الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

سيباستيان ماركوتورك يكتب: المعركة الأهم لجيلنا.. الحراك العالمى الحالى يشبه الفوضى التى لا يمكن التنبؤ بها.. المال لا يعرف حدودًا ولا ينظر تحت الجلد ولا يطلب اسمًا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تميزت المسيحية فى السابق بأحد أكثر أوامرها صرامة: «الصليب يبقى بينما العالم يدور». ولم يتم إصلاح هذا النظام، لفهمه وتشويهه، ويشير التعبير إلى أن الإيمان شيء قوى للغاية لدرجة أنه يظل أبديًا ويمثل نقطة ارتكاز الحضارة.
وفى الحقيقة، يشبه الحراك العالمى الحالى بشكل متزايد الفوضى التى لا يمكن التنبؤ بها. وسيكون الهدف النهائى منه هو خلق رجل عالمى يكون متكاملا تمامًا. هذا يعنى أنه لن يهتم بأية هوية وطنية أو دينية أو أية هوية أخرى تقيده. وسيكون ملحدًا وأيضًا محايدا جنسيًا أى لا ذكر ولا أنثى لا هو ولا هى، بل بالأحرى سيكون «هذا الشخص» بالمعنى الفرويدى لـ«الهوية».
إنه نوع من السيولة والانتقال بين الأجناس والأعراق والثقافات. وما يهم لن يكون ما يقف بثبات فى الفضاء وإنما ما هو ضبابى ولا يمكن اكتشافه وبعيد المنال. بقدر ما قد يبدو ذلك من طور الجنون، فإن الحقيقة هى أن عدم التحديد ذلك، يجعل من الممكن إطلاق أى عدد من المنتجات بل ويكون الطلب عليها أكبر إذا كان الإنسان دائمًا فى طور التحول.
من السهل أيضًا شرح ذلك: إذا كنت رجلًا، فأنت تحتاج فقط إلى خزانة ملابس ذكورية. إذا كنتِ امرأة، فأنتِ بحاجة إلى الملابس الجاهزة الأنثوية. ولكن إذا كنت متحولًا جنسيًا، فأنت بحاجة إلى كليهما. فقط ما يتدفق بسهولة هوما يسمح «بانفتاح عالمى» على الحياة الاستهلاكية.
إن المال لا يعرف حدودًا ولا ينظر تحت الجلد ولا يطلب اسمًا. اليوم، يتجسد كل هذا فى ما يسمى بإيديولوجية ووكيزم (الصحوة أو الاستيقاظ) التى يكون مروّجوها شركات متعددة الجنسيات (مثل نايكى وأديداس وغيرهما).
كيف يمكن لمؤسسة، وهى أول مؤسسة مدعوة لحماية التقاليد ودعم الإنسان فى هذه الأوقات المضطربة، أن ترى هذا الأمر؟ فى بداية الوثيقة الأساسية لكتاب الكتب، تم كتابة أن الله خلق الإنسان على صورته، ذكرًا وأنثى. لقد أعطى الكتاب المقدس للبشر قوانينا ووصايا، ما يمكنهم فعله وما لا يمكنهم فعله. كل هذا فى تناقض منطقى مع اتجاه العالم الحديث ولا سيما مع اتجاه الصحوة.
هل تكرر الكنيسة الكاثوليكية نفس الخطأ؟
لقد ابتكرت الكنيسة الحوار مع أحد رواد الصحوة، الماركسية ولم تفهم الكنيسة أن أحد أهداف الماركسية هو إنكار الله وبالتالى إنكار الكنيسة نفسها وكان أحد آثار الحوار مع الماركسية هو تفريغ الكنائس فى أوروبا الغربية. وفى الستينيات، تخلى أكثر من ١٠ ملايين فرنسى عن عادة العبادة خلال قداس الأحد.
واليوم، ما يعلق فى الهواء هو الانطباع بأن أطراف معينة فى الكنيسة تحاول الدخول فى حوار مع رواد «الصحوة» أو حتى تبنى عناصرها. وهكذا نجح الأساقفة الألمان الذين ذهبوا أبعد ما يكون فى هذا الإيمان الجديد، فى منح قدسية الزواج للأزواج من نفس الجنس. وفى بعض الكنائس، يتم بالفعل عرض أعلام LGBT +(المثليين).
وكان رد فعل الفاتيكان هو الشعور بعدم الارتياح أو الاستياء ولكن كان هذا كل ما فى الأمر. وسنفهم مثل هذا الفتور من جانب الفاتيكان إذا افترضنا أنه كان من غير الممكن أن يتصرف بطريقة أخرى. إن الكرسى الرسولى الحالى هو فى الواقع جزء من المشكلة أكثر من كونه حلًا. ماذا نعنى بذلك؟ يحظى البابا فرانسيس بتقدير وسائل الإعلام فى العالم على عكس سلفه بينوا السادس عشر. والبابا فرانسوا تمتع بشعبية غير مسبوقة لأنه عاجلًا أم آجلًا يقول ما يحب العالم أن يسمعه. وفى الواقع، إنه يمحوالفروق بين المسيحيين وغير المسيحيين ويتودد للمسلمين فلا تمر مناسبة دون أن يدعوهم إلى أوروبا. وهو يقاتل من أجل اللاجئين.
وعلاوة على ذلك فإنه يمحوالاختلافات بين الدول وخاصة الفرق بين السكان الأصليين والوافدين الجدد من القارات الأخرى. فمن المفترض أن يكون الجميع متساويين. كما أنه يضعف جوهر الإيمان أى القداسة كما يمنحها المسيح. القداسة هى جوهر الإيمان ويجب أن تكون قبل كل شيء.
وفى هذا الصدد، من المستحيل تجاهل أن الكنيسة تأسست تاريخيًا على القديسين. فكلمة قديس تقول ما يكفى عن أصل الكلمة: القديس هو شخص مقدس. وغالبًا ما كان القديسون فى القرون الأولى للكنيسة شهداء: لقد بذلوا حياتهم ليظهروا إيمانهم وهذا هو سبب تسميتهم أيضًا بهذه الطريقة: وفى اللغة اليونانية، تعنى الكلمة الشاهد.
والآن كم هوعدد الأشخاص الذين سيكونون على استعداد للتضحية بحياتهم من أجل المسيحية؟ ربما لا أحد، لأن الإيمان أصبح شيئًا اختياريًا وليس ضروريًا فى الحياة. إن مجتمع اليوم القائم على الاستهلاك، لا يمكن أن يقبل الروحانية. فالروحانية تعنى التخلى عن الحياة الأرضية لصالح الأبدية. ومن ناحية أخرى، يراهن الاستهلاك على رد الفعل المعاكس.
كيف يرى الفاتيكان هذه الحقائق؟
لا يمكن تعريف البابا فرانسيس سوى بأنه أحد الأساقفة الذى يسعى إلى القداسة أولًا ويهتم بالمسألة اللاهوتية ذات الأهمية القصوى. وتتمثل سياسته بشكل ملحوظ فى الترويج لإيديولوجية السيولة، والتى تميزها سترة النجاة الصفراء لشخص قد فقد فى مكان ما فى طريقه من إفريقيا إلى أوروبا، كما يتضح من السطور أعلاه. ليس لدينا أى شيء ضد ذلك، نشير ببساطة إلى أن هذا الموقف لا يتوافق مع الاحتياجات الحقيقية للكنيسة.
فى الحقيقة، هذه ليست رسالة الكنيسة الأساسية ولا حتى مهمة المسيحية التى يقوم عليها الغرب لأن كل حضارة تتطلب فكرة وميتافيزيقيا تقوم عليها. لقد كان الأمر دائمًا على هذا النحو فى التاريخ وسيظل كذلك دائمًا. إن المشكلة تعتبر أكثر إلحاحًا لأن أيديولوجية الصحوة التى تخلف الماركسية، تقوم على الفراغ الذى أحدثه الدمار الإلحادى بين دول الغرب التى كانت مسيحية ذات يوم؛ فيجب أولًا فهم الصحوة على أنها ظاهرة شبه دينية ونوع من الثورة (فى العالم الروحي).
فى شهر يونيو، تردد صدى مسيرات الفخر فى جميع أنحاء أوروبا. وكانت هذه المسيرات أكثر إيذاء للغالبية الصامتة من المثليين الذين يرغبون فى الاندماج السلمى فى المجتمع. ومع ذلك، فإننا كثيرًا ما نسمع العبارة التالية: «حتى المسيح كان له أبان. وهذه إشارة إلى فكرة أن تبنى رجلين للطفل يعتمد على المثال الذى قدمه قدس الأقداس.
وحول هذه المسألة، نشارك هنا رأى الفيلسوف ميشال أونفراى الذى يقول أنه من الأفضل للطفل أن يكون له أبان على ألا يكون له أبا على الإطلاق. فعلى الأقل يحبه شخص ما بشرط أن يحبه بالطبع. فى الحقيقة، إنه الحب الحقيقى وليس الحب الذى يرفرف على أعلام المثليين.
ممثلو «اتجاه الصحوة»
استولى ممثلو اتجاه الصحوة، مثل الماركسيين القدامى، على الأرض التى تركتها المسيحية لأن الإنسان فى حاجة ماسة إلى المطلق: لهذا رافقت الأديان البشرية منذ بداياتها وستظل كذلك حتى نهايتها. ولكن مثلما أعلنت الماركسية نفسها دينًا جديدًا من شأنه أن يحل مشاكل الإنسان فى حين أنه لم يكن سوى مجرد بديل، فإن التنوير يعبر أيضًا عن نفسه كدين جديد، متزودا بهالة من الحماسة غير مسبوقة.
فى النهاية؛ فقد كان القديسون الأوائل كذلك، وإلا لما كانوا ليضحوا بحياتهم من أجل الإيمان. ومع ذلك، كان هناك إله وراءهم. فى نهاية المطاف، لا يوجد فى قلب تيلر الصحوة سوى الشركات متعددة الجنسيات وصناعة الأزياء والصناعات الدوائية. وكما هوالحال على الجانب الآخر من الثورات التى أحدثتها الماركسية، فلم يكن هناك أى شيء. أوإذا قرأت الكتاب الأسود للشيوعية (الذى حرره ستيفان كورتوا)، فهناك شيء ما على وجه الخصوص، جريمة كبيرة مع سبق الإصرار.
ومن المتوقع أنه سيتعين على الكنيسة قريبًا أن تواجه دينًا زائفًا جديدًا فى الغرب لديه عدوانية الماركسية القديمة. هل الفريق الحالى فى الفاتيكان وأماكن أخرى فى أوروبا على استعداد لمواجهة هذه الجولة القوية؟ بما أن هذا هو أحد أكبر التحديات للمسيحية فى تاريخها، فإنه يمكن مقارنته تمامًا بالنضال الذى تم خوضه ضد الماركسية والذى انتهى بالخسارة إلى حد كبير.


وهنا الإجابة ستكون للأسف بالنفى مهما كنا متسامحين.. الإجابة بالنفى ولكن هناك استثناء. إنه رجل سيتم تحديد مواصفاته مسبقًا وسيأخذ عصا أسقف روما، أى البابا، خلال فترة الرئاسة التالية. يبدو أنه سيكون الأكفأ لمواجهة هذه الآفة الخطيرة لأنه ينحدر من أعماق المسيحية والثقافة الغربية. فاليوم، لا يستطيع أى من زملائه فى الفاتيكان إظهار مثل هذه الجرأة. وعندما تم الإعلان عن تلك المواصفات، سيكون اسمه ضمنيًا. إنه الكاردينال روبرت سارة الذى كان يُعتبر بالفعل بابابيليًا فى عام ٢٠١٣. فلماذا إذن هو؟
الجواب عالمى: فهو عمليا يعد الشخص الوحيد الذى يفهم بعمق الرابط الأساسى بين الحضارة والميتافيزيقا، بين الغرب والمسيحية. إنه يشهد بصوت عالٍ وواضح أنه لا يمكن لأحد أن يوجد دون وجود الآخر. إن روبرت سارة ترجع أصوله إلى غينيا وربما يكون أصله هو الذى يسمح له بالشعور بقوة الغرب المنية على أساس المسيحية.
ويؤيد الشدة الفكرة التالية: «إن للغرب مهمة خاصة فليس من قبيل العبث أن الله اختار الغرب لجلب الإيمان للبشرية. وما يعطينا الله هو دائم. الغرب لديه رسالة عالمية بسبب ثقافته وإيمانه وجذوره وارتباطه الشخصى بالله. إذا فقد الغرب جذوره، فإن العالم سوف يشهد اضطرابات كبيرة».
ينظر الكاردينال إلى قضية المهاجرين بطريقة مختلفة عن أسلافه وخاصة عن مراكز القوة. وإذا فهمناه بدقة، فإنناس نرى أن وجهات نظره تعد قريبة جدًا من آراء روبرت شومان. وقد سأله أحد الصحفيين قائلا: «أنت قلق أيضًا بشأن الهجرة ونتائجها وتكتب أن الاستئصال الثقافى والدينى الذى يصيب الأفارقة الذين يلقون بهم فى البلدان الغربية التى تمر هى نفسها بأزمة، هو أمر غير مسبوق.
فى رأيك… ما هى الرؤية المسيحية للهجرة؟ ويجيب الكاردينال عن السؤال من وجهة نظر الكونية العالمية، وقبل كل شيء من النزعة المحافظة السياسية التى تميز الآباء المؤسسين لأوروبا، فيقول إنه لا يرى شيئًا إيجابيًا فى اقتلاع السكان الأصليين فى أفريقيا وآسيا.
ومن خلال بيان أسباب هذه الخطوات المشكوك فيها، فإنه يعارض «التيار الرئيسى» الذى يرى فى ظاهرة الهجرة شيئًا يجب أن نقبله مسبقًا دون طرح أسئلة حول أسبابها. لا تنقل وسائل الإعلام الصدمة التى يتعرض لها المهاجرون عندما يصلون إلى «العالم الجديد». وهذا هو سبب كونه مصدرًا ثمينًا للمعلومات الحقيقية التى يكشفها لنا الكاردينال: «عندما يصل المهاجرون إلى الغرب، يكتشفون على الفور أن الغرب هو الذى فقد الله.
إن الغرب غارق فى الإنكار والمادية. إن الغرب لا يرى سوى التكنولوجيا والرفاهية. أعرف الغرب وأعرف إفريقيا وآسيا. إن آسيا وأفريقيا قارتان مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بالله والسمو. إن المجيء إلى هنا ومواجهة هيمنة المادة على الروحانى هو أمر مثير للقلق».
الخاتمة
من عام ١٩٤٥ إلى عام ١٩٩٠، عاشت أوروبا الشرقية فى ظل الشيوعية، وهى نموذج اجتماعى قائم على الماركسية. كان رأى المؤرخين بالإجماع أنه لم يكن خروجًا من التاريخ فحسب، بل كان أيضًا خروجًا من الحضارة. وسادت هذه الأيديولوجية فى كل مكان. ويأتى تيار الصحوة من نفس الأخطاء. وإذا استسلمت أوروبا لها يومًا ما، فستترك بحكم الواقع التاريخ والحضارة. وكما يقول روبرت سارة… فلا يمكن أن يحدث هذا بدون عواقب على العالم بأسره لأن الغرب لديه مهمة خاصة.. دعونا نحاول الحفاظ عليه!.
معلومات عن الكاتب: 
سيباستيان ماركوتورك.. أستاذ جامعى وحاصل على دكتوراه فى الآداب من جامعة السوربون بباريس، Paris IV.. يكتب مقالًا فلسفيًا عميقًا ولكن دون جمود أوالتفافات، عن انحرافات المجتمعات الغربية ما بعد المسيحية التى انتصر عليها التطرف «الووكى» (أوالإيقاظي) والتى أصبحت فى نهاية المطاف مستهدفة وضحية للخطط الاقتصادية والاستهلاكية للشركات الكبرى المعولمة والشركات متعددة الجنسيات التى وصفها الفيلسوف الإيطالى دييجوفوساروبأنها «رأسمالية توربو» والتى تنقلب مصالحها ضد الشعوب والسيادة والتقاليد العائلية والأديان والتنوع بين الأمم والحضارات.