يحتفل العراقيون وأهالي مدينة الموصل بمرور الذكرى السادسة على تحرير المدينة من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، خاصة وأنها المدينة التي أعلن من خلالها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي عن قيام ما سماه بـ"دولة الخلافة"، في خطبة له وحيدة على منبر جامع النوري الكبير في العام ٢٠١٤، وخاض الجيش حربا شرسة ضد الاحتلال الإرهابي، انتهت بالانتصار في يوليو ٢٠١٧، بدعم دولي واسع، تمكنت بعدها المدينة من العودة للحياة، خاصة وأن الجيش العراقي ووحدات الأمن ومكافحة الإرهاب تعمل باستمرار على تتبع العناصر الهاربة، وتوجيه ضربات حاسمة ضد أوكار عصابات التنظيم الإرهابي، بهدف إفقاده أي قدرات مستقبلية تمكنه من العودة أو ترويع المواطنين.
الموصل تتعافى
وقطعت المدينة شوطًا كبيرًا في طريق استعادتها للتعافي، حيث فتحت المدارس والجامعات أبوابها أمام الطلاب، وأيضا عملت المحاكم والمكتبات العامة، وفتحت بها بعض القنصليات الأجنبية، وذلك في خطوات كبيرة من أجل استعادة الحياة وروحها بعد فترة وصفها جهاز مكافحة الإرهاب العراقي بأنها "فترة مظلمة من تاريخ العراق، بددتها شمسُ التحرير، بجهود أبطال القوات الأمنية، لتبقى بطولاتهم محفورة على جبين التاريخ".
ومن المقرر أن يتم في العام المقبل افتتاح مطار الموصل الدولي بعد اكتمال مراحل ترميمه، وأن يتم افتتاح متحف الموصل الذي تم تدميره كباقي المعالم الأثرية على يد التنظيم الإرهابي.
جامع النوري يعود للحياة بتصميم مصري
جامع النوري الكبير، أحد علامات المدينة، والمشهور بالمنارة الحدباء، والتي صعد على منبره أبو بكر البغدادي (قُتل في غارة أمريكية ٢٠١٩) ليعلن قيام دولته المزعومة، وتمكن التنظيم الإرهابي من تدمير المسجد في الوقت الذي تحركت فيه قوات الأمن العراقية لاستعادة المدينة، وقد رصدت له دولة الإمارات تمويلا كبيرا من أجل ترميمه.
وأعلنت منظمة اليونسكو عن مسابقة دولية لتقديم أفضل تصميم لإعادة إعمار الجامع، وقد فاز بالمسابقة، أبريل٢٠٢١، فريق من المهندسين المعماريين المصريين قدم تصميمًا بعنوان (حوار الأروقة) وقد انتهت مرحلتين من إعمار المسجد، ويأمل أهالي المدينة في استكمال مراحل الترميم. ووفقا للكتاب المنشور على موقع الأمم المتحدة، والذي يضم تفاصيل مشروع "روح المدينة" الذي يستهدف إعادة إحياء الموصل، فإن المرحلة التمهيدية بدأت بعدة إجراءات أولية تضمنت نزع الألغام من الموقع المتضرر وإزالة المواد الخطرة، ثم تم غربلة الأنقاض لتحديد الشظايا القيمة التي يمكن حفظها وإعادة استخدامها في عملية إعادة البناء، وذلك تحت رعاية مجموعة من الخبراء الدوليين ومشاركة الهيئة العامة للآثار والتراث في العراق.
كما أجرى الخبراء العاملون في الموقع دراسات لفحص الهيكل ووثقوا النتائج التي توصلوا إليها من أجل التخطيط لعملية إعادة البناء والترميم، وتزامنت هذه الأنشطة مع تثبيت أرضية الموقع لكي يصبح جاهزا لمرحلة إعادة البناء الفعلية. كما أنه أجريت دراسة استقصائية في عام ٢٠٢٠ أظهرت أن نحو ٧٠٪ من سكان الموصل أعلنوا عن رغبتهم في إعادة بناء مصلى جامع النوري بالشكل الذي كان عليه قبل تدميره مع إدخال بعض التحسينات عليه مع الحفاظ على الخصائص الأساسية للهيكل وأحجام عناصره الرئيسية.
عمل التنظيم الإرهابي على إخفاء مناطق أثرية بالكامل بتعمد تدميرها، منها رباط لأحد المتصوفة يعود إلى العصر العباسي، ومنها تدمير ضريح وقبة المؤرخ الشهير ابن الأثير المعروف بكتاب "الكامل في التاريخ"، وهدم جامع النبي دانيال، ومسجد يعود للفترة العثمانية، ومشهد يعود للدولة الحمدانية، وهدم المدرسة النظامية للوزير نظام الملك السلجوقي، ومعظم المقامات الصوفية، كما تضررت المواقع المسيحية ومنها كنيسة الساعة ونهب ديرها، وكنيسة الطاهرة التي تعرضت لأضرار جسيمة. ويجري حاليا ترميم كثير من هذه المواقع.
إفقاد التنظيم الإرهابى قدراته الحربية
في السياق ذاته؛ أكد الفريق عبدالوهاب الساعدي، رئيس جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، أن التنظيمات الإرهابية لم يعد لها من القوة التي تمكنها من احتلال المدن أو حتى قرى صغيرة، ممّا دعاهم للجوء الى عمليات منفردة متفرقة تحاول إثبات وجودها دعائيا في بعض المناطق النائية، ولذلك كان للعمليات الاستباقية التي قمنا بها بشكل مستمر الأثر البالغ في إحباط نواياها، حيث تمكنا مرارًا من مداهمة أوكارها في أوقات عقد اجتماعاتها.
وقال "الساعدي"، إن العراقيين يستذكرون في العاشرِ من يوليو من كل عام الذكرى السنوية لإعلان تحرير مدينة الموصل الحدباء وما قدمه أبناء شعبنا العظيم من تضحيات في سبيل تحرير أرضنا المعطاء. فإن أبناء القوات الأمنية ومنهم أبطال جهاز مكافحة الإرهاب لم يدخروا جهدا، وبذلوا الغالي والنفيس في تنفيذ واجباتهم إذ واصلوا الليل بالنهار وهم بأعلى درجات الروح المعنوية يتسابقون لنيل المعالي إما النصر أو الشهادة.
وأضاف رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، أنه بعد انتهاء معارك التحرير مازال أبطال العراق بنفس الهمة والعزيمة حيث استثمروا الدروس المستنبطة والخبرات المتراكمة في جعل واحدة من أهم ركائز عمل جهاز مكافحة الإرهاب هو اعتماده استراتيجية وعقيدة تقوم على مبادئ الوقاية والمنع تكون منهجا لعمل الجهاز في مواجهة أي خطر محتمل.
مدينة الموصل، ثان أكبر مدينة عراقية، شهدت في السنوات التالية للتحرير استعادة فتح قاعة المسرح، والمكتبة الجامعية التابعة لجامعة الموصل إحدى أكبر الجامعات بالعراق، وفتح محكمة الاستئناف الاتحادية بمحافظة نينوى، وذلك بمساعدة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ودولة ألمانيا. وعززت فرنسا من اهتمامها بالمدينة حيث فتحت قنصلية لها كأول بلد أوروبي يتجه لهذه الخطوة بعد تحرير المدينة.
دعم محلي ودولي
في منتصف مايو الماضي، زار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مدينة الموصل، واطلع على سير جهود إعمار مسجدي النبي دانيال والنوري الكبير، اللذين تعرّضا إلى خراب وتدمير همجيين، على يد عصابات داعش الإرهابية، وتابعَ مراحل الترميم وصيانة الأجزاء التاريخية من الموقعين، والجهود المبذولة من أجل استرداد القيمة المعمارية والتراثية لهما. مشيدًا في كلمة له دوّنها في سجل الزائرين، بالجهود المخلصة التي تعمل بكلّ تفانٍ وإخلاص، لإحياء هذه الصروح الإسلامية، بالمستوى نفسه الذي كانت عليه قبل الاعتداء الهمجي، وأن تعود المنارة الحدباء رمزًا للموصل وعمارتها.
وفي أبريل الماضي، استقبل مطار الموصل الدولي هبوط أول طائرة عسكرية بعد إعادة تأهيله وتطويره، ومن المتوقع استكمال أعماله وافتتاحه بشكل رسمي أمام الرحلات الداخلية والخارجية في مطلع العام المقبل ٢٠٢٤، ليعزز النشاط الاقتصادي خاصة وأنه يوفر مئات من فرص العمل، مع تسهيل حركة السياحة والتجارة.
وكانت كل من فرنسا وألمانيا قد أصدرتا بيانا مشتركا لتهنئة العراقيين بالانتصار الكبير على الإرهابيين، جاء فيه، أن العراق بانتظاره تحديات هائلة ويتعين على المجتمع الدولي أن يواصل مساعيه من أجل تقديم يد العون له. ولن تتوانى فرنسا وألمانيا في بذل جهودهما من أجل مساعدة الحكومة العراقية على الاستجابة لحالات الطوارئ من خلال القيام بعمليات نزع الألغام والمساهمة في إصلاح المرافق الأساسية بغية تعزيز العودة الطوعية والدائمة للنازحين العراقيين في أفضل الظروف الأمنية الممكنة.