احتفلت البطريركية الأورشليمية يوم أمس، بعيد الرسولين بطرس وبولس، حيث في هذ اليوم تُكرم الكنيسة الرسولين بطرس وبولس على أنهما رمز الكرازة بالمسيح؛ فتُكرم القديس بطرس الرسول على أنه صخرة الإيمان حيث دعاة المسيح حين رآة مع أخيه الرسول إندراوس في بحيرة طبريا.
كما تكرم الكنيسة الرسول بولس المضطهد السابق للمسيحيين، ولكنه استنارت حين شاهد المسيح حيث كان ذاهباً لإضطهاد المسيحيين في دمشق. بأيمانه بالمسيح بدأت رحلته التبشيرية وأصبح رسول الأمم وأصبح يعيش بالمسيح وللمسيح حيث قال: “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لا أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ “(غلاطية 2:20) كتب رسائله الأربعة عشر في العهد الجديد.
وتحتفل كنيسة أورشليم بهذا العيد في كفرناحوم على ضفاف بحيرة طبريا التي ذُكرت بالعهد الجديد “بحر الجليل” في كنيسة الرسل التي بُنيت في عهد البطريرك الأورشليمي ذميانوس سنة 1935.
وترأس خدمة القداس الإلهي في كنيسة الرسولين بطرس وبولس في كفرناحوم, البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركه متروبوليت الناصرة كيريوس كيرياكوس, رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس أريسترخوس, قدس الأرشمندريت سيلاس, المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس, الشماس المتوحد الأب ذوسيذيوس. وشارك في الترتيل سيادة رئيس أساقفة مادبا كيريوس أريستوفولوس مع جوقة الترتيل من بئر السبع باللغة الروسية والرومانية, وباللغة العربية جوقة مطرانية عكا ولأول مرة بدون الأرشمندريت المرحوم فيلوثيوس.
بعد القداس الإلهي استضاف راعي ومُشرف الدير الراهب إيرينارخوس مع الأساقفة والآباء والمصلين على مائدة طعام.
وننقل لكم نص كلمة صاحب بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بهذه المناسبة:
هلمّوا لنمدح جميعاً هامتي الرسل بطرس وبولس الإلهيّين، كوكبَي المسكونة وكارزي الإيمان، البوقين المتكلّمَين بالإلهيّات، والمظهرَين العقائد، عمودَي الكنيسة، وداحضي الضلالة. هذا ما يقوله مرنم الكنيسة.
أيها الإخوة المحبوبون في المسيح
أيها المسيحيون الأتقياء.
إن نعمة الرسولين الموقرين بطرس وبولس قد جمعتنا اليوم في هذا الموضع والمكان المقدس الذي ورد ذكره في الإنجيل على شاطئ مدينة كفرناحوم لكي نُعيّد لتذكارهم الموقر.
إن كنيستنا المقدسة تكرم بشكل خاص هامتي الرسل بطرس وبولس وذلك لأنهم دُعيوا من الرب ذاته، فأما صخرة الإيمان “وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا.“ (متى 16: 17-18). وأما الإناء المختار “فَقَالَ الرَّبُّ “لحنانيا” اذْهَبْ! لأَنَّ “بولس” هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ”. (أعمال 9: 4-15).
لقد كان كلا هامتي الرسل ممتلئين من الروح القدس والنعمة الإلهية وكذلك بقية الرسل ولكن بطرس اعترف بألوهة وبنوة يسوع إذ قال: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ” الإبن” ابْنُ اللهِ الْحَيِّ. (متى 16: 16). وبوضعه أل التعريف ل(الإبن) أقرّ بأنهُ الابن الوحيد الحقيقي لله. أي ابن الله بالطبيعة كما يفسر القديس يوحنا الذهبي الفم ،ويفسر القديس ثيوفيلكتوس قائلاً :”لم يقل (ابن) بدون أل التعريف بل(الإبن) مع أل التعريف لانه هو الوحيد والفريد المولود من جوهر الآب.
وأما الرسول بولس فلقد تلقى مواهب وإعلانات خاصة من الله كما يشهد هو بنفسه قائلاً: أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَأَعْرِفُ هذَا الإِنْسَانَ: أَفِي الْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا.(2 كور 12: 2-4).
إن الإعلان والكرازة الصحيحة من قبل بطرس حول إيمانه واعترافه بيسوع المسيح يشكل الصخرة التي بُنيت عليها الكنيسة التي هي تابوت خلاص نفوسنا كما يكرز الرسول بطرس. نَائِلِينَ غَايَةَ إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ. الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ،(1بطرس 1: 9-10).
وأما كرازة وإعلان بولس فهو إِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ!
وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ(1كور 15: 13-14). تشكل هذه الكرازة حجر الأساس الذي أَسَّسَ عليه آباء الكنيسة المتوشحين بالله الذين صاغوا في الروح القدس وفي المجامع المسكونية مرسخين ومثبتين رسولياً ولاهوتياً وعقائدياً الإيمان بالمسيح المصلوب والقائم من بين الأموات بحسب “صُورَةَ التَّعْلِيمِ”.(رومية 6: 17)، والتي هي بدقةٍ قانون التعاليم المسيحية كما يقول الرسول العظيم بولس.
ومن الجدير بالذكر أن البشارة والكرازة الرسولية والتعليم المسيحي لكل من بولس ولا سيما بطرس لم تقتصر على اليهود فقط بل بالأخص إلى الأمم أي الوثنيين حسب أمر ووصية الرب الذي قال: فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.(متى 28: 19).
وفي هذا الصدد يعترف الرسول بولس بأنه دُعيَ من الله ليبَشِّرَ بِابنه بَيْنَ الأُمَمِ”(غلاطية 1: 16) وأيضاً لكي يُعلن للمسيحيين الذين من الأمم “أَيُّهَا الأُمَمُ: بِمَا أَنِّي أَنَا رَسُولٌ لِلأُمَمِ أُمَجِّدُ خِدْمَتِي(رومية 11: 13).
حقاً أيها الإخوة الأحبة لقد مَجّدَ أي شَرّفَ وكرّمَ الرسول بولس خدمته للأمم كارزاً ومبشراً ومبرهناً في نفس الوقت بتأنس وتجسد كلمة الله، ابن الله ربنا يسوع المسيح أنهُ هو نُورُ الْعَالَمِ. (يوحنا 8: 12) وهُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ (يوحنا 14: 6)وهو الحرية فحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ.(2كور 3: 17) لهذا فإنه يكرز أَنَّ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ.(1كور 3: 19) وأيضاً يكرز الرسول بطرس قائلاً: لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ.(2بطرس 1: 16).
لقد أصبح “الرسولان بطرس وبولس” شاهدين بعيونهم وآذانهم ومُعاينين لعظمته، أي عظمة مجده أي مجد الله. وهما يُشكلان نموذجاً للتوبة عن خطاياهم كما يؤكد بوضوح مرنم الكنيسة: لقد منحت الخاطئين كلا رسولَيْك قدوةً إلى التوبة، فإن الواحد ندم تائباً بعد أن أنكرك حين آلامك، والآخر ارتدّ مرتجعاً بعد أن قاوم الكرازة بك واضطهدك، فأصبحا كلاهما متقدمين في زمرة أصدقائك يا يسوع القدير مخلص نفوسنا.
فنحن في هذا اليوم أيها الإخوة الأحبة نكرم المتقدمين في كراسي الرسل ومعلمي المسكونة مدعوون لكي نقتدي بعودتهم أي توبتهم كما يحثنا القديس غريغوريوس بالاماس متوسلين إليهم لكي مع تضرعات سيدتنا المجيدة الفائقة القداسة العذراء مريم من أجل خلاص نفوسنا.