قال الدكتور علي محمد الخوري، رئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي - مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، إن دول منطقة الخليج العربي تطورات سريعة ومثيرة عبر قطاعات متعددة وخاصةً في المجالات الاقتصادية والخدمية والتكنولوجية والصناعية.
أوضح في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أنه على مدى السنوات الماضية، شهدت المنطقة تحولات ملحوظة من الاعتماد على موارد الطاقة التقليدية، مثل النفط والغاز، إلى زيادة التركيز على تنويع مصادر الدخل والمرونة الاقتصادية. هذا التنويع الذي يأتي كنتيجة للخطط الاستباقية التي تنتهجها الدول الخليجية، بات يتبلور ويتضح مع المشاريع الطموحة لتطوير البنى التحتية في دول المجلس وتنفيذها لمشاريع النقل والمواصلات والطيران والتعليم والصحة والطاقة النظيفة وبيئات الأعمال التنافسية والمباني الآمنة والصحية. وقد برز قطاع السياحة المزدهر، على وجه الخصوص، كركيزة أساسية في استراتيجيات التنويع، وكمساهم جديد وكبير في الدخل القومي للمنطقة.
قطاع السياحة كمحفز للنمو الاقتصادي في المنطقة العربية
وأشار الى أن قطاع الخدمات القطاع هو الأكثر دخلاً والأكثر هيمنة على الناتج الاقتصادي العالمي، حيث تساهم السياحة بشكل كبير في الأنشطة الاقتصادية. بلغت مساهمة هذا القطاع في عام 2022 بحسب مجلس السفر والسياحة العالمي، ما يقرب من 7.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أي بنحو 8 تريليونات دولار. ويلعب القطاع السياحي – الذي غدى ذا أولوية إنمائية في جميع أنحاء العالم - دوراً رئيسياً في تحفيز نمو الدخل الوطني والصادرات وجذب الاستثمارات الأجنبية ومصدراً مهماً للنقد الأجنبي والإيرادات الضريبية، وكذلك في توفير فرص التوظيف التي بلغت وفق إحصاءات عام 2022 إلى أكثر من 330 مليون فرصة عمل على مستوى العالم.
تابع: هذه المعطيات دفعت دول مجلس التعاون لإعطاء الأولوية لتنمية هذا القطاع كأحد الروافد الأساسية في اقتصاداتها، وكرست جهودها لإنشاء بنية تحتية سياحية قوية بما في ذلك الفنادق والقرى والمواقع السياحية الشهيرة والمطارات. إلى جانب ذلك، ركزت المنطقة أيضاً على تدريب القوى العاملة المؤهلة والماهرة لضمان التميز في الخدمات، والتأكيد على دور القطاع الحيوي في دعم الآفاق الاقتصادية في منطقة الخليج.
النهج الاستراتيجي في ريادة الاستثمار السياحي
وذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة، تبرز على وجه الخصوص، كواحدة من أكثر الدول تقدماً في المنطقة العربية في مجال السياحة. وكانت الإمارات قد أطلقت استراتيجيها الوطنية للسياحة والتي ارتكزت على 25 مبادرة وسياسة تدور حول أربع ركائز رئيسية شملت تعزيز الهوية السياحية الوطنية، وتطوير وتنويع المنتجات السياحية المتخصصة، وبناء القدرات السياحية، وزيادة الاستثمارات في مختلف القطاعات السياحية.
وأضاف أن الاستراتيجية، تضمنت مجموعة متنوعة من أنواع السياحة، منها التاريخية والترفيهية إلى العلاجية والبيئية، مما يجعلها وجهة عالمية جاذبة لمختلف الاهتمامات السياحية. كما وتشمل الاستراتيجية التي تمتد حتى عام 2031، على أهداف طموحة لرفع مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي الوطني ليصل إلى 450 مليار درهم، وجذب 100 مليار درهم من الاستثمارات الجديدة، واستضافة 40 مليون نزيل في المنشآت الفندقية.
الخطة الطموحة للسياحة السعودية
وقال إن السياحة تمثل القطاع الاقتصادي الثاني في المملكة العربية السعودية، بعد قطاع المصارف والبنوك، من حيث فرص التوظيف لمواطنيها، حيث يمثل السعوديون ما نسبته 27.1 % من إجمالي عدد العاملين في القطاع السياحي. وازداد اهتمام المملكة بقطاع السياحة، مع تخصيصها لاستثمارات بلغت 800 مليار دولار على مدى العقد المقبل.
وذكر ان هذا الاستثمار بهدف إلى رفع مساهمة قطاع السياحة في الدخل القومي إلى ما يقرب من 10%، بزيادة كبيرة عن النسبة الحالية المقدرة بنحو 3%، ولتسهيل هذا النمو، نفذت المملكة العديد من الاستراتيجيات التنموية بما في ذلك التأشيرات السياحية الإلكترونية التي سمحت لـمواطني 49 دولة الدخول لأراضيها بالموافقة المسبقة وتخفيف المتطلبات للدول الأخرى، والعديد من المبادرات المدرجة في رؤية 2030، ذات الصلة بتطوير المرافق والبنية التحتية السياحية، وتكثيف جهود التسويق السياحي والتجاري، وتعزيز السياحة الدينية والترفيهية. ويبدو بأن تأثير هذه الاستراتيجيات بدأ بجني الثمار، حيث ارتفعت إيرادات السياحة إلى 4.45% في عام 2023 وخلقت آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في هذا القطاع.
الاستثمار السياحي كوسيلة للتوظيف والتعاون
وتوقع أن تعزز المشاريع السياحية الكبيرة الجارية في المنطقة العربية نمو قطاع السياحة بشكل أكبر من مساهمتها الحالية والبالغة 3% من إجمالي حركة السياحة العالمية، إلى جانب توفير الملايين من فرص العمل المباشرة في منطقة دول المجلس، كما تعد هذه المشاريع بخفض معدلات بطالة الشباب ورفع نسبة المساهمة القطاعية في الدخل القومي لدول المنطقة، ثم أن هذا القطاع من شأنه أن يعمل على إبراز قدرات منطقة الخليج على الساحة الدولية، ويعزز من صورتها الذهنية العالمية، وأن يؤدي إلى تمتين السلام الاجتماعي، وتسهيل التعاون الدولي، وجذب الاستثمار العالمي إلى المنطقة في مختلف القطاعات.
مستقبل الاستثمار السياحي الخليجي
اردف: التطور التدريجي الخليجي في تسخير إمكانات قطاع السياحة ستثبت نتائجه بالاستثمارات الاستراتيجية المتطلعة لتنويع القواعد الاقتصادية. ومع استمرار الدول الخليجية الكبرى مثل الإمارات والسعودية في تسخير إمكانات هذا القطاع، ستلعب السياحة بلا شك دوراً أكثر أهمية في تشكيل المشهد الاقتصادي المستقبلي لمنطقة الخليج العربي، وإظهار القوة التحويلية للاستثمار السياحي والكشف عن دورها كمحرك أساسي للتنمية الاقتصادية الوطنية وخلق فرص العمل. وذلك يستوجب على صانعي السياسات الاستمرار في التركيز على الأولويات والابتكار في هذا القطاع، بما يضمن بقاء المنطقة لاعباً رئيسياً على المسرح العالمي.
واستكمل: ومن بين الموجهات العديدة، نبرز هنا 4 منها. الأول مرتبط بتنمية الحاضنات الوطنية الداعمة للتطبيقات التكنولوجية والابتكار مثل توظيف الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات التواصل الاجتماعي في قطاع السياحة لتعزيز تجربة خدمة المتعاملين، والترويج للمرافق السياحية، والتسويق لمشاريع البنية التحتية الرئيسية ومناطق الجذب السياحي. وذلك يستدعي بطبيعته الاستثمار المستمر في البنى التحتية للسياحة وتدريب القوى العاملة لضمان تقديم خدمات عالية الجودة وكضرورة لجذب السياحة الدولية.
وطالب رئيس الاتحاد العربي، بضرورة إجراء المراجعة الدورية للخطط الاستراتيجية والتشغيلية والتأكد من تلاقيها وتكييفها مع متطلبات النمو المستدام والاتجاهات الناشئة في قطاع السياحة. كما أنه لا يجب إغفال حقيقة دور القطاع السياحي في تشجيع التعاون الدولي وتقوية العلاقات الدبلوماسية في النظام العالمي.
تابع: نعتقد أنه لضمان تقدم الدول الخليجية والمحافظة على قدراتها التنافسية في صناعة السياحة العالمية وجني العوائد والفرص الاقتصادية العملاقة التي تقدمها، فإن المتطلب الرئيسي حتماً سيكون معتمداً على القدرة على الاستمرارية في التركيز الاستراتيجي والابتكار في هذا القطاع.