الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ميريام مايسترونى تكتب: مأزق أم فرصة؟.. مفارقة الاقتصاد الأزرق فى فرنسا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يحتل الاقتصاد الأزرق اليوم وهو الهدف الرابع عشر للتنمية المستدامة للأمم المتحدة يحتل مكانة بارزة فى قلب الصفقة الخضراء. فقد بدأنا أخيرًا فى الاهتمام به بالنمو الأزرق ذلك أنه يجلب العديد من الفرص ولكن مع نتيجة طبيعية أساسية وهى أن يكون النمو الأزرق أخضر أو لا يكون بمعنى أنه لا يمكن تصور استغلال موارد النظم البيئية البحرية والنهرية والتى تشمل السواحل والمناطق الساحلية إلا بطريقة مستدامة.
وهذا يعنى الاهتمام بصحة هذه النظم البيئية التى طال إهمالها. قد تكون فرنسا أكثر اهتماما من غيرها من الناحية النظرية إذ إنها صاحبه المنطقة البحرية الثانية فى العالم ومع ذلك فأن الاقتصاد الأزرق ما زال بعيدًا عن فرض نفسه فى مجال صيد الأسماك أو تربية الأحياء المائية أو التكنولوجيا الحيوية أو النقل البحرى أو حتى السياحة الساحلية والطاقات البحرية وذلك بسبب المخاوف المتعلقة بالإدارة المستدامة لهذه الأنشطة وتأثيراتها على النظم البيئية البحرية.
ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد فى ذلك ففرنسا سيدة عجوز لا تهتم بالمحيط وقد عبر إريك تابارلى عن ذلك بقوله: «عندما يكون الفرنسيون على الشاطئ فأن البحر يكون خلفهم».
وهذا ما يفسرحديثنا عن مفارقة الاقتصاد الأزرق فى فرنسا وتلك الفجوة الكبيرة والمتمثلة فى عدم التوفيق بين الإمكانات الاقتصادية الهائلة المرتبطة بهذه الأنشطة الساحلية والبحرية وبين الاهتمامات البيئية والاجتماعية المرتبطة بهذه الأنشطة. لذلك أصبح لزاما على مختلف أصحاب المصلحة من العلماء والقادة السياسيين والمستثمرين أن يعملوا على وضع خارطة طريق لنجاح النمو المستدام باللونين الأزرق والأخضر بشكل متوازن.
هل نسير فى طريق مسدود؟ أم أن الفرص ما زالت متاحة؟
هذا السؤال يضعنا أمام مفارقة كما أنه يذكرنا بسؤال أينشتين: «هل يمكننا حل المشكلات؟» كما أنه أجاب قائلًا: «لا يمكننا حل المشكلات بنفس مستوى الوعى الذى كنا عليه عندما خلقناها». وهذا ما يحدث اليوم عندما نتحدث عن الاقتصاد الأزرق فنحن نواجه حدودا جديدة. لا يوجد تعريف واحد للاقتصاد الأزرق. فقد ظهر هذا التعبير على يد رجل الأعمال البلجيكى غونتر باولى. وقد صدر حديثا كتابًا جديدًا يتحدث عن «الاقتصاد الأزرق ٣.٠». من خلال التعريفات المتعدده سنرى أنواعًا مختلفة من الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بهذه النظم البيئية الكبيرة التى تتمثل فى المحيطات والبحار والسواحل.
فى فرنسا أدرج برتراند بلانشتون موضوعات فى الاقتصاد الأزرق مثل السياحة الساحلية والمأكولات البحرية والنقل البحرى وبناء السفن وإنتاج الطاقة البحرية وخدمات النفط والغاز البحرية وإدارة الكابلات البحرية واستخراج المواد البحرية والتأمين البحرى والخدمات المصرفية. إذا أخذنا بتعريف البنك الدولى فسوف نتحدث عن الاستخدام المستدام لموارد المحيطات لصالح النمو الاقتصادى وتحسين الدخل والوظائف والصحة والنظم البيئية للمحيطات.
رؤية الاتحاد الأوروبى
يدرج الاتحاد الأوروبى فى الاقتصاد الأزرق جميع الأنشطة المتعلقة بالمحيطات والبحار والسواحل والمتعلقه بالبيئة البحرية كالنقل البحرى وتوريد منتجات المأكولات البحرية وإنتاج الطاقة وكذلك الموانئ وأحواض بناء السفن أو البنى التحتية الساحلية. وبالنسبة لأفريقيا يتضمن الاقتصاد الأزرق كل ما هو جسمًا مائيًا أو شاطئًيا وبالتالى يشمل المحيطات أو البحار أو السواحل أو البحيرات أو الأنهار أو المياه الجوفية.
وأمام هذه التعريفات المتعدده نجد أنفسنا أمام فكرة غير واضحة المعالم الوضوح ولكننا بدأنا تحديد معالمها إذ إن هناك أبعاد عديدة لفكرة الاقتصاد الأزرق. ما هو مؤكد هو أن نعتمد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام ٢٠٣٠ والتى تنطوى عن بعض هذه الأنشطة. وسوف أتحدث الآن عن الهدف رقم ١٤ من أهداف التنمية المستدامة وهو لا يتحدث عن «الاقتصاد الأزرق بل يتحدث عن الحياة تحت الماء».
وربما يقودنا هذا للحديث عن البحر والموانئ وكذلك إدارة أكثر استدامة للموارد من خلال الحفاظ على ١٠٪ من المناطق البحرية والساحلية: وبالتالى مكافحة الصيد الجائر أو الصيد غير القانونى مما يعنى تشجيع البحث العلمى ونقل التقنيات لتعزيز مرونة النظم البيئية وتقليل تحمض المحيطات. أعتقد أنه من الضرورى اتخاذ الخطوات الجادة فى هذا الطريق لأن هذا الاقتصاد الأزرق أصبح فى قلب الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبى.
يرى الاتحاد الأوروبى أن الاقتصاد الازرق يتضمن ٥ قطاعات رئيسية: تربية الأحياء المائية والسياحة بما فى ذلك الإبحار واليخوت والتكنولوجيا الحيوية البحرية والطاقة البحرية والتعدين فى قاع البحار. عندما ننظر إلى الكوكب الأزرق من أعلى ندرك أنه لا مجال للصدفه ولا مجال للتمهل ذلك أن الماء يمثل ثلاثة أرباع سطح الأرض: ٩٧٪ من مياه الأرض تمثل ٩٩٪ من مساحات المعيشة المتاحة.
لو كانت المحيطات دولة
يؤكد أورليان بودهين مدير أبحاث معهد SRI أنه إذا كانت المحيطات دولة فإن الناتج القومى الإجمالى لهذه الدولة سيكون فى المرتبة السابعة بين الأمم بما يعادل ٢٥٠٠ مليار من ثروة العالم كل عام مع تحديد ٢٠٠٠٠٠ نوع. نحن اليوم ما زلنا بعيدين عن هذه حدود هذه الثروة فهناك حوالى ١٠٠ مليون نوع بحرى ما زال موجودا. إننا لم نستكشف بعد هذا الكون فنحن لم نستكشف إلا ٢٪ من قاع المحيط. إن الظروف المعيشية فى أعماق المحيطات قاسية والضوء لا يصل إلى الأعماق بعد ٥٠٠ متر. ومع ذلك فإن الحياة تتطور فى هذه الظروف القاسية فلسوء الحظ النفايات البلاستيكية تملأ البحر.
سبعة أسباب للاهتمام بالاقتصاد الأزرق
كل هذا يجعلنا أمام سبعة أسباب تدعو للقلق بخصوص هذه الطاقة والانتقال البيئى فى القطاع البحرى أى بشأن الاقتصاد الأزرق. ومن بين هذه الأسباب السبعة، السبب الأول وهو أن هذا الاقتصاد مصدر للنمو الاقتصادى المتميز ومصدر للإمدادات الغذائية فى وقت نتساءل فيه: «كيف سندبر الغذاء للمزيد من البشر على هذا الكوكب؟ يجب أن نأكل كميات أقل من اللحوم فهل يمكننا تناول المزيد من الأسماك؟ لا شىء مؤكد.
فهناك أماكن أصبحت ضحايا التهديدات المناخية كالتلوث وتآكل السواحل ووسائل الرفاهية حيث يعيش ٥٠٪ من الناس على مسافات متقاربة فى المناطق الساحلية حيث نجد قوارب الهيدروجين أو القوارب كمورد رئيسى فى النقل البحرى.
هناك مسألة التقنيات الحيوية وتلك الخاصة باحتجاز ثانى أكسيد الكربون لمخزون الكربون الطبيعى فى المحيطات مما يؤدى إلى ارتفاع حمضيته.


فرنسا: المجال البحرى الثانى فى العالم
فرنسا هى ثانى أكبر مجال بحرى فى العالم حوالى «٢٢٨٦٠» كيلومترًا من الحدود البحرية وتأتى فرنسا بعد الولايات المتحدة وقبل أستراليا وأوروسيا وهى تمتلك منطقة اقتصادية تغطى ١١ مليون كيلومتر مربع على المحيط الأطلسى والمحيط الهادئ والمحيط الهندى.
تقع فرنسا على المانش وبحر الشمال والبحر المتوسط ففرنسا تحتل المركز الأول فى المجال البحرى على المستوى العالمى اذ تقع فرنسا على حدود القناة الإنجليزية وبحر الشمال والبحر الأبيض المتوسط ولا ننسى جزر Kerguelen أو أرخبيل Crozets أو Clipperton أو بولينيزيا أو سان بيير وميكلون أو جزر الهند الغربية ولكن للاسف لا تستغل هذه الإمكانات لذلك أكرر مقولة إريك طبرلى الذى كان مدركًا جدًا لهذه القضية: «البحر هو ما يمتلكه الفرنسيون فى الخلف عندما ينظرون إلى الشاطئ».
يذكر جاك أتالى فى كتابه تاريخ البحر أن جميع البلدان القارية لديها هوس بحرى باستثناء فرنسا التى قررت منذ إنشاء ميناء لوهافر تحت قيادة فرانسوا الأول أن يكون لها أول حوض سفن كبيرولكن مع مشكلة صغيرة هى أن الكلية البحريه الملكية تقع فى أنجوليم.
٦٠٪ من سكان العالم
تمر معظم البضائع عبر الأمواج وقاع البحر مليء بالكنوز الاقتصادية لكن أكبر خمسة موانئ على هذا الكوكب تقع فى آسيا. وعلى الرغم من كون فرنسا من أفضل البلدان فى العالم فى هذا المجال إلا أنها غافلة عن هذا الإلدورادو الأزرق الهائل لكن الأمور تتغير فقد ألقى ماكرون خطابًا فى ديسمبر ٢٠٢١ أوضح فيه أن على فرنسا تطوير رؤيتها البحرية من خلال مجموعة إجراءت والتى من ضمنها إنشاء ميناء باريس - روان - لوهافر البحرى والذى سمى بـ Haropa فى يونيو ٢٠٢١.
لا شك أن هذا الإجراء أحد عناصر استراتيجية التحول. فرنسا هى الدولة البحرية الأوروبية الرائدة والسابع على العالم فى مجال البحرية العسكرية فى الأساطيل.
النظم البيئية الساحلية والبحرية
المياه الساحلية والنظم الإيكولوجية الساحلية تتدهوربسبب التلوث والتغذيات. ويرجع اختلال التنوع البيولوجى إلى نضوب الأكسجين. الأمر الذى يفرض علينا البحث فى أفضل طرق إدارة النظم البيئية البحرية. فهناك العديد من المشاريع والأفكار التى ساهمت فى حل نصف المشكلة على الأقل.
لا شك أن الترويج لصيد أكثر مسئولية ليس بالأمر السهل. ونحن نعلم أن الاقتصاد الأزرق ينطوى بالضرورة على الحفاظ على صحة البحار وإدارة الموارد بشكل مستدام ومسئول وبأفضل طريقة ممكنة. أتذكر كلمات فرانس تيمرمانز فى إشارة إلى الاقتصاد الأزرق: «لكى يكون المستقبل أخضر يجب أن نراه باللون الأزرق أى يجب أن نضمن صحة المحيطات حتى نكون قادرين على إدارة هذا الاقتصاد الأزرق بشكل مسئول».
هل سيكون الاقتصاد الأزرق أخضر؟
إن الاستفادة من هذه الثروة التى تمثلها هذه النظم البيئية البحرية مع تجنب العوامل الخارجية السلبية بتطوير أنواع الوقود الجديدة أو بتطوير الموانى تمثل تحديا كبيرا كيف يمكن مواجهة تغيرالمناخ على مستوى البنى التحتية للموانئ ومياه الأمطار؟ ما هى أفضل خلطات الطاقة؟ هل هناك مجال لكفاءة الطاقة؟ كيف تعيد الموانئ بناء نفسها لمواجهة هذا التحدى المتمثل فى حياد الكربون وتصديره عبر البنى التحتية نحو المحيطات الكبرى؟ هل لدينا تقنيات بيئية جديدة وهل لدينا إمكانيات تمويل؟ أم أننا لا نستثمر؟
أم أننا أقل استثمارا فى فرنسا؟ هل مستوى الاستثمار كافٍ؟ هل رجال الاعمال لهم دور؟ كيف تتعايش الجهات الفاعلة المختلفة والسكان المحليون والشركات والصناعات والمدارس والأنشطة السياحية فى النهاية؟ كيف يتفاعلون مع بعضهم البعض؟ هل تعمل بشكل جيد؟ هل لدينا أى اقتراحات قبل الانتقال نحو هذه الفكرة الجديدة للكربون الأزرق؟ نحن لا ندعى الإجابة على جميع التحديات التى يطرحها هذا الموضوع «الاقتصاد الأزرق»، ولكننا نطرح الأسئلة. نلقى حجرا فى الماء الراكد أو نضع حبة رمل إلى هذا الصرح الكبير. ولماذا لا يكون حجر الزاوية فى إزالة الكربون أو هذا الاقتصاد الجديد أو هذا النموذج الجديد الموفر للطاقة والذى أحب أن أتحدث عنه كثيرًا.
معلومات عن الكاتب 
ميريام مايسترونى.. رئيسة مؤسسة E5T المكرسة لنقل الطاقة.. والمدير السابق لشركة Primagaz ومؤسس شركة EDE.. ومن أفضل الخبراء الفرنسيين فى قضايا الطاقة البيئية.. تواصل سلسلة مقالاتها عن قضايا البيئة وتتناول التحديات الاتى تواجهها فرنسا فيما يتعلق بالاقتصاد الأزرق.