أزمات مُتعددة ضربت شتى القطاعات فى السودان؛ مُنذ اندلاع الشرارة الأولى لحرب مُنتصف أبريل المنصرم؛ إلا أن المُعاناة والجرائم المُتصلة بالنزاع فى حرب السودان فاقت الخيال؛ فبعد أكثر من 80 يومًا على حرب السودان؛ باتت لا توجد امرأة فى الخرطوم بمأمن عن جرائم الاغتصاب والعنف المُتصل بالنزاع.
عبر هذا التحقيق وثقت «البوابة نيوز» جرائم ترهيب واغتصاب النساء والفتيات والأطفال فى حرب السودان على يد ميليشيات وتحت وطأة السلاح، معلومات تنشر لأول مرة أطلعنا عليها نشطاء ومُراقبون لجرائم مُرعبة وصلت لحد الوفاة ارتُكبت بحق النساء والفتيات والأطفال، فبين جُرم الاغتصاب ووصمة العار تعيش الناجيات قهر الاعتداءات الجنسية، حتى وصل الأمر لاعتقال القائمين على تضميد آثار تلك الجريمة من الأطباء والنشطاء.
اغتصاب تحت تهديد السلاح وتحرش بالفتيات والأطفال فى الشوارع
كشفت سُليمى إسحق مُديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة فى السودان؛ فى حديث خاص لـ «البوابة»، تفاصيل مُعاناة المرأة السودانية فى زمن الحرب؛ مُؤكدة بقولها «الآن.. لا توجد امرأة واحدة فى الخرطوم تقى نفسها من التعرض للعنف والانتهاكات الجنسية».
وأوضحت المسئولة الحكومية أنه رغم تأثر أغلب أطياف السودان بالصراع؛ إلا أنه مُنذ اليوم الأول للحرب؛ يُواجه النساء والأطفال على حد السواء، محنة كبيرة جدًا؛ فلم تعُد تُوجد ممرات آمنة وبات الحق فى الحياة مرهونا بأى خطأ مُتعمد أوغير مقصود؛ ناهيك عن جرائم الاغتصاب والانتهاكات المُتصلة بالنزاع التى تطال الفتيات والنساء فى مناطق النزاع، «نحن أناس فى الخرطوم.. لا نعرف الحروب ولا نعرف التصرف معها.. ولم تكن هناك إنذارات لاندلاع الحرب التى أفقدت الناس الحق فى الحياة».
لا توجد امرأة واحدة في الخرطوم تقي على نفسها من العنف والانتهاكات
وتضيف مُديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة فى السودان هناك العديد من النساء والفتيات تعرضن للعنف الجنسى المُتصل بالنزاع؛ وذلك على يد أشخاص يرتدون الزى العسكرى أو من قبل مدنيين تحت تهديد السلاح.؛ مُؤكدة أن هناك تعمدا واضحا لاستهداف النساء بشكل عام سواء سودانيات أو لاجئات وهو سبب فقدانهن أى أمان فى زمن الحرب، وخاصة حال الخروج من بيوتهن؛ ولكن أيضًا البقاء فى بيوتهن يعرضهن للخطر والعنف المتصل بالنزاع مثل النهب المسلح والاغتصاب.
جرائم الاغتصاب المُوثقة تُمثل 2% فقط من الحقيقة
تؤكد «إسحق» أن البيانات الصادرة عن الوحدة بشأن جرائم اغتصاب النساء والعنف المتصل بالنزاع تُمثل ٢٪ فقط من حقيقة العنف الذى يطال النساء والفتيات فى السودان، فخلال المُتابعة اليومية للوحدة يُوجد الكثير من السيدات والفتيات اللواتى يتعرضن للعنف الجسدى والاغتصاب؛ ولكن لا يستطعن الإبلاغ ولا يريدن أى نوع من المُساندة والدعم؛ خوفًا من العار والفضيحة ووصمة العار التى ستلاحقهن طوال حياتهن.
تُضيف المسئولة الحكومية، الأرقام والإحصائيات التى تُعلنها وحدة مُكافحة العنف ضد المرأة فى السودان بشأن السيدات والفتيات اللواتى يتعرضن للعنف «فى تحديث مستمر»؛ ولكن رغم الرصد والمتابعة؛ إلا أن هذه الأرقام ضعيفة جدًا مُقارنة بحقيقة أوضاع النساء والفتيات على أرض الواقع، فالوصول إلى السيدات اللواتى بحاجة للمُساعدة والدعم أقل بكثير من المُتضررات التى تحاول الوحدة الوصل لهن؛ لافتة إلى أن أكثر الفئات من الفتيات تعرضًا للانتهاكات الجنسية ما بين «١٢ - ١٨ عامًا» وهن قاصرت.
إجمالي حالات العنف الجنسي المُتصل بالنزاع منذ اندلاع الصراع.. 51 حالة اعتداء جنسى فى الخرطوم و25 فى نيالا و21 بالجنينة
فى الأول من يوليو ٢٠٢٣؛ أعلنت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، فى بيان رسمي، عن تسجيل ٥١ حالة اعتداء جنسى فى الخرطوم قُيد أغلبها على يد قوات الدعم السريع؛ بالإضافة إلى ٢٥ حالة اعتداء جنسى فى مدينة نيالا غرب السودان؛ و٢١ حالة عنف جنسى مُتصل بالنزاع فى مدينة الجنينة؛ وقد أفاد جميع الناجيات فى نيالا والجنينة بأن الاعتداءات كانت على يد قوات الدعم السريع.
وفى الـ ٢٦ من مايو٢٠٢٣، سجلت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل ٢٥ حالة عنف جنسى فى دارفور لنساء وفتيات بين ١٤ - ٥٦ عامًا؛ وأفادت الناجيات بأن المغتصبين كانوا يرتدون الزى الرسمى لقوات الدعم السريع ويركبون سيارات تحمل لوحات الدعم السريع.
أما مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك؛ أعلن ارتفاع أعداد حالات العنف الجنسى فى السودان لنحو ٥٣ حالة؛ وما بين ١٨ و٢٠ امرأة اغتصبن فى هجوم واحد، وأن الجناة فى جميع الحالات تقريبا كانوا من قوات الدعم السريع. وذلك منذ اندلاع الصراع فى منتصف أبريل وحتى ١٩ يونيو ٢٠٢٣ بحسب ما نقلته وكالة «رويترز».
وقائع اغتصاب مرعبة تكشفها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة لـ البوابة نيوز
وأزاحت مُديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة فى السودان الستار عن أبشع وقائع الاغتصاب التى تعرضت لها الفتيات والنساء فى حرب السودان ووثقتها الوحدة: «من الوقائع التى كانت مُؤلمة جدًا الاغتصاب الذى تمت مُمارسته على طفلة لم يتخط عمرها الـ ١٢ عامًا، حين خرجت للمتجر الذى كان مُلاصقًا لمنزلهم؛ وأثناء عملية شراء بعض الأغراض والمُستلزمات من المتجر جاء ٢ من الأشخاص يرتديان زيا عسكريا، وهددا صاحب المتجر بالسلاح، وتناوبا اغتصاب الطفلة ذات الـ ١٢ ربيعًا «وكانت لم تبلغ بعد»، فالطفلة لم يخطر فى بالها من قبل أن يحدث لها ذلك؛ ولا حتى جسمها وعقلها يستوعب مثل هذه الوقائع.
ولم تكن هذه الواقعة فقط، التى كشفتها «إسحق» لـ «البوابة»، فمن بين الوقائع التى وثقتها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة؛ اغتصاب بنتين على يد عسكريين ورغم أن وضعهما الصحى كان صعبا بسبب تعرضهما للاغتصاب، ولكن الأم من خوفها على ابنتيها رفضت أن تذهبا للمستشفى، يأتى ذلك تزامنًا مع خطورة المكان الذى كانت تقيم فيه الأسرة فى ظل تزايد حوادث العنف الجنسى والاغتصاب.
فقدنا تقديم العلاج الإكلينيكي للمُغتصبات في زمن الحرب
وتُقدم المؤسسة الحكومية عدد من الخدمات لمكافحة الاغتصاب والعنف ضد المرأة فى السودان، وتقول «إسحق» أن الخدمات المقدمة للمُغتصبات صحية ونفسية- إن وجدت- وفى الأغلب تكون عبر الهواتف؛ أما التدخل الصحى يكون عبر المُعالجة الإكلينيكية للاغتصاب بواسطة بروتوكول أدوية يدرأ آثار الاغتصاب والاعتداء الجنسى وتُقدم من خلال الأطباء فى المستشفيات؛ ولكن فى زمن الحرب فقدنا تقديم العلاج الإكلينيكى بسبب فقدان الإمدادات الطبية واحتلال مراكز الدواء من قبل الدعم السريع وفقدان التواصل مع مستشفيات كثيرة كانت لديها كميات كبيرة من بروتوكولات علاج آثار الاغتصاب.
وتوضح، أن وحدة مُكافحة العنف ضد المرأة أجبرت بسبب الحرب على تقديم الحد الأدنى من بروتوكول علاج الاغتصاب، ويُركز على منع الحمل ومنع انتشار الأمراض الجنسية وتأجيل مُضادات الفيروسات التى تمنع انتقال مرض نقص المناعة المكتسب- الإيدز HIV- وانتقال مرض الكبد الوبائي؛ وفى مرات كثيرة نكون بحاجة لتدخلات أكثر بواسطة أطباء مُختصين، خاصة إذا أصيبت الفتاة أو السيدة المغتصبة بنزيف دموي؛ ولكن تراجع الوضع الأمنى والاعتداء على الكوادر الطبية تزامنًا مع الصراع الدائر يُعوق تقديم الخدمات الصحية والطبية للسيدات اللاتى يُعانين من نزيف الاغتصاب.
إجهاض إجباري.. وفقدان الحد الأدنى من الحق في الحياة العادية
وتؤكد «إسحق» أن نُدرة الأمان تخلق مُتسعا من انعدام الأخلاق والاستغلال والانتهاكات ضد النساء ويُصبحن أكثر هشاشة؛ ففى أم درمان تعيش النساء كارثة حقيقية ومُؤسفة ومروعة؛ بعد احتلال الدعم السريع «مستشفى القابلات فى أم درمان» وهو مستشفى كبير يغطى رقعة جغرافية مُتسعة جدًا ومُتخصص فى النساء والتوليد وكان قادرا على إسعاف السيدات وتلبية خدمات الصحة الإنجابية على أكمل وجه؛ ولكن فقدانه تسبب فى أزمة كبرى حتى الآن؛ إذ اضطرت النساء للجوء إلى الحلول البديلة وهى مُزعجة ومؤسفة جدًا، خاصة أنهن فى أمس الحاجة للرعاية الصحية والطبية والإنجابية.
وتضيف «إسحق» أن هناك أعداد كبيرة من النساء تأثرن بالإجهاض بسبب الوضع النفسى السيئ؛ بل وصل الأمر إلى تسبب الوضع النفسى فى نزيف حاد للسيدات وأدى إلى مُضاعفات أخرى؛ وقد أجبرن فى النهاية على الإجهاض فى حين أن الولادة تحتاج لرعاية صحية خاصة تكون على قدر من الوقاية والأمان؛ ناهيك عن الكثير من الأطفال والكبار الذين فقدوا الحد الأدنى من الحق فى الحياة العادية؛ مثل الأطفال الذين كانوا بحاجة للحضانات بعد الولادة والصغار والكبار أصحاب الأمراض المزمنة وتم قصف المُستشفيات وهم بداخلها.
المُغتصبات لا يستطيعون الإبلاغ خشية المُلاحقة ووصمة العار
تُشير مُديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة فى السودان فى ختام حديثها، لـ«البوابة» أن الاغتصاب ليس فقط الأزمة التى تواجهها النساء والفتيات فى زمن الحرب؛ فوحدة المرأة لا تقدم خدمات «عدلية وشرطية»؛ ولكن عملها تنسيقى لدعم الفتيات والأطفال بين الحكومة والأمم المتحدة والمنظمات؛ ولكن غياب آلية الحماية للنساء وقلتها وندرتها وعجزها عن تقديم الحماية للنساء ما قبل الحرب «تعطلت الآن تمامًا».
«الناس أصبحت تموت من الفقر.. قبل الرصاص»
وتؤكد أن النساء فى السودان أصبحن فى مهب الأزمات بعد توقف عمل الجهات العدلية والشرطية وأصبحن يتعرضن لمزيد من العنف المنزلى فى ظل تزايد الضيق النفسى والمشاكل الاقتصادية؛ إلى جانب تعطل وفقدان الحلول القضائية بشأن الطلاق والنفقة فى زمن الحرب، كما أن ٨٠٪ من النساء فى السودان يمثلن قطاع العمالة غير المنتظم وفقدن كل وظائفهنوهن أصلا اللواتى يُحاربن الفقر فى مُجتعاتهن ويُحاولن إيصال الحد الأدنى من المُساعدات لأسرهن، فقدن وظائفهن وبتن غير قادرات على مُساندة أسرهن «الناس أصبحت تموت من الفقر.. قبل الرصاص».
الصليب الأحمر 20٪ فقط من المنشآت الصحية لا تزال تعمل فى السودان
من جهتها تقول إيمان الطرابلسى المتحدثة الإقليمية لجمعيات الصليب الأحمر فى الشرق الأوسط والأدنى قالت لـ«البوابة»: إن أقل من ٢٠٪ من المنشآت الصحية فى السودان لا تزال تعمل داخل الخدمة وتحاول جاهدة تلبية احتياجات السكان فى زمن الحرب، مُشيرة إلى أن الحوجة للمعدات الطبية ليست التحدى الوحيد الذى يشهده قطاع الصحة السودانى؛ فى حين أن المنشآت الصحية القليلة الباقية فى الخدمة تعانى من نفاد مخزون الأدوية والمواد الجراحية والطبية؛ إضافة إلى المُعاناة من أزمة انقطاع المياه والكهرباء.
منظمة «محامو الطوارئ» لـ« البوابة نيوز»: وثقنا اغتصاب أجنبية على يد 5 أفراد من الدعم السريع
فى الـ ١٥ من مايو ٢٠٢٣، أصدرت منصة محامو الطوارئ «وهى منظمة مُجتمعية وحقوقية»، بيانًا أعلنت خلاله عن رصدها اغتصاب فتاتين أجنبيتين فى منطقة أم درمان على يد أفراد من قوات من الدعم السريع بعد أن اقتحم مسلحون منزلهما وأخرجوهما من داخل «الحمام» الذى اختبأتا بداخله؛ والحالتين تبلغ أعمارهن «٢٥- ٢٢ عامًا». «البوابة» تواصلت مع المُحامية رحاب مبارك عضو مُحامو الطوارئ؛ لكشف تفاصيل الواقعة.
وعبر تسجيل صوتى أكدت «مبارك» لـ«البوابة» صحة ما نشرته منصة مُحامو الطوارئ بشأن اغتصاب ٢ من الفتيات الأجنبيات فى مدينة أم درمان؛ وكشفت عن جنسيتهما وهويتهما الشخصية؛ ولكن طالبت بعدم الكشف عن هويتهما الشخصية وجنسيتهما خلال كتابة التحقيق؛ مُؤكدة أن الفتاتين تم تسفيرهما لبلدهما بعد تلقيهما العلاج والمُساندة.
المُغتصبات تحاولن النزوح سريعًا دون تلقي العلاج خوفًا من المُلاحقة
وقالت «مبارك»: إن الواقعة لفتاتين أجنبيتين كانتا تقيمان فى أم درمان، الأولى ٢٥ عاما وتم اغتصابها بواسطة فردين، والحالة الثانية تبلغ ٢٢ عاما وتم اغتصابها بواسطه ٥ أفراد؛ وحدثت واقعة الاغتصاب بعد أن هاجم مسلحون يرتدون زى الدعم السريع منزلهما واغتصبوهما بعد أن أخرجوهما من حمام منزلهما. لم يكن تأكيد واقعة اغتصاب الفتاتين الأجنبيتين فقط؛ هو ما تحدثت عنه المُحامية الحقوقية والمُهتمة بملف المرأة، فكشفت لنا عن واقعة اغتصاب أخرى بمدينة أم درمان؛ لأفراد يرتدون أيضًا زى الدعم السريع، ووثقتها مجموعة محامو الطوارئ، وكانت لسيدة خمسينية تقطن فى أم درمان وتم اغتصابها داخل منزلها تحت تهديد السلاح؛ وصادف زمن الواقعة عدم تواجد زوجها فى المنزل؛ حيث إنه كان فى الخرطوم وكان كوبرى النيل الأزرق مُغلقًا بسبب الاشتباكات ولم يستطع العودة لمنزله قبل عدة أيام؛ ولم تتمكن الأسرة من النزوح قبل حادثة الاغتصاب بسبب إغلاق الكوبري.
وأكدت المُحامية الحقوقية، أن مُحامو الطوارئ وثقت واقعة أخرى لاغتصاب طفلة لم يتجاوز عمرها الـ ١٥ عامًا فى حى السور بمدينة أم درمان، وثقت أيضًا اغتصاب فتاة أخرى فى حى الصحافة جنوب العاصمة الخرطوم؛ مشيرة إلى أن مُحامو الطوارئ لم يتمكنوا من تقديم الدعم للأخيرة بسبب نزوحها السريع برفقة أسرتها خارج الخرطوم عقب واقعة الاغتصاب خوفًا من مُلاحقة المُغتصبين لها ولأسرتها بعد الإبلاغ عن الواقعة أو تعرضها للاغتصاب مرة أخرى.
وعن آليات دعم الناجيات من الاغتصاب، أوضحت عضو محامو الطوارئ أنه بعد استقبال البلاغات وتوثيق حالت الاعتداءات والعنف المُتصل بالنزاع؛ تُحاول المُبادرة إيصال الناجيات لأقرب غرفة طوارئ فى المنطقة بالإضافة إلى التواصل مع الأطباء لنظر الحالات وتسهيل تلقى العلاج فيما يخص فيرس سى والايدز وأمراض المناعة ومنع الحمل؛ على أن تتم مُغادرة الحالات للمنطقة على وجه السرعة خاصة وأنه هذه المنطقة باتت غير آمنة، وهو الأمر الذى يدفع بالكثير من الحالات إلى مغادرة المناطق أولًا ثم الإبلاغ عن واقعة الاغتصاب أو العنف الجسدى خوفًا من المُلاحقة.
الخرطوم أكثر المناطق التي وقعت بها انتهاكات جنسية
وأكدت أن أوضاع النساء فى عموم السودان باتت سيئة للغاية؛ بينما تُعد الخرطوم أكثر المناطق التى وقعت بها انتهاكات؛ وهو الأمر الذى أثر سلبًا على قدرتنا بشأن التواصل مع كل الحالات التى تعرضت للانتهاكات الجنسية والاغتصاب؛ ولكن أوضاع النساء فى مدينة الجنينة «تقع فى أقصى غرب السودان» باتت سيئة لأقصى درجة يُمكن تصورها؛ وأيضًا فى مدينة كتُم «بشمال دارفور»؛ خاصة وأن المنطقة باتت مُحاصرة تمامًا بل وصل الأمر لتوقف شبه كامل للمُستشفيات التى كانت تعمل فى زمن الحرب؛ وباتت الحالات التى تعرضت للاغتصاب تُصارع الموت البطيء؛ على على عكس الخرطوم، حيث تستطيع المُغتصبة النزوح لولايات آخر أكثر أمانًا ويُمكن أن تتلقى فيها ما يتوافر من دعم ومساندة.
اعتقال طبيبين ومطاردة آخرين بسبب تقديم الخدمات للمغتصبات
وعن المخاطر والصعوبات التى يُواجُهها القائمون على مُكافحة الاغتصاب فى زمن الحرب؛ أوضحت الحقوقية على تعرضهم لمخاطر كبيرة وكارثية وصلت إلى الاختطاف والاعتقال أو المُطاردة؛ مؤكدة أن أطباء ونشطاء عملوا على مُساعدة فتيات تعرضن للاغتصاب والعنف المُتصل بالنزاع تتم مطاردتهم من قبل العسكريين واعتقالهم ومن بينهم طبيبان تم اعتقالهما وقد أفرج عن أحدهم مُؤخرًا.
وكانت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، أعلنت عن مقتل ٢٤ شخصًا من الأطباء والكوادر الطبية والصحية وطلاب الطب؛ منذ بداية اندلاع الصراح المسلح فى منتصف أبريل حتى الـ٥ يوليو ٢٠٢٣.
الاغتصاب والاعتداء الجنسي في زمن الحرب يقع ضمن جرائم الحرب
يُجرم القانون السودانى الاغتصاب والاعتداء الجنسي، فتصل العقوبة للإعدام بالنسبة للأطفال، أما البالغون فتصل للسجن ١٥ عامًا إذا ثبتت الجريمة؛ ولكن يصعب تطبيق العقوبة على المُغتصب فى زمن الحرب. وفقًا للقانونية والحقوقية رحاب مبارك.
وتقول مبارك: إن جريمة الاغتصاب والاعتداء الجنسى المتصلة بالنزاع الحالي، تقع ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؛ وهو ما يُجيز التقاضى أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ فهى جريمة لا تقل عن القتل والإبادة الجماعية.
صيدلانية بغرفة طوارئ شرق النيل وعضو «سودانيات لرصد الاغتصاب»: الحديث لا يصف مأساة الواقع
قالت نور محمد؛ وهى صيدلانية ومُتطوعة بغرفة طوارئ شرق النيل؛ وعضو «مُبادرة سودانيات لرصد حالات الاغتصاب» لـ«البوابة» إن مُبادرة سودانيات لرصد حالات الاغتصاب تعمل على توثيق حالات الاغتصاب والتأكد منها عبر دلائل مُؤكدة؛ البداية تكون بالإبلاغ عن حالة أوتعرض أكثر من حالة فى وقت واحد للاغتصاب؛ وبدورنا نحاول الوصول للناجيات عن طريق غرف الطوارئ لتقديم الدعم النفسى وإيصال بروتوكول العلاج بقدر الإمكان- وإن كان بصورة غير مباشرة- خاصة وأن هناك سيدات أخذن بروتوكول الـrap فى حين أن أخريات تعثر وصول البروتوكول لهن بسبب رفضهن الإفصاح عن مكان تواجدهن خوفًا من المُلاحقة، سواءً من قبل المُغتصبين أو وصمة العار.
في شهر واحد فقط.. وثقنا 23 حالة اغتصاب بينهم 3 وفيات بشرق النيل
تؤكد الصيدلانية لـ«البوابة» رصد وحدة السيدات بطوارئ شرق النيل لـ٤٢ حالة اغتصاب؛ ولكن تم التواصل فعليًا بصورة مباشرة مع ٢٣ حالة تعرضهن للاغتصاب الجنسى والعنف المتصل بالنزاع؛ منها ٣ حالات وفاة فى الفترة بين ١٢ مايو و١١ يونيو، وقد وثقت الوحدة شهادة السيدات وملابسات الوقائق مُؤكدة أن أغلب السيدات اللواتى تعرضن للاغتصاب كان على يد عسكريين.
النساء بين نارين الاغتصاب والعنف الجنسي في البيوت والشوارع.. وثقنا اغتصاب فتيات حتى الموت بـ «الخرطوم ودارفور والأبيض والجنينة»
«الأوضاع باتت أكثر من سيئة والحديث لن يستطيع وصف المُعاناة»؛ هكذا تُؤكد الصيدلانية فى حديثها عن العنف ضد المرأة فى السودان: أقل شيء الأمان، وأصبحنا لا نعرف عنه شيئًا؛ فنحن السيدات بين نارين «اقتحام المنزل علينا وتعرضنا للاغتصاب- أوالخروج من المنزل والتعرض للعنف والاغتصاب أيضًا»، فمُنذ اندلاع الحرب لا نعرف أى نوع من الأمان وإن كان مُؤقتًا؛ فإذا خرجنا إلى الشارع نعيش حالة من الرعب وأصبحنا مُعرضين للاختطاف فى أى لحظة أو الاعتداء علينا، أو يصل الأمر لفقدان الحياة نهائيًا؛ مُؤكدة أنه فى بعض الأحيان تُقتل الفتاة بعد أن تغتصب ولا نعرف طريق الجثة؛ سواء كان ذلك فى الخرطوم أو دارفور أوالأبيض أوالجنينة.
اختطاف 3 فتيات بينهن قاصر من منزلهن في بحري وأم درمان
حديث الصيدلانية لـ «البوابة» بشأن تعرض النساء والفتيات للاختطاف؛ أكده بيانٍ لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل- صدر فى الرابع من يوليو ٢٠٢٣- كشف عن اختطاف فتاتين من منزلهما فى حلفاية الملوك بمدينة بحري، بالإضافة إلى اختطاف طفلة قاصر بحى المُسالمة بمدينة أم درمان، على يد عناصر من قوات الدعم السريع؛ مُحذرة هذه الانتهاكات الخطيرة وتزايد حالات اختطاف النساء والفتيات والأطفال فى مناطق النزاع وخاصة الخرطوم.
جرائم بشعة.. ومُغتصبات رفضن العلاج والكشف عن أماكن إقامتهن خوفًا من المُلاحقة
وتروى «نور» أبشع وقائع اغتصاب للنساء فى زمن الحرب ووثقتها الوحدة، وكانت لفتاة فى إحدى المناطق بشرق الخرطوم وكانت بحاجة ماسة وضرورية للدعم الطبى بعد تعرضها للاغتصاب المُتكرر على مدار عدة أيام، ولكن توفيت فور وصولها المُتأخر للمستشفى بسبب تزايد الاشتباكات وقد أبلغت قريناتها الوحدة بوفاتها.
تُشير الصيدلانية فى حديثها لمخاوف الحالات بشأن الإبلاغ عن وقائع الاغتصاب؛ وذلك حتى لا يطال المغتصبة وأسرتها وصمة العار الأمر الذى يتسبب فى معاناة أكبر من الاغتصاب؛ مُدللة على ذلك بروايتها مأساة إحدى الفتيات، والتى تعرضت للاغتصاب و«حملت فى مولودها»، بسبب رفض الفتاة وأسرتها الكشف عن تعرض ابنتهم للاغتصاب؛ وهو الأمر الذى منع وصول بروتوكول علاج ما بعد الاغتصاب.
بيان المكافحة
وفى بيان الأول من يوليو ٢٠٢٣ لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل؛ أوضح أن مُعدل تزايد حالات الاختفاء القسرى للنساء والفتيات والعنف الجنسى المُتصل بالنزاع لا يتناسب مع البلاغات المُسجلة لدى الوحدة؛ وأن الإبلاغ عن حالات العنف الجنسى يُساعد فى التخفيف من آثار الصدمة النفسية ويُساهم فى تدارك التبعيات الصحية للاعتداء. معلنة عن قلقها الشديد إزاء تنامى ظاهرة الاستهداف العرقى للنساء والفتيات ويُعد تزايدا نوعيا فى جرائم العنف الجنسى المتصل بالنزاع.
وتصف الصيدلانية شعور أفراد الحملة بشأن بلاغات الاغتصاب، بقولها: «كنا نبكى إذا بلغنا أن امرأة تعرضت للخطف وتتعرض لانتهاك على مدار أيام متعددة؛ كنا نتحسر ونبكى إذا كشفت إحدى الناجيات عن أنها لن تقدر على الوصول للمستشفى أو أحد المراكز للحصول على بروتوكول العلاج بسبب عدم توفر أموال المواصلات؛ فى ظل أن الطريق غير آمن لنصل لها نحن.. مأساة مُتفاقمة وشعور بالحسرة والندم لا ينقطع».
حوجة كبيرة بشأن توفر حقن فيروس الإيدز
وعن توافر بروتوكولات العلاج للواتى تعرضن للاغتصاب فى زمن الحرب؛ تؤكد المُتطوعة بغرفة طوارئ شرق النيل؛ أن بروتوكول علاج الاغتصاب كان مُتوافرا فى الأسبوعين الأول من الحرب؛ ولكن كانت المُشكلة بشأن توافر حقنة الـhiv، خاصة وأنها توجد فى المراكز الطبية، والتى فى الأغلب تقع على مقربة من الاشتباكات؛ ما تسبب فى حوجة كبيرة بشأن توفر حقن فيروس الإيدز، وأدى إلى رفع حالة الحوجة الضرورية لتوفير البروتوكولات والحقن فى مناطق مُتعددة؛ حتى إذا تعرضت سيدة للاغتصاب يكون البروتوكول العلاجى مُتوافرا.
نقص حقنة الـhiv وندرة الكوادر الطبية.. كل أنواع الدعم المقدم غير كافية وتعثر وصول ضحايا للمستشفى
وتُشير إلى أن أزمة نقص حقنة الـhiv تتزامن مع ندرة الكوادر الطبية؛ ولكن فى أغلب الأوقات يُعتمد على الأطباء بالمستشفيات التى لا تزال تقدم الخدمة الطبية، وهى أقل من ٢٠٪، الأمر الذى دفع مُبادرة سودانيات لرصد حالات الاغتصاب لتتواصل مع الحالات وتقديم الدعم والتدريب والعلاج «أون لاين» إلى جانب تقديم الدعم السريرى والنفسي؛ ورغم ذلك فإن كل أنواع الدعم المقدمة للسيدات اللواتى تعرضن للاغتصاب غير كافية؛ مؤكدة وجود العشرات من المُغتصبات انتظرن وصول البروتوكول ولكن صعوبة الوصول كانت كارثية رغم أن الفتيات قبلن بالكشف عن هويتهن ومحل إقامتهن بعد هروبهن من الأماكن التى وقع بها الاغتصاب؛ أما أخريات رفضن الكشف عن هويتهن أو إزاحة الستارعن واقعة الاغتصاب خشية وصمة العار التى ستلحق بهن وبأسرهن.
مصدر: الاعتداءات الجنسية تعددت بين الاغتصاب والتحرش والتخويف والسرقة والتفتيش غير الأخلاقي
حديث الصيلانية «نور» أكده لـ«البوابة» مصدر طبى آخر بغرفة طوارئ شرق النيل، والذى رفض ذكر اسمه حفاظًا على حياته، واصفًا أوضاع السيدات فى السودان وتحديدًا فى الخرطوم بـ«السيئة لأقصى درجة»، مؤكدًا أن مكتب السيدات بالطوارئ تلقى بلاغات كثيرة من حالات الاعتداء الجنسى والجسدي، تعددت أشكالها بين «الاغتصاب والتحرش والتخويف والسرقة والتفتيش غير الأخلاقي»؛ وحدثت جميعها فى مناطق ارتكاز قوات الدعم السريع؛ إلى جانب الاعتداء على السيدات والفتيات داخل المنازل.
وأوضح المصدرأن دور مكتب السيدات بغرفة الطوارئ فى زمن الحرب يتلخص حول تقديم الخدمات الطبية الطارئة لحالات الاغتصاب والخدمات القانونية والنفسية؛ إلى جانب توفير المعينات الإنسانية والفوط الصحية والأدوية وكل الخدمات التى تحتاجها الناجيات من العنف الجنسي.
وردًا على تساؤل «البوابة» بشأن توثيق تعرض السيدات والفتيات للاغتصاب على يد مدنيين أم عسكريين، أكد المصدر أن كل حالات الاغتصاب التى وثقتها الغرفة كانت على يد أفراد يرتدون زى الدعم السريع؛ ومن بينها حالة لفتاة صغيرة أقل من ١٥ سنة تم حسبها والاعتداء عليها جنسيًا على يد مجموعة من أفراد الدعم السريع لمرات مُتكررة.
مبادرة «لا لقهر النساء» تهيب بالعالم: أغيثوا فتيات وأطفال السودان.. أوضاع النساء في الزمن الحرب مجنونة وكارثية لأقصى درجة
لم تكن مُبادرة «لا لقهر النساء» ببعيدة عن رصد أحداث العُنف المُتصلة بالنزاع فى السودان؛ وحسب تهانى عباس رئيسة المُبادرة: «فإن أوضاع النساء فى الزمن الحرب باتت مجنونة وكارثية لأقصى درجة يُمكن وصفها».
«عباس» أكدت فى حديثها لـ«البوابة» أن نساء السودان قبل الحرب كن يُعانين بشدة بسبب التمييز السلبى والوضع الاقتصادى المُعقد؛ ولكن بعد الحرب فإن أغلب النساء والبنات بات وضعهن أسوأ خاصة المُقيمات فى الخرطوم بعد أن اضطررن للمُغادرة بسبب الاقتتال العنيف والانتهاكات الجنسية مثل «الاغتصاب والتحرش» واستباحة قوات الدعم السريع المنازل واحتلالها.
أغلب حالات الاغتصاب وقعت في الخرطوم وبحري وأمدرمان على يد قوات الدعم السريع
وبسؤالها عن أصعب الحالات التى رصدتها «لا لقهر النساء»، أكدت «عباس» أن حالات الاغتصاب الجماعى التى يرتكبها عدد كبير من الجنود فى حق البنات والنساء هى الأصعب؛ إضافة إلى اغتصاب الأم وبناتها وباقى أفراد الأسرة؛ فقد بلغ إجمالى حالات الاغتصاب التى سجلتها المُبادرة ٣٦ حالة اغتصاب وتم جميعها على يد قوات الدعم السريع، ووقعت داخل الخرطوم وبحرى وأم درمان. لافتة إلى أن الإعداد أكثر من ذلك بكثير؛ ولكن بسبب الأوضاع الأمنية يصعب الحصر الدقيق.
وحول دور مُبادرة لا لقهر النساء، تقول: هو مثل كل منظمات المجتمع المدنى السودانى يصعب جدًا فى زمن الحرب أن نقوم بعملنا مثل ما كُنا؛ لكن قُمنا بالكثير من المُناصرة وإصدار البيانات والشتبيك مع منظمات دولية وأيضًا تقديم خدمات محدودة للناجيات والضحايا.
تنديد واستنكار أممي
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية؛ تنديد واستنكار مسئولين بارزين فى الأمم المتحدة بشأن تزايد العنف الجنسى فى السودان المرتبط بالنزاع فى حق النساء والنازحات واللاجئات. الإدانة الأممية صدرت فى بيان مُشترك وقعه رؤساء العديد من وكالات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان واللاجئين، «مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين واليونيسف وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة الصحة العالمية».