- طهران تتمتع بتاريخ طويل من الحركات المدافعة عن حقوق السيدات
- الإيرانيات تتعرضن للتمييز فى القانون والممارسة بطرق تؤثر بشدة على حياتهن
- انتخابات 2021 عززت سيطرة المتشددين على مفاصل السلطة بإيران.. وأدت إلى موجة من إنفاذ القوانين القمعية ضد المرأة
- توسيع الوصول إلى الإنترنت في إيران جزء لا يتجزأ من التحول في نشاط المرأة
وصف العديد من المراقبين الاحتجاجات العامة الكاسحة التي اندلعت في جميع أنحاء إيران ردًا على مقتل الفتاة الإيرانية من أصل كردي مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق في سبتمبر الماضي ٢٠٢٢ بأنها أول انتفاضة نسوية في المنطقة، لكن قوبلت مطالب هذه الحركة الهادفة إلى نوع من التغيير الجذري بقمع شديد من قبل السلطات الإيرانية، وأسفرت المواجهات الناجمة عنها مئات القتلى وعشرات الآلاف من الاعتقالات التعسفية. ولا يزال حق المرأة في اختيار طريقة لبسها في قلب الحركة الاحتجاجية.
وعليه، يتطلب فهم الدوافع وراء ذلك إلقاء نظرة فاحصة على كيفية تطور النضال الأوسع للمرأة من أجل المساواة في الحقوق في إيران على مر السنين، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
أولًا: مسار حركة حقوق المرأة في إيران:
تتعرض النساء الإيرانيات للتمييز في القانون والممارسة بطرق تؤثر بشدة على حياتهن، لاسيما فيما يتعلق بقضايا الزواج والطلاق والحضانة؛ حيث أثرت قوانين الحجاب الإلزامية بعد عام ١٩٧٩ على كل جانب من جوانب الحياة العامة للمرأة في إيران. فعلى سبيل المثال، يعتمد وصول المرأة إلى العمل والتعليم والمزايا الاجتماعية والرعاية الصحية المناسبة - وحتى مجرد وجودها في المجال العام في -على الامتثال لقوانين الحجاب الإلزامية، والتي يتم فرضها بشكل روتيني من خلال المؤسسات الأمنية المسؤولة عن ذلك.
ورغم التأثير الشامل الذى يتركه الحجاب الإجباري على حقوق المرأة وحرياتها، فإن اختيار الزي كحق لم يتم تناوله من قبل الحركة النسائية الإيرانية كقضية جماعية حتى وقت قريب. وبدلًا من ذلك، خاضت المرأة المعركة ضد ارتداء الحجاب الإجباري إلى حد كبير من خلال الأعمال الفردية لملايين النساء، بما في ذلك الناشطات، في جميع أنحاء البلاد وليس من خلال الجماعات أو مؤسسات المجتمع المدني.
وكذلك، تتمتع إيران بتاريخ طويل من الحركات المدافعة عن حقوق المرأة، سواء قبل وبعد ثورة ١٩٧٩. وقد سعى معظمها إلى تحقيق رؤية للمساواة بموجب القانون وردء الفجوة فيما يتعلق بالحماية القانونية من خلال تعزيز دور المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. على أن يتضح المثال الأبرز بعد الثورة في تحالف الناشطات النسويات الإسلاميات والعلمانيات الذين أسسوا "حملة المليون توقيع للمطالبة بإلغاء القوانين التمييزية" في عام ٢٠٠٦.
وشملت القضايا التي تم التركيز عليها التمييز على أساس السن في تحديد المسئولية الجنائية وسن الزواج وعدم المساواة في الميراث والتمييز بين الأمهات كوصي في حالة الطلاق، والملاحظ أن قضية الحجاب الإلزامي كانت غائبة بشكل كبير، ولكن تعرضت هذه المجموعة من النشطاء لضغط كبير من الدولة وواجهت اعتقالات واسعة النطاق خلال رئاسة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد.
وأدت الحركة الخضراء لعام ٢٠٠٩ إلى إغلاق سبل الإصلاح القانوني ودفع العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء إلى المنفى، كما حولت تركيز المدافعين عن حقوق المرأة نحو تعزيز تمثيل المرأة، ولا سيما فيما يتعلق بوجود المرأة في الحياة العامة. فخلال رئاسة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، تعرضت نائبة الرئيس لشؤون المرأة والأسرة آنذاك والشخصية المقربة من حركة حقوق المرأة شهيندخت مولاوردي لضغوط هائلة من القضاء لمنع أي تغيير من هذا القبيل ولم تكن قادرة إلا على اتخاذ خطوات بسيطة في النهوض بحقوق المرأة خلال هذه الفترة.
ثانيًا: المعارضة الرقمية... وتغير أساليب معارضة المرأة في إيران:
كان توسيع الوصول إلى الإنترنت في إيران جزءًا لا يتجزأ من التحول في نشاط المرأة؛ حيث مكّن الانترنت الملايين من تبادل المعلومات خارج قنوات الاتصال الرسمية، كما أنه طمس الخط الفاصل بين العام والخاص ومكن الشباب والنساء من تدوين تجاربهم المعيشية ومشاركة صور الحياة العادية على وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم القيود التي تفرضها الدولة على الإنترنت، يتم استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي مثل Instagram على نطاق واسع من قبل المدونين المعنيين بنمط الحياة والشركات التي تقودها النساء والشخصيات العامة للترويج لأنشطتهم، ويستخدم ملايين الإيرانيين الشبكات الخاصة الافتراضية للتحايل على الرقابة على الإنترنت.
فمنذ صيف عام ٢٠٢٠، انتقلت عشرات النساء الإيرانيات من خلفيات مختلفة إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة قصصهن عن التحرش الجنسي والاعتداء من قبل رجال مؤثرين في مختلف المجالات، الأمر الذى مكنهم من القبض على عدد من المتهمين بالتحرش.
وعلاوة على ذلك، حدث نوع من التحول في الخطاب الخاص بحقوق المرأة، الأمر الذى مكن الناشطة الحقوقية المنفية مسيح علي نجاد من إطلاق حملات رسمية ضد الحجاب الإلزامي من عام ٢٠١٤، وتم دفع القضية إلى مركز النقاش السياسي في ديسمبر ٢٠١٧.
ثالثًا: الحجاب الإلزامي وعلاقات الدولة والمجتمع في إيران:
يجرم قانون العقوبات الإيراني ظهور النساء في الأماكن العامة من دون ما يطلق عليه "حجاب شرعي"، ويعاقب على هذه الجريمة بغرامة أو بالسجن لمدة تتراوح بين ١٠ أيام إلى شهرين. ووفقًا لمسح مرتبط بالحكومة تم إجراؤه في عام ٢٠١٤، رأى ما يقرب من نصف المستجيبين أن الحكومة لا ينبغي أن تتدخل في هذه القضية. ورغم اعتراف المسؤولين بأن وجهات نظر الإيرانيين تتغير، فإن فرض الحجاب لا يزال عقيدة لدى المتشددين في إيران.
وقد ساهمت الأحكام المطولة التي صدرت مؤخرًا ضد المدافعين عن حقوق الإنسان لمعارضتهم السلمية للحجاب، وكذلك مشاهد عنف الشرطة ضد النساء والفتيات اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الإجباري، في إحباط الجمهور وإذكاء المعارضة السياسية لمثل هذه الأفعال التى يقوم بها المدافعون عن عدم إلزامية الحجاب. كما أدت انتخابات ٢٠٢١، التي عززت سيطرة المتشددين على مفاصل السلطة في إيران إلى موجة من إنفاذ القوانين القمعية ضد المرأة، بما في ذلك الامتثال للحجاب في يوليو ٢٠٢٢.
وعليه، يمكن النظر إلى استمرار فرض الحجاب الإلزامي على أنه الرمز الجوهري للانفصال الشعبي عن مبادئ الجمهورية الإسلامية. وبهذا المعنى، ستلاقي العديد من الفتيات الإيرانيات مصير مهسا أميني؛ حيث رأى المتظاهرون موتها على يد شرطة الأخلاق ليس على أنه حادث عابر، ولكن نتيجة لنمط منهجي من الانتهاك الوحشي لحقوق المرأة.
واللافت للإنتباه في هذا السياق، إنه من بين أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج للمطالبة بتغيير جذري هي النخب السياسية والاجتماعية التي ترددت سابقًا في الانضمام إلى احتجاجات الشوارع، ولكنهم نزلوا وأظهروا الدعم من خلال خلع الحجاب في الأماكن العامة، وأجاد ذلك نوعًا من الاستمرارية بين حركات الاحتجاج السابقة والتحدي الحالي للمرأة لقوانين الحجاب الإلزامي.
وهنا، يمكن القول أن مسألة الحجاب لا تتعلق فقط بمطالبة النساء باستعادة حقهن في ارتداء الملابس كما يرغبن من الدولة، أو بالدعوة إلى القضاء على مجموعة من ممارسات الدولة التعسفية. ولكن ذلك في الواقع عبارة عن معركة متعددة المستويات من أجل إعادة كتابة القوانين والممارسات الاجتماعية التي تحدد حياة المرأة ومكانتها في المجتمع، بما في ذلك داخل الأسرة.
رابعًا: هل هناك تغيير جوهري وشيك؟
استجابت السلطات للمقاومة المتزايدة للحجاب الإجباري بمجموعة من السياسات والتشريعات التي تسعى إلى زيادة إنفاذ قواعد الحجاب الإلزامي من خلال التعرف على الوجه، والضغط على الشركات لتطبيق مثل هذه القوانين، والعقوبات التي تشمل الغرامات والحرمان من بعض المزايا الاجتماعية لمن يرفض الامتثال.
وتم صياغة هذه الرؤية بوضوح في وثيقة أعدتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإيرانية في عام ٢٠٢١، والتي تسعى إلى تقليل التوتر العام مع توسيع نطاق التطبيق خارج المجال القانوني. ورغم أن تأثير هذه القيود الجديدة يبقي غير واضح، ولكن من المرجح أنها ستؤثر بشكل سلبي على النساء المهمشات اقتصاديًا بسبب الأعباء المالية الإضافية التي ستفرضها.
وفي النهاية: يمكن القول أن الاحتجاجات التى اندلعت عقب مقتل مهسا أميني أوجدت نوعًا من المسار التدريجي نحو التغيير الجوهري، ولاسيما إنه منذ أكثر من أربعين عامًا، فشل المدافعون عن حقوق المرأة في الحصول على دعم التكتلات السياسية القوية في احتجاجاتهم ضد فرض الحجاب الإلزامي. وتحظى النساء الإيرانيات المصممات على تغيير الأعراف الاجتماعية التي تفرضها التشريعات التي يعود تاريخها إلى عام ١٩٧٩ بدعم اجتماعي أوسع بكثير؛ حيث أظهرت الأحداث الأخيرة مدى فاعلية المرأة في السعي وراء حقوقها، والدفع بالتغيير حتى في غياب التحول السياسي.