ماذا يزرع البابا فرنسيس بروضة الكنيسة الكاثوليكية
البابا لا يعبأ بالهوس الإعلامى عن صحته وقرب رحيله
كتب : إبراهيم ناجي
مع إعلانه يوم الأحد الماضى التاسع من يوليو 2023، تسمية كرادلة جدد فى سبتمبر المقبل، يبدو أن البابا فرنسيس يمضى فى خدمته كخليفة القديس بطرس فى رعاية قطيع المسيح وبصفة خاصة البعيدين وغير الملتفت إليهم.
وعلى مثال بطرس الصياد يظهر بيرجوليو المزارع كما كان بمزارع جامعة سان ميجيل اليسوعية ببيونس أيريس قبل 40 عاما، باذرا حبات الكرادلة الجدد فى روضة الكنيسة الكاثوليكية عساها تنتج ثلاثين وستين ومائة فى مستقبلها القريب.
البابا الأرجنتينى اليسوعى لا يعبأ بالهوس الإعلامى بصحته وبقرب رحيله عن قيادة الكنيسة والذى يظهر جليا فى جميع المقابلات والحوارات التى أجراها فرنسيس منذ العام 2021 بالنظر إلى كونه الآن بعمر 86 ونصف أصبح أكبر بابا يخدم كرسى القديس بطرس منذ 120 عاما منذ وفاة البابا ليو الثالث عشر عن عمر يناهز 93 عاما فى عام 1903.
مع الاختيارات الجديدة للكرادلة الواحد والعشرون تصبح نسبة الكرادلة الذين يحق لهم الحق فى انتخاب البابا التالى لفرنسيس 73% من بين أعضاء مجمع الانتخاب المقبل ما يعزز رؤية جميع المتابعين بأن البابا اللاتينى يمضى بكامل طاقته فى وضع حجر الأساس لرؤية إرسالية مغايرة لمستقبل الكنيسة الكاثوليكية خلال القرن الحادى والعشرين وبشكل خاص مع انعقاد مجمع السينودس فى اليوم التالى لتسمية الكرادلة الجدد فى الأول من أكتوبر 2023، وبعد ذلك بعام خلال مجمع السينودس الكبير فى أكتوبر 2024 فى حال ظل خورخيه ماريو بيرجوليو حبرا أعظم للكنيسة الكاثوليكية.
تعكس اختيارات البابا فرنسيس للكرادلة دوما رغبته فى تغذية هيكل الكنيسة الرسولى والمجمعى بخدام ربما يشبهونه، متقشفين، غير معروفين، مهتمين بخدمة الفقراء والمهمشين، داعين لرعاية وحماية المهاجرين، منشغلين بخدمة الناس وهمومهم حيث هم، ومن أطراف العالم ودوله النامية ومن بين شعوبه التى تشهد ازدهارًا فى الإيمان بالمسيح على الرغم من سوء أحوالها الاقتصادية والمعيشية وهو ما يظهر تمامًا فى اختياراته للكرادلة هذه المرة من دول جنوب افريقيا وجنوب السودان وتنزانيا وماليزيا وهونج كونج وكولومبيا والأرجنتين.
الظاهر والمعلوم وشبه المؤكد، أن البابا فرنسيس يريد كنيسة كالتى أسسها المسيح كنيسة فقيرة لأناس فقراء وبخدام فقراء، كنيسة لا حسابات بنكية لها ولا يوجد بها أمين صندوق على مثال الاسخريوطى، كنيسة تخرج من اكتفائها الذاتى بتاريخها، كنيسة لا يحكمها الصفوة من الأكاديميين أو اللاهوتيين أو المحافظين أو اليساريين أو المتشددين أو مديرى الجامعات الدينية أو أحبار المجامع الكنسية أو البارزين بالكوريا الرومانية الحاكمة، كنيسة سيكون حبرها الأعظم القادم خادما للناس أكثر من كونه خادما للبروتوكولات والتقاليد والأعراف والأنماط الدينية التى تحرم الناس من أحضان الكنيسة المنفتحة على الجميع والمرحبة بالجميع والمتضامنة مع الجميع كما المسيح مؤسسها.
3 قراءات سريعة لكلمات البابا فرنسيس فى 3 مناسبات خلال الثلاثة أعوام الماضية يمكن أن توضح رؤية البابا لكنيسة المستقبل وكيف يضع بذرتها فى الزمن الحاضر؛ الأولى جاءت فى حواره الممتد فى العام 2020 مع كاتب سيرته الذاتية أوستن أفرى وقت وباء كورونا مفردا كيف يمكن أن يصير العالم أفضل بعد زوال هذه الكارثة ومعبرًا عن مسيحية جامعة وكنيسة أكبر شركة واستقبالا فى ظل السينودسية التى ستختبر الكنيسة مسيرتها خلال الفترة ما بين 2021 حتى 2024.
وهنا تظهر الكلمة الثانية المعبرة عن رؤية البابا لسينودسية الكنيسة ذاتها يوم 18 سبتمبر 2021 وقبل أسابيع من افتتاحه لأعمال مجمع السينودس، حيث خاطب مؤمنى روما كاسقفهم متحدثا عن مركزية الفقراء والمهمشين فى قلب الكنيسة. والقراءة الثالثة يوم 27 أغسطس من العام الماضى 2022 خلال عظة قداس تسمية الكرادلة الجدد يومها موصفا ما يجب أن يتمتع به الكرادلة المرسلين فى خدمة الناس وبصفة خاصة المهمشين والفقراء والبعيدين.
فى كتاب «دعونا نحلم» الصادر فى العام 2020 يشارك الكاتب الإنجليزى أوستن أفرى كلمات البابا فرنسيس بشأن المسيحية الجامعة والكنيسة الأكثر شركة، يؤكد البابا فرنسيس قائلا: «فالمسيحية لم تكن أبدا حكرا على ثقافة خاصة ولكنها غنية بثقافات الشعوب حيثما وجدت. كل خبرة من خبرات هذه الشعوب هى هبة من الرب بحسب ثقافتها الخاصة، وفى كلا منها تعبر الكنيسة عن أصالة كاثوليكيتها، وجمال أوجهها المختلفة».
يمضى البابا مشيرا إلى أولوية وحدة الكنيسة على الرغم من إرث خلافاتها وانقساماتها: «إن خبرة السينودس تتيح لنا السير معا ليس فقط بغض النظر عن اختلافاتنا، ولكن بالسعى نحو الحق ووضع غنى توترات الأقطاب على المحك. العديد من الاختراقات حدثت فى المجالس والمجامع عبر تاريخ الكنيسة. ولكن الأهم هو التناغم الذى يمكننا من المضى قدما معا على ذات الطريق، بالرغم من جميع اختلافاتنا».
فى 18 سبتمبر من العام 2021 تحدث البابا فرنسيس إلى مؤمنى إبارشية روما الذى هو أسقفهم مشاركا إياهم بأهمية تخطى مركزية روما فى إدارة تشاركية الكنيسة وانتشارها، حيث الكنائس المحلية والبعيدة ممهدا الطريق لافتتاح أعمال سينودس الكنيسة شركة مشاركة ورسالة بعد ذلك بحوالى 20 يوما، يومها تحدث البابا عن مركزية الفقراء والمهمشين وقيمتهم فى إدارة الكنيسة ربما أكثر من مركزيا روما ذاتها، تحدث البابا يومها قائلا: «لا يمكن أن يقتصر حس الإيمان على التواصل والمقارنة بين الآراء التى قد نحملها تجاه هذه المسألة أو تلك، أو فى هذا الوجه الخاص من العقيدة أو فى قانون ما من قوانين الكنيسة لا، هذه أدوات، إنها تعابير لفظية، إنها تعابير عقائدية أو تأديبية».
ولا يمكن أن تسود فكرة التمييز بين الأكثرية والأقلية: هذا يحدث فى البرلمان. كم مرة أصبح المهمشون حجرا للزاوية، «راجع مزمور 118، 22؛ متى 21، 42» والبعيدون صاروا قريبين. لقد تم اختيار المهمشين والفقراء واليائسين ليكونوا سرا «أداة وعلامة» للمسيح «راجع متى 25، 31-46».
بتواضع جم تحدث البابا عن قيمة الحوار بشأن مآسى الجميع لا تجاهلها بداعى الراحة الذاتية، وبما فى ذلك مآسى البابا ذاته: حيث قال واصفا الكنيسة السينودسية بأن: «السينودس يصل إلى الحدود، ويشمل الجميع».
يفسح المجال للحوار فى مآسينا، ومآسي أنا أسقفكم، ومآسى الأساقفة المساعدين، ومآسى الكهنة والعلمانيين، والمنتمين إلى الجمعيات. السينودس يتكلم على جميع هذه المآسى! وإذا لم نقم بإدراج بؤساء المجتمع- بين مزدوجين- والمستبعدين، لن نتمكن أبدا من تحمل مسئولية مآسينا وهذا أمر مهم: لا مانع من أن نظهر مآسينا فى الحوار، وبدون تبريرات، لا تخافوا!.
ثالثة الكلمات التى تعكس رؤية البابا فرنسيس لمستقبل الكنيسة كانت يوم السبت 27 أغسطس من العام 2022 فى عظة قداس تسمية 21 من الكرادلة الجدد واصفا النار التى يجب أن تشعل قلب الكرادلة كخدم للكنيسة وللمؤمنين وللعالم، وصف البابا يومها جودة البذور التى يزرعها فى تربة روضة الكنيسة بأنه: هكذا يريد الرب يسوع أن ينقل إلينا شجاعته الرسولية، وغيرته لخلاص كل إنسان، لا أحد مستثنى. أراد أن ينقل إلينا شهامته، وحبه بدون حدود، وبدون تحفظات، وبدون شروط، لأن رحمة الآب متقدة فى قلبه. هذا ما يتقد فى قلب يسوع: رحمة الآب.
وداخل هذه النار يوجد أيضا توتر خفي خاص برسالة المسيح، توتر بين الأمانة لشعبه، ولأرض المواعيد، وللذين سلمهم الآب له، وفى الوقت نفسه، بين الانفتاح على جميع الشعوب- ذلك التوتر العام- وعلى أفق العالم، وعلى الساكنين على الأطراف التى ما زالت غير معروفة.