الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

الصحافة المصرية تستقبل 23 يوليو بتأييد غير محدود

ثورة 23 يوليو
ثورة 23 يوليو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استقبلت الصحافة المصرية أحداث 23 يوليو 1952، - التي قامت في ظل الأحكام العرفية التي فرضت على البلاد عقب حريق القاهرة، 26 يناير 1952م، - وفي مقدمتها جريدة المصري بشكل خاص، وسائر صحف المعارضة بشكل عام، استقبالًا رائعًا مع تأييدها من غير المحدود، ولم تتحفظ في عرضها لأحداث ذلك اليوم إلا جريدة الأهرام.

بهذه الكلمات وصف الدكتور إبراهيم عبده، أستاذ تاريخ الصحافة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول، "جامعة القاهرة حاليًا"، استقبال الصحافة المصرية لثورة 23 يوليو، في كتابه تطور الصحافة المصرية ١٧٩٨- ١٩٨١، مشيرًا إلى أن صحيفة المصري ومجلة روز اليوسف، كانتا في مقدمة الجرائد التي ناصرت الجيش في حركته، وكان أصحاب الصحيفتين على علاقة وثيقة برجال هذه الحركة قبل قيامها، وكانوا - فيما قيل - يطبعون في مطابعهم منشورات الضباط الأحرار التي أرّقت حياة الملك وأفزعت بطانته، ولعدة شهور تلت ذلك اليوم كان الصحف المصرية تؤازر حركة الجيش كما كانت تسمى في أيامها الأولى، والتي أطلقت عليها بعد ذلك لفظ "الثورة"، كما كانت مجلة الرسالة في مقدمة المجلات التي دعمت ثورة يوليو.

كتب العديد من المُفكرين المصريين مُعددين مزايا الثورة، ومناقب الحكم الملكي المُنقضي، وعلى رأسهم الدكتور طه حسين، حسب ما جاء في  كتاب "طه حسين من الملكية إلى الجمهورية" للكاتب حلمي النمنم الصادر عن هيئة قصور الثقافة، والذي ناقش خلاله علاقة الدكتور طه حسين بثورة 23 يوليو 1952م، تلك العلاقة المُلتبسة وموضع الشائعات، لا سيما أنّ النظام الملكي قدّم للدكتور طه حسين كل ما يمكن أن يقدمه لمثقف وكاتب كبير، حيث حصل على الباشاوية وأصبح وزيرا في عهد الملك فاروق، ومع ذلك لحظة تحرك الضباط الأحرار، كان طه حسين في إيطاليا يوم 23 يوليو 1952، هاتفه السفير المصري في إيطاليا بصفته وزيرا سابقًا ليخبره بما حدث في القاهرة، وأخبره أنّ مجموعة من الضباط تحركوا ضد الملك، فرد طه حسين على السفير، قائلا: "إنها ثورة"، أي أنّه من اللحظة الأولى أطلق على الحدث "ثورة".، ووفق كتاب حلمي النمنم، انحاز الدكتور طه حسين للثورة من اللحظة الأولى. هو والنخبة الثقافية الحقيقية كانوا أول من أيّد ثورة يوليو ودافعوا عن تحرك الجيش بقوة، وكان رأيهم أنّ الجيش المصري وحده هو القادر على تحرير البلاد من الاحتلال الانجليزي.

كما كتبت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد مقالًا في مجلة الرسالة في سبتمبر 1952م، بعنوان "يوم 26 يوليو"، تقول فيه: في ٢٣ يوليه سنة ١٩٥٢م قالت مصر "لا" مدوية كالرعد، نافذة كحكم القدر. وفي 26 يوليه سنة 1952م، فتحت مصر بابها فخرج الظلم إلى غير رجعة.. ودهش العالم، وابتسم القدر، وسجل التاريخ، وهتفت الوطنية. في ٢٦ يوليه سنة ١٩٥٢م خرج الظلم وانكمش أعوانه متضائلين بعد أن عاثوا الفساد وأشاعوا الفوضى، وأرهقونا بالبؤس، وحرمونا من الخير، وأذلونا بالاضطهاد، وقتلونا بالعنت والكبت، واعتصروا دماءنا ليريقوها في كؤوسهم خمرا، وما حسبوا أن الله لهم بالمرصاد وأن وراء الخمر أمرا. 

قالت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في مقالتها المنشورة في مجلة الرسالة، المؤيدة لثورة يوليو: لولا تفاقم الخطب لما نفد الصبر، ولولا اشتداد الكرب لما انفجر الصدر، ولولا توالي لذعات الألم لما فاضت الكأس، لقد أكرهنا على أن نقدم ما نزرع ليتخموا ونجوع، واغتصبوا الضرائب التي ندفعها باسم مخصصات ومرتبات يكدسونها أكواما من النضار عاما بعد عام دون أن تنقص لأننا مكلفون مع هذا أن نتحمل تكاليف طعامهم ولباسهم ومركباتهم ونزهاتهم وأسفارهم وولائهم وزينات أفراحهم، حتى إذا ضاقوا ذرعا بالمال كما نضيق ذرعا بالعدم بعثروه في سفاهة على الموائد الخضراء وفى الليالي الحمراء، حتى إذا طلع النهار اتخذوا سمت الصالحين فغشوا المساجد، وأداروا حبات المسبحة. وبلغت السخرية مداها حين زعموا.. ويالهول ما زعموا.. زعموا اتصال نسبهم بني المسلمين!

اختتمت نعمات أحمد فؤاد بقولها: سنجعل من ذكرى ٢٦ يوليه سنة ١٩٥٢م نشيدا قوميا يحفظه عنا أبناؤنا ليعرفوا حقهم فلا يفرطوا فيه، ويعتزوا بوطنهم فلا ييأسوا منه معماران عليه الظلام والكمد، فها هو النور انبثق دفعة واحدة، وعلى غير انتظار من جوف ليل بهيم عابس حسب معه الكثيرون أن الصبح ضل طريقه، فإذا به غامر الضياء مائس النور.

 بعد استقرار الأمر للضباط الأحرار؛ أصدروا مجلة يهدفون منها أن تدافع عن الدستور والحياة النيابية وسموها "مجلة التحرير" وأشرف عليها أول الأمر الضابط أحمد حمروش ثم ثروت عكاشة وهو ضابط مؤهل صحفيًّا حيث درس ثروت المهنة في معهد التحرير والترجمة والصحافة بجامعة فؤاد الأول غير أنه نُحّي عن عمله الصحفي ذاك، وأسند العمل في المجلة إلى الضابط صلاح سالم.

صدرت لاحقًا جريدة الجمهورية وولى أمرها الضابط أنور السادات، وجُنّدت لها أقلام ضخمة ومعروف أصحابها بمكانتهم العلمية والأدبية التي لا يماري فيها أحد، وفي مقدمتهم الدكاترة "طه حسين ومحمد مندور ولويس عوض"، وقد بقي توزيعها محدودًا بالرغم من هذه الأسماء الضخمة التي وظفت فيها، ولم يتسع انتشارها إلا في أزمة مارس التي نشأت إثر خلاف بين محمد نجيب وأعضاء مجلس الثورة سنة ١٩٥٤م حول العودة بالبلاد إلى حالتها الطبيعية في ظل دستور جديد، وقد انتصر محمد نجيب أول الأمر فألغيت الأحكام العرفية ورفعت الرقابة عن الصحف، وأطلق سراح المعتقلين من الإخوان المسلمين والشيوعيين والوفديين، وبدت البلاد وكأنها في طريقها إلى الاستقرار في ظل الحرية والديمقراطية، ويقول الدكتور إبراهيم عبده: هنا قرأنا في الجمهورية دراسات ممتعة عن الدستور ونظام الحكم.