مع قمة حلف شمال الأطلسى فى فيلنيوس فى ١١ و١٢ يوليو، عادت مسألة انضمام أوكرانيا إلى منظمة معاهدة الأطلسى لتحتل أهم الموضوعات التى تتحدث عنها الصحافة العالمية. كتب كاميل جران مقالا لتحديد الاتجاه ونُشر فى ١١ يوليو فى صحيفة المساء التى تعد مرجعا للطبقة البورجوازية. ويعرف جران جيدًا آلية حلف شمال الأطلسى، حيث كان نائبًا للأمين العام لمدة ست سنوات ومسئولًا عن الاستثمارات فى الدفاع بعد أن كان مديرًا لمؤسسة البحوث الاستراتيجية. ومن المفترض أنه يعتبر صوتًا مسموعًا فى النظام الحاكم.
يعمل جران حاليا على جعل شركات الأسلحة الفرنسية التى كانت تتميز بالاستقلالية الاستراتيجية منذ عهد ديجول، بأن تكون متوافقة مع حلف شمال الأطلسى من خلال عمله فى المجلس الأوروبى للعلاقات الدولية والذى يعد صندوق الأفكار الأوروبى الذى يقتبس من الجانب الأمريكى المتشابه تقريبا فى الاسم: «مجلس العلاقات الخارجية» والذى يعد هناك كوزارة خارجية ثانية. إنها تلك الجمعية التى تقوم بنشر مجلة محترمة وهى «الشئون الخارجية». وبما أن كاميل جران يعتبر شخصًا معروفًا على الناحية المهنية، وأن شرب كأس من أى مشروب معه فى أى مكان يعد دائمًا لحظة جيدة ومميزة، فإن مواقفه تعد خطيرة بقدر ما يتم الاستماع لها.
ماذا يقول إذن فى هذا المقال:
- إن عدم وضوح القرار بشأن انضمام (أو عدم انضمام) أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسى هو سبب الحرب الحالية.
- إن ضمانات روسيا بشأن حياد الدولة لم تعد موثوقة.
- إن دخول الجيش الأوكرانى إلى حلف شمال الأطلسى يعد أمرًا خطيرًا: سنسلح أوكرانيا للحصول على جنود جيدين فى حلف شمال الأطلسى والحقيقة هى أنه عندما نرى إعلانات التجنيد فى الجيش الأمريكى، فإن هذا الأمر يمكن أن يدعونا إلى القلق.
- إن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى بعد انتهاء الحرب هو الأمر الوحيد الموثوق به وأنه فى الوقت الحالى يجب تعزيز الدعم العسكرى لأوكرانيا وربطها بأعمال حلف شمال الأطلسى لكى تطمئن أوكرانيا حول مستقبلها (بصورة أوضح ليستمر زيلينسكى فى قتل الشباب الأوكراني).
يمكننا مناقشة بعض النقاط الشكلية ولكن الشيء اللافت للنظر هو أن كاميل جران يرتكب نفس خطأ برونوتيرترايس فى مذكرة بتاريخ ١٩ يونيو ٢٠٢٣ جيث يقوم بتحليل الوضع مع الأخذ فى الاعتبار وجهة نظر حلف شمال الأطلسى فقط ولا يأخذ فى الاعتبار وجهة نظر روسيا على الإطلاق، حتى ولو كان ليكذبها. وبذلك، يفشل تمامًا فى الوصول إلى النقطة الأهم ألا وهى أن الثقة فى اقتراب أوكرانيا من حلف شمال الأطلسى هى ما دفع الروس لاحتلال أوكرانيا وبالتالى، كلما اقترب هذا الانضمام وأصبح موثوقًا، انخفضت فرص التوصل إلى اتفاق سلام لأن روسيا فى هذه الحالة لديها مصلحة فى:
- استمرار الحرب لمعاقبة أوكرانيا.
- استمرار الحرب لمنع انضمام أوكرانيا رسميًا إلى حلف شمال الأطلسى.
- استمرار الحرب لتوضح لجيرانها الآخرين أن روسيا لا تمزح، وهو ما أطلقت عليه فى مقال آخر، «الردع عن طريق المثال».
- استمرار الحرب لجعل أوكرانيا تطلب السلام مما سيعنى لروسيا: الاعتراف بالمكاسب الإقليمية (وتحديدها) وتحييد أوكرانيا (وتحديده). وبالنسبة لحلف شمال الأطلسى والولايات المتحدة، سيكون ذلك خسارة ضخمة للمصداقية الدولية. إن ما يحدث حاليًا يعتبر جزءًا من هذا السيناريو.
ونظرًا لأن الوقت الطويل يعمل لصالح روسيا، فإن من مصلحتنا الأوروبية أن نشجع السعى نحو السلام.
كما كتبت فى مقال سابق، أعتقد فى أوروبا قوة وحضارة. ولهذا السبب، أنا مقتنع تمامًا أنه يجب الخروج من حلف شمال الأطلسى الذى لا يعد سوى وسيلة أمريكية لاستعباد أوروبا. وبدلًا من ذلك، يجب أن نواجه التحديات ونستعيد سبل القوة بدلًا من الاستمرار فى بيع حماية راحتنا لصديق أمريكى لا يرغب فى رفاهيتنا بل يرغب فقط فى إخضاعنا.
معلومات عن الكاتب:
فريديريك إبارفييه.. درس العلاقات الدولية فى الولايات المتحدة فى الثمانينيات. ويعمل منذ التسعينيات من القرن الماضى مديرًا تنفيذيًا فى شركات فرنسية كبرى ذات مصالح استراتيجية. وعاش فى الولايات المتحدة وروسيا والهند ويكتب بانتظام مقالات حول القضايا الاستراتيجية ويرى أن الدول تسعى قبل كل شيء لتعظيم مصالحها.. ينضم، بهدا المقال، إلى الحوار، ويتناول فيه رؤيته لمحاولات انضمام أوكرانيا لحلف الناتو وتداعيات ذلك على القارة الأوروبية والعالم.