الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردى يكتب: لنتذكر أدرينوبل!.. وقفة مع أعمال الشغب فى فرنسا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل بضعة أسابيع، واجهت فرنسا أكبر موجة من أعمال الشغب وأكثرها عنفًا فى فرنسا منذ تلك التى حدثت فى عام ٢٠٠٥. وقد جاءت بعد مقتل نائل، من منطقة هو دو سين ويبلغ من العمر ١٧ عامًا، وهو مجرم له سجل قديم وقُتل على يد ضابط شرطة أثناء رفضه الامتثال لقرارات الشرطة.
ومنذ ذلك الحين، اندلعت التحليلات حول أصول هذه الحلقة، التى تسببت فى أضرار بنحو مليار يورو فى ٦ أيام، من جميع الجهات. وقام «لو ديالوج» بعمل ملف كامل حول هذا الموضوع من خلال إعطاء الكلمة للمسئولين المنتخبين والمتخصصين الأمنيين.
وبالتأكيد هناك أسباب عديدة لهذا الحريق الهائل؛ لكن كل المراقبين الأكثر جدية وواقعية يتفقون على أحد الأسباب الرئيسية لهذا العنف وهو الهجرة! ما عليك سوى أن تكون مسئولًا منتخبًا أو ناشطًا فى LFI أو حتى تقدميًا عالميًا لإنكار وإخفاء هذه النقطة!
وبهذه المناسبة قررت إعادة نشر عمود قصير كتبته يوم ٢٥ سبتمبر ٢٠١٩ ومقطع من كتابى «هل نحن فى نهاية التاريخ؟» الذى صدر فى ٢٠٢٢.. كان الهدف من هذا العمل، فى ذلك الوقت، هو تحليل أزمات الهجرة الحالية من منظور التاريخ ويسلط العمل الضوء على العديد من الأفكار والطرق والتفكير فيها بشكل مختلف خاصة بعد أعمال الشغب الأخيرة فى فرنسا:
تاريخ سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية يعود لعام ٤٧٦ قبل الميلاد عندما تمرد الجيش الرومانى، المكون بشكل أساسى من جنود من أصل بربرى، وعزل الإمبراطور الأخير، رومولوس أوجستول.
دون الخوض فى نقاش آخر بين المؤرخين وتفاصيل التاريخ المعقد للغاية للانحدار البطيء لروما، يمكننا أن نؤكد أن أحد الأسباب الرئيسية لانهيار الإمبراطورية حدث قبل قرن من الزمان من حوالى عام ٣٧٦، بالقرب من أدرينوبل ( اليوم أدرنة فى تركيا) بسبب «أزمة الهجرة"! ولأنها «كارثة إنسانية» حدثت، فى عام ٣٧٨، معركة تحمل اسم هذه المدينة بالقرب من بلغاريا واليونان الحالية، والتى كانت أكبر كارثة عسكرية للرومان.
فى الواقع، فى ذلك الوقت، عاش شعب القوط «Goths» وراء نهر الدانوب. لديهم علاقات وروابط عديدة مع الرومان. حتى أنهم أصبحوا يعتمدون على الإعانات من الإمبراطورية. ويمتهنون العديد من الأعمال ويتبنون الثقافة اليونانية الرومانية (خاصة القادة) وهم مسيحيون والبعض الآخر عبيد، وغالبا ما نجد داخل الفيلات أفراد من «شعب قوط - Goths» فى خدمة كبار القوم والقادة.
الآن، وبعد القوط، نشأ شعب الهون فى مواجهة عنف هؤلاء الفرسان من آسيا، توافد الآلاف من القبائل الجرمانية على ضفاف نهر الدانوب والليمون الرومانى للتوسل إلى روما للسماح لهم بالدخول. ووافق إمبراطور الشرق فالنس- الذى يرى فى ذلك مصلحة اقتصادية- على استقبال هؤلاء السكان. ومع ذلك، فإن الإدارة الرومانية، التى قوضها عدم الكفاءة والفساد، سرعان ما طغت عليها الكتلة المفرطة من «اللاجئين».. الاقتصاد الإمبراطورى، غير المستقر بالفعل، لم يعد يسمح بالوفاء بوعود الطعام والتركيب. وهكذا، فإن القوط ينتهى بهم الأمر بالتمرد بإشعال النار والدم فى كل تراقيا.
دون انتظار التعزيزات من شقيقه جراتيان، إمبراطور الغرب، فالنس غير الكفؤ، على رأس جيش أرسل فى كارثة لقمع تمرد البرابرة، ألقى بنفسه على عجل فى المعركة وخسر كل جيوشه فى هذه المعركة وخسر أيضا حياته!
بالنسبة لروما، هذه هى بداية النهاية.. وانتهى الأمر إلى ثيودوسيوس، خليفة فالنس، الذى قام بالتصديق على وجود القوط، ودمجهم فى الإمبراطورية، ومنحهم الأرض والاستقلال السياسى. وستبقى المعاهدة سارية المفعول حتى وفاته عام ٣٩٥. ثم تنقسم الإمبراطورية مرة أخرى بين ابنى المتوفى. ثم ينزلق الجزء الغربى فى حالة من الفوضى مع الشعوب الجرمانية الأخرى التى تتمرد أو تعبر نهر الراين من أجل الزحف إلى روما، المدينة التى كان يُعتقد أنها أبدية.
هل يذكرك كل هذا بأى شيء؟ بالتأكيد، يرى الكثير أن المقارنة ليست صحيحة على الإطلاق خاصة فى التاريخ ومع ذلك تبقى الجغرافيا والتاريخ هى أمهات الجغرافيا السياسية.. ومع ذلك، منذ عام ٢٠١٥ وقرار أنجيلا ميركل المجنون بفتح حدود بلدها لملايين المهاجرين، كانت قارتنا تعانى من أكبر أزمة جيوسياسية فى تاريخها المعاصر (تقسيم الاتحاد الأوروبى، صعود الشعبوية والطوائف، التوترات الاجتماعية، الهجمات، انفجار الجنوح، وما إلى ذلك).
لا تزال المخاوف المشروعة للأوروبيين غير مسموعة.. التحذيرات والمخاطر من الخدمات الأمنية والصحية لا تزال مخفية. فى الحقيقة، الأمر بالفعل مخيف فى مجتمعاتنا المنغلقة للغاية، لم يتم الأخذ فى الاعتبار مبدأ الحذر فى هذا الموضوع.
إذا كانوا لا يريدون أن يكونوا «فالنس الجديد» لمؤرخى المستقبل، فينبغى على «قادتنا» والتكنوقراط لدينا أن يضعوا جانبًا مناوراتهم السياسية الصغيرة أو أعمالهم الدعائية للتأمل فى هذه الحقيقة التاريخية البديهية: الحروب الأهلية تبدأ دائمًا فى البلدان التى لم يعد فيها تجانس عرقى وثقافى ودينى !
* هذا المقال نشر بتاريخ ٢٥ سبتمبر ٢٠١٩
معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراة فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق الأوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العربـ« و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يخصص افتتاحيته فى هذا العدد لأحداث الشغب فى فرنسا، ويعيد نشر مقال قديم له يرتبط بهذه الأحداث.