الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ألكسندر عون يكتب: جبران خليل جبران.. الشاعر الخالد.. مؤلف «النبى»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يتم تدريس جبران خليل جبران كثيرًا فى الغرب ومع ذلك فهو الشاعر الشرقى الذى سيكون له دور فى إحياء الثقافة العربية بأسلوبه وموهبته فى بداية القرن العشرين. خليل جبران هو مسيحى لبنانى مارونى. إن نجاحه يتعدى حدود مجتمعه بكثير. إنه نذير التوفيق بين الروحانية والحب وشاهد عيان على النشاط الأدبى والثقافى والسياسى الكبير فى عصر النهضة، حتى أنه أحد الممثلين الرئيسيين لهذا العصر من خلال أعماله الضخمة.
ومن خلال خلفيته الشعرية والأدبية، يواصل خليل جبران، مؤلف «النبي»، الإلهام والإبهار كما يخلق جسرًا بين الإسلام والمسيحية.. بين الغرب والشرق ويترك لنا خليل جبران عملًا استشفافيا وخالدًا.
مصير بعيد عن الشرق
ولد خليل جبران عام ١٨٨٣ فى بشرّى الواقعة فى جبال شمال لبنان فى أسفل وادى قاديشا الرائع. فى ذلك الوقت، كان الشرق الأوسط تحت الحكم العثمانى. وكان هناك ضغط من السلطة المركزية حتى أن كل مقاطعة كان يجب أن توفر وحدات عسكرية ودفع ضرائب مختلفة.
درس الشاب جبران فى المدرسة الابتدائية لبشرى حيث تعلم العربية والسريانية والطقوس المارونيّة. تم اعتقال وسجن والده من قبل السلطات العثمانية بحجة الاختلاس، بعد أن أن تراكمت عليه ديون القمار تم مصادرة ممتلكات الأسرة بعد ذلك، مما أجبر والدته على الهجرة مع بقية أفراد أسرتها إلى نيويورك فى عام ١٨٩٥.
تم الترحيب بهم فى البداية من قبل أحد أفراد الأسرة المقيمين فى حى سورى لبنانى فى بوسطن. عملت والدته كبائعة بياضات ومدبرة منزل لدعم أسرتها، قبل أن تقوم بفتح محل بقالة عائلى صغير. واصل جبران الشاب تعليمه وقد انجذب مبكرًا للفن وخاصة الرسم. وبفضل مدخرات والدته، استطاع أن يعود إلى لبنان فى عام ١٨٩٨ ومكث فيها لمدة ٤ سنوات حتى أتقن اللغة العربية وانغمس أكثر فى ثقافته الأصلية.
ومع ذلك وبسبب وفاة إحدى شقيقاته، عاد خليل جبران إلى بوسطن فى عام ١٩٠٢. وفى العام التالى توفيت والدته وصهره. وكانت أخته الثانية تعمل خياطة وساعدته فى توفير متطلباته. كان جبران لا يزال شغوفًا بالرسم وكان حينها يبلغ من العمر ٢١ عامًا وقدم معرضا لأول مرة فى بوسطن عام ١٩٠٤. وخلال هذا المعرض الأول، إلتقى بمارى إليزابيث هاسكل، وهى مديرة مدرسة وستصبح صديقته المقربة والراعية له.
فى نفس الوقت، نشر خليل جبران أول كتبه باللغة العربية قبل أن يذهب إلى باريس عام ١٩٠٨. مكث هناك لمدة عامين والتحق بمدرسة الفنون الجميلة. قدم معرضا لفترة وجيزة فى Salon du Printemps فى باريس بعد أن التقى بالنحات الفرنسى الشهير أوجست رودين. كما إلتقى جبران مع نيتشه، الفيلسوف الألمانى الذى سيكون له تأثير واضح على كتاباته. ثم عاد جبران إلى بوسطن عام ١٩١٠.
واصل خليل جبران دراسته وشارك فى إنشاء حركة أدبية عام ١٩٢٠ جمعت بين الكتاب اللبنانيين والسوريين تحت مسمى «الرابطة القلمية». وفى ظل هذا النشاط الثقافى المكثف، كان خليل جبران يعد عنصرًا أساسيًا فى عصر النهضة وهى الحقبة الحقيقية لصحوة الشرق العربى، من خلال الفنون والآداب والثقافة، حيث رأينا أن الفنانين يتميزون بالرغبة فى التفوق والاستقلال. وخلال العقد الثانى من حياته ذاع صيت خليل جبران وتميز وحقق نجاحًا مدويًا خاصةً عندما تم نشر مؤلفه «النبى» فى عام ١٩٢٣. ولم يكن هذا المؤلَف مجرد كتاب أو عمل ولكنه كان تتويجًا وتكريسًا لحياة كاملة. تمت كتابته فى البداية باللغة العربية ثم نُشر أخيرًا باللغة الإنجليزية وتمت ترجمته بسرعة إلى عدة لغات. نشر جبران كتابه «يسوع ابن الإنسان» فى عام ١٩٢٨ وهو بطريقة ما، يعد الامتداد المنطقى لكتابه «النبى» حيث نجد فيه التغلب على الفردية ليكرس نفسه للحب الإلهى والسعى الحقيقى لاكتمال الوجود.
توفى خليل جبران عام ١٩٣١ عن عمر يناهز ٤٨ عامًا بسبب تليف الكبد وظهور مرض السل. تم إعادة جثمانه إلى مسقط رأسه بشرى.
التأثير ما بين الإيمان والشرق والتصوف
يستمد الشاعر الخالد خليل جبران إلهامه من ذكريات طفولته. إن الجبل اللبنانى والريف والحب غير المشروط للعلاقات الإنسانية والمشاركة ووجود الدين المطلق يبهره ويلهمه هذا الشرق غير المتجانس والمعقد. إن هذه المنطقة تسحره بإهمالها وكرم ضيافتها. ولد جبران مسيحيًا مارونيًا وسرعان ما أصبح شغوفًا بالإسلام ونبيّه. كما أنه أحب دراسة الطقوس الشرقية الأخرى وخاصة البوذية.
هذا التجميع غير المتجانس للمراجع والإلهام يجعل من خليل جبران فنانًا من نوع فريد. فلديه هذه القدرة على التوفيق بين الموضوعات بسهولة وأسلوب واضح وبسيط. إن كتابه «النبى» هو جسر بين الروحانية والشعر وتوفيق يجمع بين الأمل المرئى للحياة الأرضية والرجاء الخفى والمطلوب للحياة فى الآخرة.
لم يتوقف جبران أبدًا عن حب بلده الأصلى بالرغم من نفيه المبكر لأسباب اقتصادية. كانت كتاباته الأولى باللغة العربية تندد بالهيمنة العثمانية. وفى الواقع، فى كتابه تحت عنوان «الأرواح المتمردة» والذى كتبه عام ١٩٠٦، يدعم خليل جبران القوميين العرب فى نضالهم من أجل الاستقلال.
أمرت السلطات العثمانية بإحراق الكتاب فى عام ١٩١٠. وفى أعقاب الحرب العالمية الأولى، قام جبران بشن حملة لانسحاب القوات الفرنسية والإنجليزية من المنطقة. علاوة على ذلك، لا يمكن لأحد إخفاء قصيدة «الشفقة على الأمة المنقسمة» ويا لها من نذير شؤم عن لبنان التى أحبها كثيرًا.
خليل جبران هو رجل مؤمن وشرقى ومحب للعدالة والمحبة وهو من قدم نوع جديد من النثر. كان جبران يناصر تيارًا أدبيًا جديدًا يجمع بين الروحانية والحكمة والسعى إلى السمو الذاتى.
رسول سلام
فى الشرق المتصدع والمستنزف، كان جبران بمثابة استثناء، ومثله مثل فيروز فى الموسيقى، كان هناك إجماع عليه ونادرا ما يذكر إنتماءاته السياسية ويبتعد عن الصراعات الداخلية.
فى كتابه «النبى» يصور جبران شخصية نبوية إسمها مصطفى والتى تعنى حرفيا المختار أو المحبوب باللغة العربية. يناقش جبران المراحل المهمة فى حياة الإنسان. كل فصل يعد درسا فى الحياة يجمع بين التقوى والمحبة والحكمة. هذا الكتاب هو دليل وترنيمة للحياة ولتجاوز الذات. إنه يتكلم عن الحب والزواج والصداقة والصلاة والدين والأطفال والتعليم وكذلك الجمال والسرور والألم والموت.
على سبيل المثال، يصف جبران الشخص المحبوب بهذه العبارات «عندما يومئ لك الحب، فإتبعه حتى لو كانت طرقه صعبة. وعندما تحتويك أجنحته، فاستسلم له بالرغم من أنك قد تجرح بالسيف المخبأ فى ريشه «.
ويعتبر كتاب «النبى» أكثر من مجرد مجموعة قصائد بسيطة. إنه يأخذنا إلى عالم من التقوى والفضائل حيث نجد أن كل سطر هو بمثابة قصيدة للحكمة والمحبة.
وعندما يتحدث عن الصلاة، يقول جبران: «تصلى عندما تشعر بالضيق والحاجة، فهل تستطيع أن تصلى وأنت فى أوج فرحك وفى أيام الوفرة». عند قراءة الكتاب، فكل شيء يبدو واضحًا جدًا بالنسبة لنا. إنه يذهلنا ببساطته وصفائه الذهنى. ومثل النبى، يملى خليل جبران الكلمة الإلهية ويعلنها ويصفها.
وفى الحقيقة، يعتبر جبران أكثر من مجرد شاعر؛ فهو «مرشد للأرواح الباحثة عن النور»، فنراها يتحد بقدر ما يسحر. يلامس خليل جبران قلوب وعقول كل سكان المنطقة من المسلمين إلى المسيحيين. إن أعماله تبتعد عن الطائفية وتركز على مصير الإنسان.
هذا الفنان صاحب الرؤية فى القرن العشرين يثير الاهتمام بتفرده الذى يجعله الشاعر العربى الأكثر قراءة فى العالم. تم ترجمة كتاب «النبى» إلى أكثر من ٥٠ لغة وأصبح من أكثر الأعمال مبيعًا بعد الكتاب المقدس. إن خليل جبران هو مثال للنجاح اللبنانى والشرقى فى الخارج من خلال كونه الممثل لحركة التجديد الأدبى والثقافى.
معلومات عن الكاتب: 
ألكسندر عون صحفى فرنسى لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يكتب عن الشاعر اللبنانى الشهير جبران خليل جبران.