الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

«الفن الذي نريد».. أين محمد نجيب من سينما ثورة يوليو؟

محمد نجيب وعبد الناصر
محمد نجيب وعبد الناصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

السينما هي مرآة المجتمع؛ تعكس بدورها ثقافة الشعوب وتاريخها وماضيها، وهي التي تعكس أيضا مدى تدهور الشعوب وتدنيها، فهي النافذة التي يراك منها العالم الخارجي والشعوب الأخرى. من هنا، يمكن لجمهور السينما المصرية تتبع حياة كل زعماء مصر عبر عدد كبير من الأفلام، خاصة القادة الذين خططوا لثورة يوليو 52، المنسيين منهم والخالدين.


ولكن على ما يبدو أن صناع السينما في مصر أغفلوا دور اللواء محمد نجيب، بنفس قدر الإهمال الذي تعرضت له سيرته وتاريخه في كتب التاريخ المدرسية، التي اكتفت بذكر وضعه "تحت الإقامة الجبرية"؛ كذلك منعه من الظهور إعلاميًا، وإذا ذُكر يكن الأمر بشكل مهمش مؤكدين على أنه لم يكن أكثر من واجهة، استخدمها "الضباط الأحرار" لسمعته الطيبة ولمنصبه الهام في الجيش، إلا أنه لم يحظ حتى الآن باهتمام يُذكر في عشرات الأعمال التي وثقت للثورة.


هذا الإغفال - المتعمد على ما يبدو - يؤكده الناقد السينمائي محمود قاسم، بأن تهميش دور محمد نجيب، يرجع إلى محاولة هيمنة الرئيس جمال عبد الناصر على الحكم، ورغبة صنّاع السينما آنذاك في التقرب من السلطة ومنافقتها، وعدم إثارة غضب النظام الحاكم، موضحا "كان هناك صراع على السلطة بين الضباط الأحرار، وهو ما دفع عبد الناصر للتخلص من زملائه واحدًا تلو الآخر، وبدأ بنجيب، وبعده كمال الدين حسين، عبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين، ولم يتبق من الضباط الأحرار حول جمال سوى أنور السادات وحسين الشافعي".


اقصاء محمد نجيب ظهر مبكرًا في السينما في أعقاب الثورة؛ ففي نوفمبر 1952، كان المخرج أحمد بدرخان في خضم التحضيرات لفيلم جديد يحمل اسم "الله معنا"، تدور قصته عن رحلة الضباط الأحرار وتصوير محمد نجيب على أنه المحرك الرئيسي لثورة 23 يوليو 1952، السيناريو الأصلي للفيلم كان معدًا ليكون قائد الثورة هو اللواء محمد نجيب، وقد كلف الممثل "زكي طليمات" بتجسيد شخصيته. لكن انفراد عبد الناصر بالحكم، عجل من تغير سيناريو الفيلم، ليناسب الوضع الجديد للسلطة، وتم محو شخصية محمد نجيب، واختفى اسم طليمات من أفيشات الفيلم، الذي عرض لأول مرة في 14 مارس 1955.


ثانِ محاولات الاقصاء المبكرة كانت عام 1954، عندما خرجت رواية "رد قلبي" للنور، ففي النص الأدبي، يعترف المؤلف يوسف السباعي، الضابط، وزميل السلاح للضباط الأحرار، أن نجيب هو أول رئيس للثورة، ولأمر موثق ضمن أحداث الرواية، لكن الضابط الآخر عز الدين ذو الفقار، الذى كتب السيناريو لفيلم "رد قلبي" قام بتغيير خط الرواية وحذف وجود محمد نجيب من الثورة، وذلك عندما تم تحويل الرواية إلى فيلم ضخم من إنتاج آسيا.

 

وبمرور الوقت وتعاقب أنظمة الحكم في مصر لم تغير السينما نظرتها لنجيب على الإطلاق. في فيلم "جمال عبد الناصر" الذي لعب دور البطولة فيه للفنان خالد الصاوي، وصدر عام 1999، تدور أحداثه حول مائة يوم من حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وجسد الفنان جميل راتب دور اللواء محمد نجيب، ولم يظهر دور نجيب بشكل واضح. هذا التهميش امتد حتى بدايات الألفية الثالثة من خلال فيلم "أيام السادات" للمخرج محمد خان، تدور قصة الفيلم حول السيرة الذاتية لحياة الرئيس محمد أنور السادات، وقد جسد الفنان عبد الغني ناصر شخصية اللواء محمد نجيب، ولكن لم يظهر لنا الفيلم أي تفاصيل عن حياة "محمد نجيب" سوى مشهد وحيد يظهر فيه نجيب في محطة القطارات بعدما صدر قرارًا بعزله من الحكم وتحديد إقامته.


من المرجح أيضًا أن يكون اقصاء نجيب سينمائيًا يرجع إلى الخطاب الفني الذي تبناه الجنرال المعزول بعد قيام الثورة بأقل من شهر، وهو ما ذكره المخرج محمد كامل القليوبي في بحثه "السينما المصرية وثورة يوليو.. صراع الاحتواء بين السينما والثورة" ضمن كتاب "السينما المصرية.. الثورة والقطاع العام". يضيف القليوبى أنه بعد مضى خمسة وعشرين يومًا فقط على قيام ثورة يوليو فى 18 أغسطس عام 1952 صدر أول تصريح عن السينما من القائد العام للثورة اللواء محمد نجيب، ثم أعقبه تصريح 11 نوفمبر، الذى نشرته مجلة "الكواكب" وكانا مضمونهما – حسب الباحث - يتسم بلهجة التهديد، وصاكك عليها صفة الخلاعة والميوعة، وانحناؤها نحو التجارة، ولا يمكن قبول ذلك أو السكوت عليه – حسب البيان المذكور في البحث - لأننا بذلك نسئ استعمالها، ونهوى بأنفسنا إلى الحضيض وندفع جيلًا من الشباب إلى الهاوية.


ويقول نجيب في بيانه الذي أسماه "الفن الذي نريده": "في هذه الفترة القلقة بعد الثورة، وبينما كانت أجهزة الإعلام تبث دعايتها الديماغوجية عن الحركة المباركة – كما سمتها وقتها – في حالة تخبط واضح لعدم وضوح أيديولوجية محددة للثورة، وبادرت السينما المصرية وبنفس الدرك من الهبوط والابتذال بتأييد الثورة".


وبعد بيانه بشهرين، نشر نجيب في مجلة "الكواكب" مقال بعنوان "رسالة إلى الفن"، أشار إلى أن السينما في عهد الملكية كانت تصور الميوعة والخلاعة، فلم يخلو فيلم في هذه الفترة إلا وظهرت فيه راقصة بل وأقحم وجودها إقحامًا، وأوضح أن موقف الثورة الجديد يرفض هذه السينما رفضًا قاطعًا، كما بيّن دور الفنانين ومسؤوليتهم الضخمة في التأثير على الجمهور، ولم ينس احتياج هذه الصناعة للتمويل اللازم لصنع أفلام كبيرة تجسد شعارات الثورة.


إن محاولات توثيق حياة محمد نجيب في السينما كانت لا تزال مستمرة حتى وقت قريب، فحين طالبت مجموعة من المثقفين بعمل فيلم سيرة ذاتية عن محمد نجيب واجهتهم بعض الصعوبات المادية، وكانت تدور أحداثه حول السيرة الذاتية للرئيس، وكان من تأليف محمد ثروت وإخراج علي بدرخان، ورغم رصد جهاز السينما ميزانية 20 مليون قابلة للزيادة لتنفيذه، لكنه لم يرى النور حتى الآن.