الأربعاء 29 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

مجدي يعقوب رجل من جنة الإنسانية.. محاكمة الناس على أساس الدين جريمة ضد العقل والمنطق

د. مجدي يعقوب
د. مجدي يعقوب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من حين لآخر يفتعل المتطرفون معركة على مواقع التواصل الاجتماعي وقودها السؤال عن ديانة الدكتور مجدي يعقوب، هل هو في الجنة أم النار؟
هذه المعركة تشعل جدلًا بلا نهاية، ولا تتوقف الكتائب الإلكترونية عن صب زيت الفتنة الطائفية على النار التي اشتعلت بسؤال طرحه متطرفون يريدون الفتنة فقط. والمعركة لا تتوقف، إذ يدخل رجال الدين على الخط في محاولة توضيح أن السؤال لا محل له من الإنسانية وهناك نهي ديني عن هذه النوعية من الأسئلة، وما ينتج عنها من أحكام.
الحقيقة أن قلب الدكتور مجدي يعقوب وعقله كانا عنونًا للإنسانية إذ كان رده على مجرد طرح هذه الأسئلة حاسمًا، إذ قال: "أنا غير منزعج تمامًا ممن يتساءلون عن دخولي الجنة أم النار، أنا مؤمن بالإنسانية وخدمتها ولا أنشغل بما يقال حول دخولي الجنة أو النار".  
يبقى السؤال ما منبت هذا الطرح من الأساس؟
الإجابة أنه منذ صعود خطاب الجماعات الدينية المتطرفة، وهو يكرس لأفكار تعزز الطائفية، وتعمل على تصنيف الناس حسب الدين دون أي تقدير لفكرة المواطنة، أو احترام القانون، بل تمادت إلى تصنيف الناس داخل الدين الواحد حسب درجات الإيمان، ولأن الأخير تصديق قلبي لا يتمكن أحد من قياسه، ولا يستطيع أحد أن يحكم عليه، لذا فالأولوية عند الجماعات المتطرفة هو أن تسأل عن ديانة الآخر الذي يقدم أعمالًا خيرية وجهودًا إنسانية لا تستفيد منها طائفة بعينها؛ بل يعم خيرها على البشرية بصدق خالص، فإذا كان غير مسلم تجاهلوا كل جهوده واعتبروها عدمًا، وركزوا في كل مرة يتردد فيها اسمه على تجديد السؤال المتكرر، هل هو في الجنة أو النار بعد كل هذه الأعمال؟ ثم يحددون الإجابة بأن كل أعماله هذه مردودة لأنه غير مسلم ومصيره النار في نهاية المطاف، وهي جملة استفزازية وغير إنسانية إطلاقًا، فأمام كل فعل خير وصالح يقدمه إنسان غير مسلم تجد تعليقات من أتباع المتطرفين أو من المتأثرين بخطابهم لا توصف إلا بالمريضة.
في السطور التالية، يمكن عرض ثلاث نقاط مرتبطة ارتباطا وثيقًا بمثل هذه المسألة، أولها التزام أدبيات جماعة الإخوان الإرهابية مثلا باعتبار العقيدة والدين هما القرابة والجنسية والوطن مع النظر للآخرين نظرة أقل، وليس أمامهم إلا الخضوع الذليل لهم. 
أما الثانية فهي تحذير الموروث النبوي الشريف والأئمة والتابعين من إطلاق الأحكام على الناس بدخول الجنة والنار، والثالثة فهي الرأي المنفتح والإنساني الذي ينظر للجنة أنها مفتوحة أمام الجميع من الصالحين وأنها ليست حكرا على دين بعينه. 


تصعيد الخطاب ضد غير المسلمين

تؤمن الجماعات الإسلامية بأن ثمة مؤامرة مستمرة ضد الإسلام تهدف لاقتلاعه من قلوب المؤمنين وصد الآخرين عنه، هذه المؤامرة يقودها كل من اليهود والنصارى، لذا فكل يهودي أو مسيحي هو محل اتهام أمام هذه العقيدة الإسلاموية، مع وضع المواطنين المصريين المسيحيين داخل هذه الدائرة، وهكذا يتم حشر كل من هو غير مسلم سواء كان من أبناء الوطن أو من خارجه ليصبح عدوا.
بالعودة إلى أدبيات جماعة الإخوان الإرهابية التي رسخها منظرها الأكبر سيد قطب في الأجيال اللاحقة وهي أن الوحدة بين أبناء الوطن الواحد تقوم على العقيدة وليست على المنطقة الجغرافية أو الهوية الثقافية، إنما الدين والعقيدة هما جنسية ووطن المسلم والأرض لا قيمة لها، وأيضا غير المسلمين في هذه الأرض لا يسعهم إلا أن ينقادوا للدولة المسلمة المزعومة في نظره.
في كتابه "معالم في الطريق"، أكد "قطب" أن هناك "دارا واحدة هي دار الإسلام تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة فتهيمن عليها شريعة الله، وتقام فيها حدوده، ويتولى المسلمون بعضهم بعضا"؛ وهنا يحذر على أتباعه علاقات المودة والقرب مع غير المسلمين، لأنه بحسب رأيه "لا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله".


التحذير من الحكم على الناس بالجنة أو بالنار

حذرت المرويات الإسلامية من الخوض في إطلاق الأحكام على الناس، وتصنيفهم حسب دخول الجنة ودخول النار، وفي الحديث الشريف: "لا تألوا على الله، لا تألوا على الله، فإنه من تألى على الله، أكذبه الله"؛ أي لا تصدروا الأحكام بدلا من الله لأن من يفعل ذلك فإن الله يسقط كلامه ويكذبه.
وأورد عبدالرزاق الصنعاني في تفسيره للقرآن الكريم رواية عن قتادة (تابعي، توفي ١١٨ هجرية) قال فيها: مال بال أقوام يتكلفون علم الناس؟ قال: فلان في الجنة وفلان في النار، فإذا سألت أحدهم عن نفسه، قال: لا أدري! لعمري لأنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه الأنبياء قبلك". وفي حديث قتادة أن الحكم على الناس أمرا جديدا مصطنعا لم تفعله الأنبياء من قبل، والأولى أن يهتم الإنسان بنفسه لا بغيره.
في كتابه "الفقه الأكبر" أورد الإمام أبو حنيفة النعمان تحت عنوان "تحريم التألى على الله": "حدثت عن أبي ظبيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للمتألين من أمتي. قيل يا رسول الله وما المتألون؟ قال: الذين يقولون فلان في الجنة وفلان في النار. وحدثت عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا أمتي في الجنة ولا في النار دعوهم حتى يكون الله يحكم بينهم يوم القيامة. قال وحدثني أبان عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل لا تنزلوا عبادي جنة ولا نارا حتى أكون أنا الذي أحكم فيهم يوم القيامة وأنزلهم منازلهم". وفيه إرشاد شديد الوضوح بضرورة ترك "عباد الله" دون إطلاق الأحكام عليهم وإنزالهم في الجنة أو النار فهذا أمر من اختصاص الله عز وجل، وفيه تشديد على أن أمر الفصل بين العباد يوم القيامة من شأن الله وليس من شأن البشر.


أبواب الجنة مفتوحة أمام الصالحين

نقطة ثالثة ننتقل إليها، وهي الخاصة بالأقوال المنفتحة تجاه اعتبار العمل الصالح مقبولا عند الله مهما كان فاعله مسلما كان أو غير مسلم، وأصحاب هذا الرأي المرن يؤيدون رأيهم بقول الله عز وجل: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" (سورة فاطر، آية ١٠) وفي الآية إشادة بالقول الطيب والعمل الصالح وأنهما مقبولان عند الله.
آية أخرى يستند إليها أصحاب هذا الرأي، يقول الله عز وجل: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون". (سورة البقرة، آية ٦٢) والذين يستندون إلى هذه الآية مثلا لا يلتفتون إلى تفاسير قديمة لا تنسجم مع روح الآية الكريمة، فيقحمون شروطا لم ترد في الآية كي يكون اليهود والنصارى مثلا في عداد الآمنين يوم القيامة الذين وصفهم الله بأنهم "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
واستبعد أبو جعفر الطوسي في تفسيره "التبيان الجامع لعلوم القرآن"، أن تكون هذه الآية منسوخة بقوله تعالى "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين". (سورة آل عمران، آية ٨٥) قائلا: إنه روى عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا.."، وهذا بعيد؛ لأن النسخ لا يجوز أن يدخل في الخبر الذي يتضمن الوعيد. ووفقا للطوسي، فإن "أولى الأقاويل ما قدمنا ذكره وهو المحكي عن مجاهد والسدي، إن الذين آمنوا من هذه الأمة، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين من آمن من اليهود، والنصارى، والصابئين بالله واليوم الآخر، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لأن هذا أشبه بعموم اللفظ. والتخصيص ليس عليه دليل".
رأي آخر، ذهب إليه الإمام محمد عبده، وهو أن الأديان شرعت للعمل وليست للتفاخر، وفي تفسيره لقوله عز وجل: "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا". (سورة النساء، آية ١٢٣) قال "عبده": يقال في سبب النزول أنه اجتمع نفر من المسلمين واليهود والنصارى وتكلم كل في تفضيل دينه فنزل قوله تعالى "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب.. الآية"، والمعنى بناء على ذلك: ليس شرف الدين وفضله ولا نجاة أهله به أن يقول القائل منهم: إن ديني أفضل وأكمل، وأحق وأثبت، وإنما عليه إذا كان موقنا به أن يعمل بما يهديه إليه، فإن الجزاء إنما يكون على العمل لا على التمني والغرور، فلا أمر نجاتكم أيها المسلمون منوطا بأمانيكم في دينكم، ولا أمر نجاة أهل الكتاب منوطا بأمانيهم في دينهم.فإن الأديان ما شرعت للتفاخر والتباهي، ولا تحصل فائدتها بمجرد الانتماء إليها والتمدح بها بلوك الألسنة والتشدق في الكلام، بل شرعت للعمل".