استضافت مصر قمة دول جوار السودان اليوم الخميس 13 يوليو 2023، لبحث سبل حل الأزمة السودانية المستعرة منذ منتصف أبريل الماضي وخلفت آثارا سياسية واقتصادية وإنسانية وإجتماعية سلبية على السودان وجواره، لذا كانت القاهرة حريصة على جمع الدول الأكثر تأثر وتأثيرا بما يجري في الجار الجنوبي لمصر.
مبادرة مصرية للحل في السودان
أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي، مبادرة تلخص تصور مصر للحل في السودان، وأبرز نقاطها هي وقف التصعيد والبدء في مفاوضات للتوصل إلى وقف فوري ومستدام، إلى جانب مطالبة كافة الأطراف بتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية إلى السودان، بالإضافة إلى، إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية بمشاركة القوى السياسية والمدنية ومثلي المرأة والشباب لإطلاق عملية سياسية شاملة، وأخير تشكيل آلية اتصال منبثقة عن المؤتمر لوضع خط عمل تنفيذية للتواصل المباشر مع طرفي الأزمة.
حضور رفيع المستوى
يعتبر مؤتمر القاهرة لدول جوار السودان، هو الأكثر شمولا بشأن الأطراف المجتمعة والمشاركة فيه حيث جمع كل دول جوار السودان، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، باعتبار السودان عضوا في المنظمتين الإقليميتن.
وجاء الحضور إلى القاهرة بتمثيل رفيع المستوى تمثل في مشاركة كل الرؤساء ورؤساء الوزراء في الدول المعنية، حيث حضر الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي، ونظرائه في جنوب السودان ميارديت سلفاكير، وأفريقيا الوسطي فوستان-آرشانج تواديرا، وتشاد محمد أدريس ديبي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، والأمين العام لجماعة الدول العربية السفير أحمد أبو الغيط.
دول الجوار بين التأثر والتأثير
ترى دول الجوار أن الأزمة السودانية، لها تأثيرا مباشرا عليهم بسبب موجات اللجوء والنزوح التي وصلت إلى ما يقرب لجوء 3 ملايين شخص بحسب بيانات الأمم المتحدة، إلى جانب التداعيات الاقتصادية السلبية للأزمة، وأبرزهم دولة جنوب السودان حيث هددت قوات الدعم السريع؛ جوبا في يونيو الماضي، بإغلاق خطوط أنابيب النفط في المناطق التي تسيطر عليها ما لم يشارك جنوب السودان عائدات النفط أو يوقف الدفع من رسوم العبور للحكومة التي يقودها الجيش السوداني.
ورغم خشية دول الجوار من التأثيرات السلبية للأزمة السودانية، إلى أن بعض هذه الدول لها دورا فاعلا في تأجيج الوضع بالسعي لتغليب مصلحة فريق على الآخر بتهريب السلاح والوقود إلى الدعم السريع.
الأزمة السودانية بين القاهرة وجدة وأديس أبابا
ومقارنة بمبادرتي جدة والإيجاد السابقيتن فإن مؤتمر جوار السودان بالقاهرة شهد مشاركة واسعة، ففي السعودية جرت المفاوضات بين طرفي النزاع برعاية سعودية أمريكية ومراقبة أفريقية، فيما شهد مؤتمر الإيجاد الذي عقد في أديس أبابا الاثنين الماضي، مقاطعة وفد الجيش السوداني لاعتراضه على رئاسة كينيا بسبب علاقاتها المباشرة بقيادات الدعم السريع، إلى جانب عدم مشاركة رئيس جنوب السودان ميارديت سلفاكير.
وتضمن البيان الختامي للقمة، التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنًا داخليًا، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة بما يعيق جهود احتوائها ويطيل من أمدها"، وهو أمر يعالج شواغل السودان بشأن التدخلات الخارجية وعلى رأسها "العسكرية" حيث دعت من قبل قمة الإيجاد قوات شرق أفريقيا "إيساف" للتدخل عسكريا في السودان، وهو الأمر الذي رفضته الخرطوم وأصدرت الخارجية السودانية بيانا شديد اللهجة معتبرة أن أي قوات تسعى للتدخل ستعامل كقوات معتدية.
أفورقي يغير موقفه
كان حضور الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي إلى القاهرة، أمرا بالغ الأهمية لما يمكن أن تلعبه أسمرة من دورا فاعلا للتهدئة في السودان، وعلى الرغم أن أفورقي وصف المبادرات الجارية لحل الأزمة في السودان بأنها "بازارات سياسية لا يمكن لإريتريا أن تشارك فيها"، مشيرا خلال لقائه بالسيد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني في 9 يوليو الجاري، إلى أن الذي يحدث في السودان "هو شأن داخلي يخص السودانيين" وأن "التدخلات الخارجية ستزيد الأمور تعقيدا"، إلى أنه حرص على المشاركة في مؤتمر جوار السودان.
آبي أحمد والسلطة في السودان
فيما يتعلق بموقف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، فقد أصر على موقفه بشأن السلطة في السودان، حيث صرح خلال قمة إيجاد بأديس أبابا، بأن السودان يعاني من "فراغ في القيادة"، وهو نفس ما ذهب إليه الرئيس الكيني وليام روتو في نفس القمة، بالقول إن "الوضع في السودان يتطلب بشكل عاجل قيادة جديدة تكون قادرة على إخراجه من الكارثة الإنسانية"، وكرر آبي أحمد، حديثه في هذا الشأن خلال قمة القاهرة بالقول إن السودان يحتاج إلى "سلطة انتقالية".
وكانت وزارة الخارجية السودانية، أصدرت بيانا في أعقاب قمة الإيجاد بأديس أبابا، رفضت فيه ما جاء على لسان آبي أحمد وروتو، بالإضافة إلى التدخل العسكري الذي دعا إليه البيان الختامي للقمة.
الحلول الأفريقية
أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على ضرورة تغليب مبدأ "الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية" وهو ما أشار إليه أيضا موسى فقي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وعلى الرغم ما تموج به القارة السمراء من صراعات كبيرة ومتعددة إلا أن الاتحاد الأفريقي قلما ما يتمكن من التوصل إلى حلول لهذه الأزمات إلا بمساعدة وضغط من بعض القوى الإقليمية والدولية، وأبرز هذه الأزمات كانت حرب تيجراي التي رفض فيها أبي أحمد، الوساطات المتعاقبة للاتحاد الأفريقي، ولم تتوف الحرب إلا بضغط أمريكي.
تنفيذ التوصيات على أرض الواقع
وأبرز ما جاء في البيان الختامي هو الانتقال إلى أرض الواقع وتنفيذ توصيات مؤتمر جوار السودان، والخطوة الأولى في ذلك أوضحها البيان الختامي الذي نص على "الاتفاق على تشكيل آليه وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار"، مضيفا "تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد، لوضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، في تكاملية مع الآليات القائمة، بما فيها الايجاد والاتحاد الأفريقي".