدة نفسها من ام كلثوم بعدما أجل كل مواعيده وجلس وحيدا في منزله ليستمتع بشدوها، فجأة فاجئه صاحب فكرة تخفيف الأحمال وقطع عنه تيار الإلهام، فحزن السنباطي واحتار وأصابه الحزن لولا أنه تذكر أن عبد الوهاب محمد يسجل حفلات "ثومة"، لكن وليكن ليس هناك أشهى من أولويات العسل، من سماع الكلمات وهي تنهمر عذبة للمرة الإولى من ثغر ثومة:
من أجل عينيك عشقت الهوى
بعد زمان، بعد زمان كنت فيه الخلي
من أجل عينيك عشقت الهوى
وأصبحت عيني بعد الكرى
تقول للتسهيد لا لا ترحل
يا فاتنًا لولاه ما هزني وجد
ولا طعم الهوى طاب لي
هذا فؤادي فامتلك أمرهُ
وأظلمهه إن أحببت، إن أحببت أو فاعدل
من بريق الوجد في عينيك أشعلت حنيني
وعلى دربك أنّا رحت أرسلت عيوني
الرؤى حولي غامت بين شكي ويقيني
والمنى ترقص في قلبي على لحن شجوني
من بريق الوجد في عينيك أشعلت حنيني
وعلى دربك أنّا رحت أرسلت عيوني
لم يعد لنا هنا في جعبتنا حتى بصيص من أمل نحيا به، حتى تلك الأطلال التي كنا نجتر منها الذكريات لنبتلع هم هذه الأيام يتفننون في طمسها، ليتك يا عم موافي حافظت على "الراديو أبو حجاير" لم يشكو يوما من الأحمال ولم يضع مزاجنا تحت نصل سكين أحدهم.
فجأة عاد التيار لكن بعدما فات الميعاد.. فات ميعاد الحب والحلم.. وانفض جمع الأحباب.. لا جدوى من كهرباء تأت في الصباح بعدما تعثرت وتاهت قلوب في ظلام الليل.. لا جدوى من حياة، الوقت فيه لعبة في يد شخص يقرر فجأة متى يخفف الأحمال ومتى يزيدها..
وتغضب لما اقولك يوم يا ظالمني!