أنظر إلى ما فعله الزميل الصحفي محمد إبراهيم من زاويتين، الأولى كصحفي استطاع ببراعة جمع أرشيفه الذي نشره في جريدتي البوابة نيوز والدستور ووضعه في كتاب كتوثيق عن مشروع تستخدمه الدولة المصرية كأحد مشاريعها الكبيرة لتأسيس الجمهورية الجديدة، والزاوية الأخرى ككاتب أرى أن الحديث في كتاب عن مشروع مازال قيد التنفيذ كان يستحق التأني حتى الاكتمال إلا إذا كان ما قدمه جزء سيتبعه أجزاء أخرى.
تأتي أهمية كتاب "عاصمة الخلود"، والذي صدر عن الهيئة العامة للكتاب "وهذا الأمر له دلالته" ليس في محتواه فقط، وإنما في توقيت إصداره إذ أنه واكب مرور عشر سنوات على ثورة 30 يونيو وقد كثرت أقاويل المشككين في هذا المشروع وإمكانية استكمال مراحله في ظل أزمة اقتصادية طاحنة.
ومع أن الفكرة كانت قديمة إذ أنه بدأ التفكير في إنشاء تلك العاصمة منذ السبعينات لكن لم يضعها أحد موضع التنفيذ إلا الرئيس عبد الفتاح السيسي.
تفاصيل المشروع
تضم المرحلة الأولى حي الفنون والثقافة، وتجمع محمد بن زايد في الجزء الأيسر من المدينة و٦ أحياء سكنية ومنطقة المال والأعمال، والحي الدبلوماسي، بخلاف قصر الرئاسة ومبنى وزارة الدفاع الجديد (الأوكتاجون).
لأول مرة في مصر، يتم تنفيذ أنفاق شبكات للبنية الأساسية، تضم كل شبكات البنية الأساسية حتى ينتهي عصر التكسير في الشوارع، عندما يكون هناك عمليات إحلال وتجديد. منطقة الأبراج تنفذها شركة سي سيك، الصينية، إحدى أكبر شركات المقاولات في العالم، تضم هذه المنطقة ١،٧ مليون متر إنشاءات لـ ٢٠ برجا شاهق الارتفاع بينها ما سمي “البرج الأيقوني”، الذي يرتفع عن سطح الأرض ب 345مترًا، وصنف بالأعلى في إفريقيا.
مدينة الفنون والثقافة تنفذها وزارة الدفاع بالتنسيق مع وزارة الإسكان بها كل ما يحلم به المثقفون المصريون وتضم قاعة كبرى تستوعب ٢٥٠٠ شخص مجهزة بأحدث التقنيات ومسرحًا صغيرًا به قاعتان تستوعبان ۷۵۰ فردًا للعروض الخاصة، كما تضم مسرح الجيب يستوعب ٥٠ فردًا ومسرح الحجرة، ومركزا للإبداع الفني لشباب المبدعين وقاعة عرض سينمائي، يتم ربطها بالأقمار الصناعية وثلاث قاعات للتدريب، واستوديو تسجيل صوتي مجهز بأحدث التقنيات ومتحف لتاريخ الأوبرا ومتحف مفتوح للفن الحديث ومكتبة موسيقية ومكتبة مركزية تسع ٦ آلاف شخص ومدينة الفنون (رسم نحت - موسيقى - تمثيل - رقص - أدب - شعر).
أما عن النهر الأخضر، فقد خُطط أن يكون قلب العاصمة الجديدة بطول ٣٥ كيلو مترًا حدائق مركزية ومناطق ترفيهية بينية، نفذت الدولة المرحلة الأولى منه على مساحة طولية لـ ١٤ كيلو مترًا تضم مسجدًا على مساحة ۱۲۷ فدانًا، وحديقة نباتات على مساحة ۱۱ فدانًا والحديقة المصرية على مساحة ٦٦ فدانًا وكبائن وأكشاكا لحديقة الحيوان المفتوحة، التي خُططت وتُنفذ على مساحة ۱۷۲ فدانًا، وملاهي عبارة عن منطقة للشلالات على مساحة ١٤ فدانًا، ومنطقة أخرى من المرحلة الأولى بها منطقة للمطاعم والساحة العامة والنافورة الراقصة ومنتجعات صحية وفنادق ومركز استشفائي، وحديقة عامة، وناد ومنطقة الملاعب، وجزء آخر يقع أمام منطقة المال والأعمال به مسرح مكشوف تقام عليه الاحتفالات الكبرى، على أن تنتهي هذه الأعمال مع افتتاح المرحلة الأولى من المشروع.
الرائع في تناول الزميل الصحفي أنه لم تغويه الكتابة ولم يركن إلى ما عايشه كمحرر صحفي مسؤول عن وزارة الإسكان ولكنه أفسح صفحات من كتابه لأصحاب الفكرة وأهل الخبرة ليكتمل تحقيقه ببراعة ويؤكد على دقة توثيقه فكما ذكر حديث الرئيس والوزراء وعاد بالفكرة إلى مهدها أفرد صفحات من كتابه إلى الدكتورة مها فهيم أحد فريقي هيئة التخطيط العمراني الذي اعد المخطط.
لم يقف الكتاب عند هذا الحد بل أعطى مساحة للقلق المشروع لدى المواطن من التحديات والمعوقات والتي تدور حول الوضع الاقتصادي والأمني وكل ما طال المشروع من انتقادات ووضع ما أتيح له من معلومات وآراء بحكم عمله الصحفي كجزء من ردود على تلك الانتقادات ثم دلل على نجاح الفكرة بما حدث عمليا على أرض الواقع وتم تنفيذه وارفق فصلا كاملا لذلك اختار له عنوان "الرد على الأرض".
وقبل أن أختم مقالي عن الكتاب لابد أن أشيد بجرأة زميلي محمد إبراهيم فالأمر ليس هينا كما يعتقد البعض فهذا ليس كتابا إنما شهادة للتاريخ ستقرأها أجيالا متتالية بعين مختلفة حسب رؤيتها لهذا المشروع حينها. أمر آخر أن الكتاب لم يكن جافا كوثيقة مليئة بالأرقام، ولا بالردود الجاهزة، بل استطاع كاتبه في كثير من المواضع أن يجبرك على المعايشة والانتقال بذهنك إلى تلك العاصمة بل والتفكير في سيناريو عدم إنشائها وكيف سيكون حال القاهرة بعد أعوام وهي الآن تشكو خنقة وزحاما.
زميلنا الصحفي الموهوب وضع خلاصة تجربته وأقام الحجة على غيره في أنه عايش وقرأ وكتب ولا سبيل لمن ينتقد دون معلومة ولا حجة إلا أن يجتهد ليعرف أو لا يشكك في اجتهاد الناس ويؤمن أنه يلزم اكتمال الصورة حتى يتم تكوين الرأي وأنه من الوارد الاختلاف لكن بين أهل الخبرة الحقيقين لا أهل خبرة السوشيال الذين ينقلون ولا يعقلون. شكرا لزميلنا محمد إبراهيم على هذا الكتاب الهام.
ويبقى لدي سؤال ما سبب تأخير تنفيذ المراحل إذا كان التمويل خارج ميزانية الدولة المكبلة بالديون وقد ذكرت في كتابك أن افتتاح العاصمة سيكون نهاية 2022.
