أصدرت ألمانيا استراتيجيتها الأولى للصين هذا الأسبوع، والتى وصفت بكين بأنها منافس منهجى وتؤكد على حاجة أكبر اقتصاد فى أوروبا لتقليل الاعتماد الاقتصادى على أكبر شريك تجارى لها.
وقال المحللون لإذاعة صوت أمريكا، إن التحول فى السياسة الموضحة فى التقرير المكون من 64 صفحة والذى يشير إلى أن الصين قد تغيرت، يسلط الضوء على محاولة ألمانيا أن تكون أكثر ذكاء فى علاقاتها الاقتصادية مع بكين.
كما أكدوا أن تركيز الخطة على المحيطين الهندى والهادئ والحاجة إلى تكثيف التعاون العسكرى يظهر اعتراف ألمانيا بالصلة بين الأمن فى آسيا ومصالح برلين.
وقال إيان تشونج، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة سنغافورة الوطنية، إن الاستراتيجية هى انعكاس لبعض أفكار ألمانيا بعد الحرب فى أوكرانيا، وأضاف أنها تظهر أن برلين تعلمت أن المصالح الاقتصادية لا يمكن أن تساعد بالضرورة فى الحفاظ على السلام.
المخاطر الجيوسياسية فى الاستراتيجية الخاصة بالصين، التى تم إصدارها يوم الخميس الماضى، تدعو برلين الشركات الألمانية إلى تضمين المخاطر الجيوسياسية فى عملية صنع القرار الخاصة بهم وتحذر من أن الشركات التى تعتمد بشكل خاص على السوق الصينية سوف تضطر إلى "تحمل المخاطر المالية بشكل أكبر بنفسها" فى المستقبل.
وقالت برلين إنها تريد أن تصبح علاقتها الاقتصادية مع بكين أكثر عدلًا واستدامة وأكثر تبادلا"، وتتطلع ألمانيا أيضا إلى تعديل قوائم الرقابة على الصادرات لحماية التقنيات الرئيسية الجديدة.
وفى حديثها فى مؤتمر صحفى يوم الخميس، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك أنه بينما تحتاج ألمانيا إلى متابعة التنويع الاقتصادى، فإنها لا تخطط لإعاقة التنمية الاقتصادية للصين أو التنمية الاقتصادية الخاصة بها.
وقالت وزارة الخارجية الصينية يوم الجمعة الماضية، إن دعوة برلين لتقليل الاعتماد على الصين هى شكل من أشكال الحمائية وأن البلدين "شريكان وليسا متنافسين".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين خلال المؤتمر: "نعتقد أن الانخراط فى المنافسة والحمائية باسم تقليل المخاطر وتقليل التبعية، وإفراط فى توسيع مفهوم الأمن وتسييس التعاون الطبيعى لن يؤدى إلا إلى نتائج عكسية ويخلق مخاطر مصطنعة".
وبصرف النظر عن العلاقات الاقتصادية مع الصين، تسلط الاستراتيجية الضوء أيضا على تأثير علاقة بكين مع موسكو على موقف برلين، خاصة منذ الحرب فى أوكرانيا.
وأشارت ألمانيا فى تقريرها إلى أن قرار الصين بتعزيز علاقاتها مع روسيا له تداعيات أمنية مباشرة على ألمانيا.
وقال التقرير إن ألمانيا ستوسع سياستها الأمنية وتعاونها العسكرى مع شركاء مقربين فى المحيطين الهندى والهادئ"، مضيفا أن هذه الخطوة تؤكد التزامها بالحفاظ على النظام الدولى القائم على القواعد.
وتنص الاستراتيجية على أنه من مصلحة ألمانيا حماية السلع العامة العالمية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ على المدى الطويل.
فى السنوات الأخيرة، بدأت ألمانيا بالفعل فى تعزيز التزاماتها الأمنية لمنطقة المحيطين الهندى والهادئ. فى عام 2021، نشرت ألمانيا أول سفينتها الحربية فى بحر الصين الجنوبى منذ ما يقرب من 20 عاما، وفى عام 2022، أرسلت 13 طائرة عسكرية للانضمام إلى التدريبات العسكرية التى أقيمت فى أستراليا.
وبحسب تقرير لرويترز فى وقت سابق من الأسبوع الجارى، سترسل ألمانيا قوات للمشاركة فى مناورة عسكرية مشتركة فى أستراليا لأول مرة.
وقال ألفونس ميس، قائد الجيش الألمانى، لـ«رويترز» فى مقابلة نشرت يوم 10 يوليو، إنها منطقة ذات أهمية بالغة بالنسبة لنا فى ألمانيا، وكذلك بالنسبة للاتحاد الأوروبى بسبب الترابط الاقتصادى.
وقال «تشونج» من جامعة سنغافورة الوطنية، إن الالتزامات التى قطعتها ألمانيا فى استراتيجيتها تعكس فهمها للصلة بين الأمن فى آسيا ومصالح ألمانيا، وأضاف: «كجزء من هذا الاعتراف، كانت ألمانيا تحاول إثبات أنها شريك نشط ومهتم يوفر مزايا أمنية».
كما أن إحدى القضايا الرئيسية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ المشار إليها فى الاستراتيجية هى الحفاظ على الوضع الراهن فى مضيق تايوان، أحد أكبر بؤر التوتر فى المنطقة.
وأكدت ألمانيا فى تقريرها، أنها تعمل من أجل خفض التصعيد حول تايوان لأن الأمن فى مضيق تايوان ذو أهمية حاسمة للسلام والاستقرار فى المنطقة وخارجها.
وقالت الاستراتيجية بشأن الصين، إن الوضع الراهن فى مضيق تايوان قد يتغير فقط بالوسائل السلمية والموافقة المتبادلة، مضيفة أن التصعيد العسكرى سيؤثر أيضا على المصالح الألمانية والأوروبية.
وتزعم الصين، أن الحكم الديمقراطى لتايوان جزء من أراضيها وزادت بشكل كبير من وتيرة طلعات الطائرات المقاتلة والتدريبات العسكرية فى جميع أنحاء الجزيرة خلال العام الماضى.
منذ 9 يوليو، أرسلت الصين 131 طائرة عسكرية و52 سفينة بحرية إلى مناطق حول تايوان، واقترب بعضها من شاطئ الجزيرة لدرجة أن مسئولى الدفاع التايوانيين وصفوا هذه التحركات بأنها مضايقات.
وقال سارى أرهو هافرين، الزميل المشارك فى المعهد الملكى للخدمات المتحدة، لـ«إذاعة صوت أمريكا»، أنه مع اعتماد ألمانيا العميق على التجارة الصينية وسلاسل التوريد، فإن التصعيد العسكرى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ - وتحديدًا فى مضيق تايوان - سيكون خطرًا كبيرًا، وقالت إن الوضع الراهن لدعم الحلفاء فى المنطقة يصب فى مصلحة ألمانيا.
وبينما تضاعف ألمانيا من التزامها تجاه منطقة المحيطين الهندى والهادئ، يناقش «الناتو» أيضًا إمكانية زيادة وجوده فى المنطقة، وكان هذا الموضوع فى المقدمة والوسط خلال قمة «الناتو» هذا الأسبوع فى ليتوانيا.
وطرح التحالف الأمنى الفكرة فى الأشهر الأخيرة لافتتاح مكتب اتصال فى اليابان، ودعا قادة من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا لحضور القمة، وهى المرة الثانية التى يشارك فيها قادة من أربع دول فى المحيطين الهندى والهادئ.
وأثار وجودهم وانتقادهم للصين الذى ظهر خلال القمة رد فعل غاضب من بكين، وفى وقت سابق من هذا الأسبوع، أعربت البعثة الصينية لدى الاتحاد الأوروبى عن معارضة بكين لما وصفته بتوسع الناتو فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ردًا على ذلك، قالت السفيرة الأمريكية لدى «الناتو»، جوليان سميث: «نحن لا نضيف أعضاء من المحيطين الهندى والهادئ».
وقالت إن ما يفعله «الناتو» هو كسر الحواجز بين حلفاء أمريكا فى المحيط الأطلسى وحلفاء أمريكا فى المحيط الهادئ للنظر فى التحديات المشتركة، وقال بعض المحللين لـ«إذاعة صوت أمريكا»، إن هناك إصرارًا واضحًا بين الدول الأعضاء فى «الناتو» على تعزيز التعاون والتنسيق مع دول المحيطين الهندى والهادئ الأربع التى أصبحت مشاركًا منتظما فى قمم «الناتو».
وقالت زسوزا آنا فيرينزى، الأستاذة المساعدة فى جامعة دونغ هوا الوطنية: «أعضاء الناتو لا يخجلون من تعزيز التعاون مع دول منطقة المحيطين الهندى والهادئ، وهذه هى الطريقة التى يساهم بها الحلف فى الحفاظ على السلام والاستقرار فى المنطقة».
وأشار «تشونج»، إلى أن دول المحيطين الهندى والهادئ يمكن أن تستفيد من الوجود المتزايد لألمانيا وغيرها من الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى فى المنطقة، لأن مشاركتها فى القضايا الأمنية يمكن أن توفر للدول الإقليمية المزيد من الخيارات أثناء محاولتها التغلب على المنافسة الشديدة بين الولايات المتحدة والصين.
بالإضافة إلى ذلك، قال تشونج إن تنسيق «الناتو» مع اليابان وكوريا الجنوبية يمكن أن يساعد فى ردع الإجراءات الأكثر خطورة من قبل الصين.