السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

«مصر مجتمع يبنيه العسكريون» كتاب المفكر أنور عبد الملك يبحث في الحركة الوطنية داخل الشعب المصري

الثورة المصرية فى طورها المعاصر ملتهبة متناقضة صاخبة متأزمة طليعية أول دراسة ميدانية تقدم على أساس نظرية «الخصوصية» عن مصر والعالم العربى

العدد الورقي
العدد الورقي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أحدث ظهور كتاب «مصر مجتمع يبنيه العسكريون» للمفكر أنور عبد الملك، ضجة وسرعان ما تحول إلى أثر عميق في قطاع الدراسات الاجتماعية السياسية والأيديولوجية فيما يسمى «العالم الثالث»، وذلك في ناحيتين مختلفتين، فمن ناحية أصبح من المتعذر أن تقدم الدراسات غير الغربية من الخارج، أي دون الارتكاز أساسًا على معطيات الأرض ومراجعها الأصيلة، وإن ظل الاتجاه عند الباحثين الغربيين هو الاعتماد على إطارهم الفكري النظري ومراجعهم، والتزامهم السياسي المحوري، ألا وهو هيمنة الغرب على العالم، وخصوصا الشرق الناهض بعد تردد من التبعية، وتعميقها وتطوير أشكالها.
ومن ناحية أخرى، ظهر هذا الكتاب وكأنه بمثابة أول دراسة ميدانية ونظرية معًا وتقدم كلها على أساس مقولة أو فكرة أو نظرية «الخصوصية» عن مصر والعالم العربي، وأصبح من الواضح، وبشكل موضوعي ملموس، أن مفتاح حل ألغاز المجتمعات اللاغربية، وكذا مفتاح فهم كل المجتمعات الغربية المتقدمة ذاتهاـ بطبيعة الحالـ لا يكمن في تطبيق نظريات مسبقة ومحاولة حصر تحرك التاريخ الحي في قوالب جامدة، وإنما يكمن في التنقيب في خصوصياتها المتميزة عن غيرها، من المجتمعات القومية، بحيث يمكن فهم المتناقضات والدروب المتباينة التي تظهر على سطح مجتمع معين وهو قطاع لا يمثل إلا القليل من كثافة الجبل الثلجي المغمور تحت سطح بحر التطور التاريخي الحضاري طويل المدى.


تقاليد وعصرية
وهذا الكتاب يبحث تحديدا في شعب مصر، وبالأحرى الحركة الوطنية داخل الشعب المصري، ومن الجائز تصنيفه بأنه كتاب مرحلي، وبالتالي تكثر التناقضات في متن الكتاب، مهما تكن الزاوية التي يختار المرء أن يبدأ منها، لأن التناقضات تكمن في قلب هذه المجموعة الفريدة المعقدة من التقاليد والعصرية، ويرى الكاتب أيضًا أن هذا التعقيد قد يبدو أكثر تعقيدا وتناقضا إذا اختار المرء أن يراقب مصر من خارج تاريخها الطويل.


توقف حتمى
في مقدمة الطبعة العربية الثانية سنة ١٩٧٤، أي بعد عام من انتصار أكتوبر المجيد التي يرى الكاتب أنه حطم أسطورة التخلف الحضاري العربي، كما تحطمت معدات العدو في أرض المعركة حطمت أيضًا الاحتقار الذي أراد به العدو أن يدمر إرادتنا، ويدنس الشخصية القومية، وتوقف حتمي عن الاستهانة بالانطلاقات الثورية، كما حال هذا الانتصار أن يبعد من مواقع التاريخ شعوبنا العربية المتحركة في تضامن عضوي راسخ وعميق مع جيوشنا الوطنية في طريق التحرر والثورة والنهضة.


النهضة أم التنمية
ويفصل الكاتب بحسم بين مفهوم «النهضة» وبين مفهوم «التنمية» مؤكدًا أن النهضة هي وجهة مصر والعالم العربي وتقضي النهضة وسيلة وغاية، أما الوسيلة هي الجبهة الوطنية المتحدة، أي اتحاد جميع القوى الوطنية صاحبة المصلحة في الاستقلال والتحرر من الاستعمار على أساس أن التناقض الرئيسي إنما هو بين هذه القوى الوطنية من ناحية والاستعمار الصهيوني من ناحية أخرى، وأن التناقضات الطبقية هي تناقضات تابعة، رغم أهميتها، تناقضات غير متصارعة رأسا في هذه المرحلة التاريخية، أما الغاية هي مشروع حضاري يتشكل من فلسفة ثقافية وطنية متميزة تهدف إلى الإجابة على سؤال مركزي هو: ما هو الإنسان المصري والعربي في العالم المعاصر؟ ما هي رسالة مصر والعرب المتميزة، وإسهامهم المتميز في تفاعل الحضارات المعاصر؟


أسئلة كبرى
وضع هذا الكتاب في ثلاثة أشهر ونشر للمرة الأولى في باريس سنة ١٩٦٢، كدراسة أولية طالتها أوجه نقص كبيرة، وفي ظروف أصبحت فيها قطاعات متضامنة متآخية من حركتنا الوطنية تتصارع في الظلام على حد تعبير الكاتب الذي رأى أن تناول الثورة المصرية «٥٢» في طورها المعاصر، وهي كما وصفها بأنها ملتهبة، متناقضة، صاخبة، متأزمة، طليعية، وذلك من وجهة نظر أرضيتها الوطنية ومنهجها الوطني ووجهتها وطنية، وفي الآن نفسه، وطنية اشتراكية.


وأكثر ما يمتاز به الكتاب هو طرح الأسئلة الكبرى التي طفت على سطح الأحداث الجلل التي مرت بمصر وبطبيعة الحال على العالم العربي، أسئلة كثيرة تتزاحم في حيز منطقة الكاتب محاولًا الإجابة على أسئلة مثل ماهية الخصوصية المصرية، الجيش والتراث الوطني، رسالة الجماهير الشعبية، وماهية أيضًا جذور الاشتراكية المصرية، التي يتبناها الكاتب على أنها مدرسة فكر وعمل على مستوى رفيع من الأصالة والفاعلية، في مقابل نظرة الناس آنذاك الوظيفية الجامدة والتي عرفت باسم نظرية التحديث، والنظرة الماركسية الغربية التي أسهمت في اثراء الفكر والعمل، لكنها عجزت عن استيعاب تحرك الشعوب والحضارات اللاغربية.


ظواهر استثنائية
من هنا كانت نظرة «الاستغراب» إلى الأنماط الجدية في تحرك شعوب الشرق، ومن هنا أيضا ظهرت أفكار ونظريات مثل «الغيرية» و«الاستثنائية»، وشيئا فشيئًا أصبح من الواضح أن الإطار النظري كله على اختلاف اتجاهاته المنهجية والفلسفية، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، غريب إلى حد بعيد عن واقع المجتمعات والحضارات الشرقية، يستطيع أن يسهم في فهم أجزاء من تحركاتها، ولكن إلى حد معين، وإلى حين، ويعجز عن إدراك خصوصيتها، فيطلق عليها "ظواهر استثنائية" مغايرة للنظرية العامة التي وضعها الغرب.


استبعاد النخب
ويصف الكتاب المرحلة من سنة ١٩٥٢ حتى سنة ١٩٥٦ بأنها الأولى من النظام العسكري وكانت تهدف إلى تعديل هيكل السلطة من أجل إقامة مجتمع وطني حديث، ومستقل وصناعي في آن، وقد تحقق ذلك في قمة الهيكل السياسي الاجتماعي، بواسطة إلغاء الملكية وإنشاء جمهورية مصر، وحل جميع الأحزاب والمنظمات الموجودة، ما عدا الإخوان المسلمين الذين ظلوا حتى سنة ١٩٥٤، كما تم استبعاد النخب السياسة التقليدية المتأثرة بشكل واسع بالتقاليد الليبرالية الأوروبية، وحل محلهم تدريجيا نوع جديد من الرسميين.


وجرى السير في هذه السياسة بواسطة الإصلاحات الزراعية، التي هدفت إلى إضعاف الأسس الاقتصادية لمالكي الأراضي الرأسماليين، وإلى زيادة عدد ملاك الأراضي الزراعية الصغار بكثرة، وكذلك إلى إعادة توجيه استثمارات الرأس مال إلى الصناعة، كما هدفت إلى اقصاء النفوذ الشيوعي في الريف حيث كان يختمر بحلول عام ١٩٥١، ثم انبثق حزب «هيئة التحرير»، الذي كان تشكيلا برلمانيا موازيا من الناحية الأيديولوجية، للإخوان المسلمين، كان من المؤمل أن يقبل الرأسمال المحلي، الذي يستثمر أغلبه في الزراعة، الإغراء الرسمي، المدعم بسلسلة من القوانين الجديدة، لكي يوظف أمواله في الصناعة بمساعدة البنك الصناعي الذي أشئ حديثا، والمجلس الدائم لتطوير الإنتاج.


وفي الفترة التي تبدأ من سنة ١٩٥٦ وإلى سنة ١٩٦١، وقد بدأت مع أزمة السويس، فبعد النجاح في الحصول على موافقة بريطانيا على جلائها التدريجي ولكن الكامل من قاعدة القناة سنة ١٩٥٤، شنت الحكومة هجوما ضد حلف بغداد سنة ١٩٥٥/ ١٩٥٦، ثم انتقلت إلى المشاكل الاقتصادية التي تجابه مصر، وأولها سد أسوان العالي، وأدى هذا الالتحام للقضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية إلى رفض جون فوستر دالاس الاستمرار في تقديم المساعدة المالية لمشروع السد العالي، وتبع ذلك تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر.


كانت النتيجة، بالنسبة للعالم الخارجي، غير متوقعة، فقد تم تمصير أو تأميم، ٥٥ شركة فرنسية وبريطانية بحيث أصبحت تحت رعاية المؤسسة الاقتصادية، التي أخذت تمثل الشركات التي تملكها الدولة، لذلك فإن هذه المرحلة من النظام العسكري بمظهر التحالف بين الجهاز العسكري والقطاعات المالية والصناعية البورجوازية وخاصة مجموعة بنك مصر، لكن هذا التحالف حسب تصور الضباط الأحرار، كان عليه أن يعمل في الميدان الاقتصادي بشكل أساسي، إذ أن السيطرة السياسية وسلطة اتخاذ القرار كان يجب أن تظل في أيديهم تماما.


أنور عبد الملك
ولد أنور عبد الملك بالقاهرة في ٢٣ أكتوبر سنة ١٩٢٤، لأسرة تهتم بالفكر والثقافة والنضال الوطني ويشتهر عن والده أنه الذي قاد «منظمة اليد السوداء»، التي اعتبرت التنظيم السري لحزب الوفد المصري خلال ثورة ١٩١٩.
حصل أنور عبد الملك على ليسانس الآداب في الفلسفة عام ١٩٥٤ من جامعة عين شمس، والتحق أنور عبد الملك بأحد التنظيمات الشيوعية، لكن ألقي القبض عليه لمدة عام قبل أن يهرب ويختبئ في منزل الفنانة الشهيرة تحية كاريوكا، ثم سافر إلى فرنسا ليواصل دراسته الفلسفة وعلم الاجتماع في باريس.


وحصل على الدكتوراه في علم الاجتماع ودكتوراه الدولة في الآداب من جامعة السوربون بفرنسا، وصدرت الترجمة العربية لأطروحته وكانت بعنوان «نهضة مصر»، وفي منفاه انشغل بالتطورات التي حدثت في المجتمع المصري بعد ثورة يوليو، وكانت موضوع كتابه «المجتمع المصري والجيش» وفي باريس، ظل الراحل يكتب عن مصر والعرب.


وخلال مسيرته العلمية عمل «عبد الملك» بالعديد من المراكز العلمية في مصر والخارج، فكان أستاذا للأبحاث بالمركز القومي للبحث العلمي بباريس سنة ١٩٦٠ ثم مديرًا للبحوث سنة ١٩٧٠، كما عمل أستاذًا لعلم الاجتماع والسياسة بكلية العلاقات الدولية جامعة ريتسومي كان كيوتو باليابان، ومستشارًا خاصا للشئون الآسيوية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة، ومدير أبحاث فخريا بالمركز القومي للبحث العلمي بباريس، وهو عضو الاتحاد العالمي لعلم الاجتماع وعضو لجنته التنفيذية، علاوة على توليه منصب نائب رئيس الاتحاد من ١٩٧٠- ١٩٧٨. وهو مدير مشروع بجامعة الأمم المتحدة في الفترة من ١٩٧٦- ١٩٨٦، وعضو مراسل بالأكاديمية الأوروبية للفنون والعلوم والآداب.


ونال أنور عبد الملك عددا من الجوائز منها: جائزة الصداقة الفرنسية- العربية سنة ١٩٧٠، والميدالية الذهبية من أكاديمية ناصر العسكرية سنة ١٩٧٦، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة في مصر سنة ١٩٩٦.