ربما تكون أعمال الشغب الحضرية التى أعقبت وفاة الشاب نائل هى التحذير الأخير قبل انهيار السلم الأهلى فى فرنسا والدخول فى حالة من القطيعة يمكن أن تأخذ شكل حرب أهلية أو فصل صريح وواضح بين الأراضى الواقعة فى أيدى فرنسا والأراضى الأخرى الواقعة تحت تأثير المجتمعات الأجنبية.
وهاجمت مراكز الشرطة وثكنات الدرك، وأضرمت النيران فى قاعات المدينة، واجتاحت العاصفة المسكن الخاص لرئيس البلدية فى منتصف الليل، والعديد من أعمال التمرد التى كل ما هو مفقود هو زعيم وتنظيم وبيان.
وفى الحقيقة، السفاحون الذين أرهبوا فرنسا لمدة أسبوع ليس لديهم زعيم أو منظمة. لكن، لديهم ادعاء، فى ظل عدم وجود بيان ملقى على ورق لامع: إنهم ينكسرون، ويصرخون على كراهيتهم لفرنسا. إنهم يهاجمون رموزها بلا هوادة مما يؤكد دافعهم الأساسى: أن يخبروا فرنسا أنهم ليسوا فرنسيين وأنهم لن يصبحوا كذلك أبدًا.
وإذا كان هناك درس واحد يمكن تعلمه من الحلقة الصادمة التى حدثت للتو، فهو أن الاستيعاب لم ينجح. السيارات المقلوبة والنوافذ المحطمة تصرخ بالفشل المطلق لـ «الحلم الجمهورى» الذى يتمثل فى جعل ملايين العرب والأفارقة فرنسيين فى جيل أو جيلين. كما عن طريق «التوليد التلقائي».
هذا الفشل هو جرح نرجسى لفرنسا بلقبين ولم تعد جذابة بما يكفى لتحويل الغرباء إلى حضارتها وكما أنها لم تعد قادرة على فهم الطبيعة البشرية، لأنها رأت فى أجساد المهاجرين وليس الأرواح ويمكن إخضاع الأجساد من خلال العمل أو إغوائها بالمخصصات الاجتماعية، لكن الروح تريد فقط أن تسمع عن الرموز والروحانيات. إن فرنسا اليوم، للأسف، أرض مدمرة على المستوى الرمزى والروحى: مصانع الرموز التى كانت كنائس مهجورة، ولم نعد نؤمن بأى شيء.
ولا يجب أن ننسى أيضا أن روح المهاجرين، حتى أولئك الذين استقروا هنا لمدة أربعين عامًا، تبتعد عن طباع فرنسا بل وتذهب للبحث عن طعامها فى مكان آخر، وهذا غالبًا فى المغرب الكبير وفى أفريقيا وقليلًا فى الولايات المتحدة؛ لذا، عليك فقط أن تفتح عينيك عندما تعبر باريس لرؤيتها حيث يلجأ الكثير من المهاجرين أو أطفال المهاجرين إلى ما يسمى بالملابس الإسلامية، الممزوجة فى نفس الوقت بأحذية التنس نايك وأجهزة » اير بود» التى تبث أغانى بيونسيه!. وهنا نقول أن هؤلاء المسلمين وأمريكا، يرفضون بقوة الحضارة الفرنسية.
هل فهمت الطبقة السياسية الرسالة؟
التصريحات الأخيرة لأعضاء الحكومة والرئيس نفسه تشير إلى عدم ذلك، يشكك ما يسمى بالمعارضة اليمينية الوطنية فى الهجرة والتراخى العقابى ولا تزال المعارضة اليسارية المتطرفة تتحدث عن الفقر وعدم المساواة.
بالطبع علينا أن نوقف الهجرة الجماعية؛ يجب علينا أن نتخذ إجراءات صارمة ضد البلطجية؛ لكن هذا لن يكون كافيا ويجب أن نستعد للعيش مع شعب لا يريد ولا يستطيع الاندماج؛ فالجمهورية محطمة، وفيها شعبان: الشعب الفرنسى والشعب المهاجر. بين الفرنسيين، هناك الكثير من المهاجرين المندمجين؛ ولكن من بين الأجانب، هناك أيضًا بعض الفرنسيين الأصليين الذين اندمجوا فى هذا الشتات أو ذاك.
لا أحد يريد أن يعترف بذلك، لكننا لا نحكم شعبين مختلفين لأننا نحكم شعبًا واحدًا متجانسًا واثقًا من ملكيته الكاملة للمنطقة، وفى الحقيقة الإمبراطورية شيء آخر غير الجمهورية ويبدأ عصر سياسى جديد مع ظهور فرنسا الجديدة. عاجلًا أم آجلًا، سينتهى مبدأ المساواة لأنه من المستحيل الحكم بأن الأجنبى يساوى الفرنسى. ومع ذلك، ترحب فرنسا بمئات الآلاف من الأجانب، بحكم عاداتهم وقيمهم، وحاملى جوازات السفر الفرنسية ومن الضرورى أن يحافظ الشعب الفرنسى على السيادة وهذا يتطلب إصلاحًا شاملًا للميثاق الاجتماعى.
وسيكون من الضرورى إجراء العديد من التحديثات المؤلمة وسينتهى بهم الأمر بتصفية الجمهورية كما تم تشكيلها عام ١٧٨٩.. بطبيعة الحال، فإن الطبقة السياسية لن تتزحزح والتغييرات ستحدث تحت تأثير الطوارئ والكوارث!.
معلومات عن الكاتب:
إدريس غالى.. كاتب فرنسى من أصل مغربى مهتم بقضايا المهاجرين، يكتب رؤيته حول أحداث الشغب التى اندلعت فى فرنسا منذ أسبوعين.