في إصدار توثيقي وتأريخي جديد، استعاد المخرج المسرحي الكبير عصام السيد في كتابه "اعتصام المثقفين.. الطريق نحو 30 يونيو" الصادر حديثا عن دار سما للنشر والتوزيع، تفاصيل غضب المثقفين وحراكهم ضد نظام حكم جماعة الإخوان وخاصة وزيرها الذي لم يجد فرصة إلا واستغلها لاستفزاز الفنانين والمثقفين والأدباء والمفكرين ومؤسسات الوزارة وعامليها، لتشتعل نار الجماعة الثقافية معلنة عن وجهها الغاضب لتكون خطوة مضيئة للشعب المصري في طريقه نحو ثورة الـ30 من يونيو العاصفة، التي اقتلعت الجماعة الإرهابية من موقعها.
قبل دخول مؤلف "اعتصام المثقفين" في تفاصيل الأزمة، استعرض المؤلف الموقف الانتخابي للمواطن المصري بعد يناير 2011 والتي أفضت لوجود مجلس شعب يسيطر عليه التيار الإسلامي متمثلا في الإخوان من خلال ذراعه السياسي حزب "الحرية والعدالة"، وحزب "النور" السلفي، وحزب الوسط التابع للإخوان بطريقة غير مباشرة، ثم الاتجاه لانتخاب مرشح إخواني لمنصب رئيس الجمهورية، ورغم أنه نجح بفارق ضئيل عن منافسه، وأنها ليست أغلبية مطلقة، فإنهم تعاملوا منذ أول يوم أن البلاد قد دانت لهم، ولا يحق لأحد أن يعترض، لذا أحاطوا مجلس الشعب بمجموعات الردع الإخوانية لحمايته من وصول القوى الثورية إليه.
تعديل وزاري أفضى لاختيار وزير ثقافة يكره المثقفين
وفقًا للكتاب، فإن هشام قنديل رئيس الوزراء آنذاك أجرى تعديلا وزاريا في مايو 2013، فـ"جاء مخيبا للآمال ومحبطًا للتوقعات"، لأنه جاء من خارج جماعة المثقفين، ومتجاهلا لعدة أسماء بارزة، تمتلك تاريخا طويلا ومشرفا، ليتجه التعديل إلى شخص مجهول وهو علاء عبدالعزيز، لم تجد صفحة الوزارة بيانات ذات أهمية يمكن نشرها في سيرته الذاتية التعريفية، فأشارت أنه حصل على درجة البكالوريوس عام 1985 بينما حصل على درجة الدكتوراه في عام 2008، أي أنه قضى نحو 23 عاما ليتمكن من الحصول على الماجستير والدكتوراه.
نشرت له الصحف فضيحة مهنية، وهي قرار فصله من أكاديمية الفنون في يوليو 1994 بسبب عدم التزامه بالحضور، وعدم انتظامه في العمل، ورده غير اللائق بالسب على رئيس الأكاديمية وأمينها العام، فضلا عن عدم تقديم أي مادة مكتوبة في رسالة الماجستير منذ تسجيله لها في عام1991. ومن المدهش أنه في يوم أداءه للقسم وزيرا الثقافة كانت لديه جلسة أمام النيابة لحضور التحقيق معه في قضية رفعها ضده قبل عام الدكتور سامح مهران اتهمه فيها بالتطاول عليه وتهشيم سيارته.
يطلعنا الكتاب على صورة وزير ثقافة الإخوان، فليست لديه أي مؤلفات فكرية أو ثقافية أو حتى في تخصصه سوى كتابين اتضح أنهما رسالتيه للماجستير والدكتوراة، وقد طبعهما خارج مصر، وقد تداولت له صفحات الفيسبوك مقالا كتبه لدعم "مرسي"، شكك خلاله في أجهزة الدولة، واتهمها بالفساد، وشن هجومًا على الإعلام، وهاجم مستشاري مرسي الذين استقالوا ووصفهم أنهم "منظرو المكاتب لا يحسون بالشارع ولا يعرفون اتجاهاته".
صورة المعيد الكسول الذي فشل في الحصول على درجاته العلمية مثل باقي زملاءه المجتهدين، بالإضافة لصورة المتطاول على رؤسائه في العمل، مع صورة البلطجي الذي يهشم سيارة خصومه، إلى جانب ملفه المهنى المُخزي جعل عددا من المثقفين يصدرون بيانا يطالبون فيه باستبعاده، وضرورة اختيار وزير مناسب لمؤسسات ثقافية تضم كفاءات عالية، الأقل إنجازا والأصغر سنًا في هذه المؤسسات تاريخه يفوق تاريخ الوزير الإخواني بمراحل فارقة.
أسلوبه يفتقر للياقة المهنية
عرض مؤلف الكتاب تفاصيل أول أزمة للوزير مع هيئة الكتاب ورئيسها آنذاك الدكتور أحمد مجاهد، حيث أعلن الوزير قبل التشاور مع اللجان المختصة، أو رئيس الهيئة، نيته تغيير اسم "مكتبة الأسرة" ليصبح "مكتبة الثورة" رغم وجود سلسلة بعنوان "إبداعات الثورة" تابعة لقصور الثقافة، وسلسلة "الثورة والحرية" تابعة لدار الكتب، فهل يُضمر الوزير العداوة لتاريخ هذه المكتبة التي كانت استجابة لمسمى أشار إليه توفيق الحكيم وفقا لما ذكره الروائي إبراهيم أصلان ونقله مؤلف الكتاب.
وظهر موقف المثقفين في بيان جديد أكد على أن "مشروع مكتبة الأسرة هو نتاج مقترحات وجهود المثقفين، فإن نُسب فإنما ينسب للحركة الثقافية المصرية".
وانتهت أزمة تغيير الاسم بإنهاء انتداب رئيس هيئة الكتاب آنذاك الدكتور أحمد مجاهد، وانتداب شخص آخر موالي لمواقف الجماعة سياسيًا، وحينها استقال المهندس محمد أبو سعدة من منصبه كرئيس لقطاع مكتب وزير الثقافة، واستقال مصطفى رياض من موقعه كنائب لرئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، واصفًا أسلوب الوزير بأنه "يفتقر إلى اللياقة المهنية".
ومن المواقف الطريفة أن أحد المثقفين تعرف على وزير الثقافة بأحد المطاعم بمنطقة وسط البلد فهتف ضده وضد الحكومة، وتصادف وجود عدد من المثقفين مع الزبائن فهتف الجميع "يسقط يسقط حكم المرشد" ما جعل الوزير يضطر هاربا من المطعم، حيث تمكنت إحدى السيدات من رشق سيارته بالبيض. وفي إحدى المناسبات رفع المثقفون لافتات ضد "أخونة الدولة" أمام مركز الهناجر للفنون، فألغى الوزير حضوره للافتتاح الفعالية.
فضائح مهنية وأخلاقية
قصة "السي دي" واحدة من أبرز فضائح الوزير الإخواني، وبحسب المؤلف فإن الأسطوانة المدمجة كانت تحتوي على محادثات غير أخلاقية مع طالبة، تقدم بها وولي أمرها في شكوى رسمية إلى عميد معهد السينما الذي أحاله للشئون القانونية التي رأت أنه يحمل اتهاما بجريمة يجب أن تُحال إلى النيابة العامة، فتم رفع الأمر إلى رئيس الأكاديمية آنذاك الدكتور سامح مهران، ونظرا للخصومة بينه وبين "عبدالعزيز" فإن رئيس الأكاديمية رفع الأمر إلى وزير الثقافة الدكتور صابر عرب، وذلك قبل تعيين "عبد العزيز" وزيرا بشهر ونصف. لكن الأوراق لم تتحرك من مكتب الوزير، وفقا لكلام "مهران".
وبحسب المؤلف فإن "الرد على واقعة السي دي يخرج دائما إلى موضوعات أخرى كلها تتكلم عن الفساد تلك الكلمة التي أصبحت متكررة في كل أحاديثه، واتهم بها كل خصومه... وفي مقابل كل هذه التصريحات (عن الفساد) لم يقدم قضية واحدة تثبت فساد من اتهمهم. وفيما بعد سئل لماذا لم يحل قضايا الفساد التي يتكلم عنها للنائب العام ادعى أن أوراق ومستندات قضايا الفساد كانت موضوعة في كرتونة ولكنها سرقت من مكتبه وكأننا في طابونة".
مؤسسات الوزارة في المواجهة
عندما سرت أنباء عن إقالة مديرة دار الأوبرا آنذاك الدكتورة إيناس عبد الدايم، اجتمع العاملون بالأوبرا في ساحة الدار وهددوا بمسيرة كبيرة أو فتح اعتصام، لكن الوزير سارع بالاتصال بمديرة الدار لينفي لها خبر إقالتها، ويؤكد على وجودها، لكنه في نفس اليوم انتدب رئيسًا جديدا لهيئة الكتاب، ورفض التجديد لانتداب الدكتور عبدالناصر حسن رئيس دار الكتب، معلنا أنه يهدف بذلك "إلى ضخ دماء جديدة في مختلف قطاعات الوزارة"، لكنها كلها دماء إخوانية آتية للصدام مع المثقفين ولتجريف الثقافة من رموزها.
بعد أسبوع من نفي الوزير قرار إقالة "عبدالدايم"، أصدر الوزير بالفعل قرارا بإلغاء انتدابها، ما جعل "عبد الدايم" تصف أفعاله بـ"الكذب المفضوح، فهو معروف عنه عدم الصدق والتراجع في القرارات، كما أعلنت اتجاهها لمقاضاة الوزير لأن قراره يخالف قانون الانتداب".
وفي المجلس الأعلى للثقافة، اختار الوزير عصام سالم رئيس الإدارة المركزية للشئون المالية آنذاك، ليكون مشرفا على قطاع مكتب الوزير، واندهش المثقفون من الاختيار لكون "سالم" مُحالا للنيابة تمهيدا للإحالة للمحكمة التأديبية. بعدها تقدم الدكتور سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة باستقالته رافضًا الافصاح عن السبب، ما جعل الجميع يربط بين اختيار الوزير واستقالة "توفيق".
وتساءل المؤلف عن حقيقة دعاوى محاربة الفساد ورد الحقوق لأصحابها التي صدعنا بها الوزير؟ في الوقت الذي يختار فيه شخصا محالا إلى النيابة ويضعه في منصب هام. واجتمع المثقفون في نقابة الصحفيين مجددا للاتفاق على توحيد جهودهم والعمل معا لدعم الثقافة ومواجهة الوزير الإخواني.
في الفنون التشكيلية، عمل الوزير على عرقلة افتتاح المعرض العام، مستندا إلى شكوى قُدمت من خمسة فنانين ضد اللجنة المحكمة لعدم اختيار أعمالهم، وبدون إحالة الشكوى للشئون القانونية أو حتى سؤال اللجنة، أخذ الوزير موقف الفنانين الذين اشتكوا وأصبح طرفا، فهاجم اللجنة واتهمها بالفساد، ما أثار حفيظة الفنانين ضده.
أصدرت اللجنة بيانا ضد الوزير رفضت فيه التدخل في أعمال وقرارات اللجنة المحكمة، واعتبرت تأجيل المعرض العام نوعًا من إهدار المال العام، خاصة وأنه تمت طباعة المادة العلمية والدعوات والبوسترات الخاصة بالمعرض محددا عليها تاريخ الافتتاح.
وتوسط نقيب التشكيلين بين الوزير وبين لجنة المعرض العام، وتوصل إلى افتتاح المعرض بشرط إزالة 30 عملا مشاركًا، وهو ما اعتبروه ابتزازا، فأصروا على افتتاح المعرض دون إزالة الأعمال التي اعترض عليها الوزير، فأطاح الأخير بالدكتور صلاح المليجي من رئاسة قطاع الفنون التشكيلية، حينها صرح "المليجي" قائلا: "حقيقة لا أعرف كيف يتم العمل في إطار عدم احترام اللجان الفنية المكونة من شخصيات كبيرة جدا".
إرادة مصر الثقافية
في 30 مايو 2013 عقد المثقفون اجتماعا بالمجلس الأعلى للثقافة على مسئولية الدكتور طارق النعمان القائم بأعمال أمين عام المجلس، الذي سمح بانعقاده، وتم اختيار المايسترو يحيي خليل والسيناريست سيد فؤاد لإدارة الاجتماع، وبحسب المؤلف فإن عصبية البعض كادت أن تعصف بالاجتماع لولا هدوء وحكمة فئة كبيرة من المثقفين، واتفق المجتمعون على تنظيم اعتصام أمام وزارة الثقافة كخطوة تصعيدية ضد الوزير بعد مهلة 72 ساعة لرئيس الوزراء لإقالة وزير الثقافة.
على مستوى محدود، وضع المثقفون خطة لاقتحام الوزارة والاعتصام أمام مكتب الوزير، مع دعوة الجميع لحضور مؤتمرا بالمجلس الأعلى للثقافة.
"كان التجهيز للتصعيد الأكبر يجري في سرية تامة"، وفي صباح الخامس من يونيو، اتجهت مجموعة من رموز الإبداع إلى مبنى الوزارة تطلب لقاء الوزير، وبعد منعها ومفاوضات تم الترحيب بهم ظنًا أنهم جاءوا لعقد هدنة مع الوزير، وفي المجلس الأعلى للثقافة تجمعت أعداد من الفنانين والمثقفين في انتظار عقد المؤتمر، لكن جاءت الاتصالات من الفئة التي وصلت للوزارة بالتوجه إليهم.
عند هذه اللحظة الأكثر تشويقا في الكتاب، يتوقف المخرج الكبير عصام السيد عن رواية الأحداث والوقائع لهذا الاعتصام، واصفا هذا اليوم بأن فيه "تحول يوم النكسة إلى يوم انتصار إرادة مصر الثقافية"، معلنا عن استعداده لتقديم جزء ثان لاستكمال بقية الأحداث الكبرى التي قادت في النهاية إلى ثورة الـ30 من يونيو.
يشار إلى أن كتاب "اعتصام المثقفين" ضم في نهايته جزءا كبيرا من الوثائق والصور والحوارات الصحفية والمستندات الهامة الخاصة بتلك الأحداث.ِ