يجب توحيد الجهود وتجفيف مصادر التمويل وتدشين مواجهة شاملة فى كل مكان ضد وباء التطرف والعنصرية
أدعو الدولة الفرنسية للاستفادة من التجربة المصرية فى مواجهة الإسلام السياسي
بناء على دعوة رسمية، تحدث مساء الجمعة، الكاتب الصحفى عبد الرحيم على رئيس مجلسى إدارة وتحرير «البوابة نيوز» ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، فى جلسة حول حول «الطرق الجديدة للديمقراطية»، ضمن جلسة من جلسات الندوات المنعقدة فى مؤتمر إيكس أون بروفانس بفرنسا، والتى استمرت على مدار ثلاثة أيام «من الجمعة إلى الأحد»، تحت عنوان «إعادة بعث الأمل».
وقال عبد الرحيم على إن مؤتمر «إيكس أون بروفنس» مؤتمر اقتصادى ينعقد كل عام منذ حوالى ربع قرن فى جنوب فرنسا بالتحديد، ويحضره علماء سياسة واقتصاد من جميع أنحاء العالم، وأوضح أن جلسة الجمعة التى عقدت تحت عنوان «الطرق الجديدة للديمقراطية»، تحدث فيها عن هشاشة الديمقراطية التى شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وأشار إلى أنه تناول زاوية أخرى خلال المؤتمر وهى استغلال الديمقراطيات الهشة فى اختراق المجتمعات. وقد شارك فى الجلسة نفسها جوهانا فارتياينن عمدة هلسنكى، فنلندا، وماريليس ليون نائبة الأمين العام لمنظمة CFDT؛ وكلوى مورين، العالمة السياسية عن مؤسسة جان جوريس؛ وإليانا سانتوس الشريكة المؤسسة لمنظمة «أنا ملتزم من أجل أفريقيا». وتنشر «البوابة» مداخلة عبد الرحيم على كاملةً.
تنظيم الإخوان غزا القارة العجوز واخترق الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية للمجتمعات الأوروبية
مقدمة لابد منها:
إن التمرد وأعمال الشغب التى شهدتها المدن الفرنسية طوال الأيام الماضية تؤكد، بما لا يدع مجالًا للشك، ما كان يحذر منه ويخشاه العديد من المحللين السياسيين فيما يتعلق بتحولات النظم الديموقراطية فى فرنسا وفى غيرها من المجتمعات الأوروبية.
بالطبع فإن العاملين الديموجرافى والإيديولوجى خاصةً الأصولى والمتطرف القادم من خارج هذه المجتمعات والمتحالف مع قطاعات منها لعب دورًا أساسيًا فى تكثيف هذه التحولات التى تتمرد على الدولة والقانون وترفض قيم الديموقراطية بوجه عام وحرية الرأى والتعبير وحقوق المرأة وحرية العقيدة والأديان على وجه الخصوص. إلا أن الظاهرة كانت معبأة من الداخل بعوامل هشاشتها وقد ظهر هذا جليًا فى السابق من خلال احتجاجات السترات الصفراء وبعدها فى احتجاجات قانون التقاعد وسيظهر فى أى احتجاجات أخرى تنشأ من أى اعتراضات مجتمعية على سلوكيات أو نهج حكومى ما.
أتفق مع ما قاله آلان باور
وأنا هنا أتفق مع ما قاله آلان باور الخبير الاستراتيجى فى شؤون الأمن والإرهاب: «لا يمكن أن ينتهى هذا الوضع فى البلاد إلا فى اتجاه واحد من إثنين: إما أن يتحول نظام الحكم فى فرنسا ليصبح نظامًا يتصف بالفوضى والإجرام!، وستبدو فرنسا فى هذه الحالة مثل هايتي!.. أو سيكون هناك عودة قوية لنظام حكم استبدادى رادع».
ويضيف: «هذه العودة إلى النظام الرادع ستكون وحشية بشكل غير عادى ولن يكون هناك سوى ضحية واحدة فى النظام بأكمله.. وهى الحرية والديمقراطية. أولئك الذين لا يفهمون هذا سيدفعون ثمنا باهظا».
وهنا يمكننا أن نستخدم، ودون أن نكون متجاوزين أو مبالغين، مؤشر التوحش الذى أصاب المجتمع الفرنسى الذى يطلق عليه الرئيس ماكرون ورجال السياسة والمحللين تعبيرين مترادفين:
التوحش: الأونسوفاجمون L'ensauvagement من ناحية.. والتوحش أو النكوص الحضارى: الديسيفيليزاسيون La décivilisation من ناحية أخرى.
إن مناهج وأهداف الأصوليين (فى تغيير القيم حتى الوصول إلى مرحلة التمكين)، تتضمن ضمن ما تتضمن فكرة «إدارة التوحش"! التى فضلًا عن مناهج التأقلم المختلفة للتغيير الهادئ للمجتمعات الأوروبية وإضافة الى أعمال الإرهاب والعنف، تستخدم وتستغل ظاهرة اجتماعية برزت من داخل تلك المجتمعات وهى ظاهرة الفوضى الديموقراطية والتوحش الاجتماعى والاقتصادى وبخاصة فى الضواحى. فضلًا عن الروح الانفصالية التى تسود أغلبية تلك الأماكن المأهولة بالسكان والتى يحكمها اقتصاد التهريب والمخدرات ولا تتحكم فيها لا قوى الأمن ولا القانون!.
ويمكن هنا الإشارة إلى تحليلات آلان باور حول النظام السياسى المنتظر بين الفوضى والاستبداد، باعتبار ذلك هو النتيجة الحتمية لـغياب الوعى بحقيقة هذا الخطر.
وأختم هذه المقدمة الضرورية بالقول: أنه آن الاوان لتفعيل فكرة التعاون المشترك والتحالف والاستفادة من دروس التجارب الخاصة بمواجهة وتحييد خطر تلك التنظيمات وتطبيقها فى فرنسا وأوروبا.
ودعونى هنا استعير كلمات عمدة لاهيه لى روز التى قالها بعد محاولة حرق منزله وقتل زوجته وطفليه:
«نحن الملايين
لن ننحني
دعونا نشمر عن سواعدنا
ودعونا نبدأ العمل
معًا سنتغلب عليهم"
ماذا حدث للمجتمعات الاوروبية؟!
دعونا نتحدث بوضوح هذه المرة فربما لا يسعفنا الوقت إذا سكتنا اليوم لكى نتحدث مرة أخرى أو نفعل شيئا تذكره لنا الأجيال القادمة.
على مدى السنوات العشرين الماضية، نرى أن المنظمة الدولية للإخوان المسلمين، إحدى أكبر التنظيمات الأصولية الإسلاموية فى العالم، توسعت فى أوروبا، لا سيما فى فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإنجلترا.
لقد غزا تطور القوة الناعمة الإسلاموية واخترق الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والثقافية والتعليمية للمجتمعات الأوروبية. بحيث لا نرى ببساطة وراء تعددية هذه القوى وانقسام تلك الجماعات حقيقة الدور المهيمن للمنظمة العالمية للإخوان المسلمين على هذه القوى والتنظيمات والجماعات، بل وعلى المجتمع الأوروبى بأسره.
الآن استيقظت أوروبا بعد عدد من الهجمات الإرهابية لتجد أنها وقعت فى براثن هذه المنظمة.
من ناحية: تتعاون الأحزاب اليسارية الأوروبية وأحزاب البيئة مع التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، الذى يطلق على نفسه مسمى «اتحاد مسلمى أوروبا» لأغراض انتخابية. ومن ناحية أخرى: نجد للأسف أن بعض أولئك الذين فهموا خطورة هذه الشبكات لديهم نظرة عنصرية وينتمون إلى أحزاب يمينية ومتطرفة.
بين هؤلاء وهؤلاء، يجب أن تكون هناك بعض العقول الواعية والمسؤولة التى تواجه تحدى هذا التنظيم بأسلحة مفاهيمية حديثة نابعة من القيم الأوروبية لحقوق الإنسان والديمقراطية. لكن لسوء الحظ: تكاد تكون هذه العقول غائبة عن الساحة السياسية الأوروبية.
فقد عززت جماعة الإخوان المسلمين فى أوروبا وجودها بسبب عدم وعى النخبة السياسية التى تحكم فرنسا وأوروبا بشكل عام.
يؤسفنى أن أؤكد لكم أنه إذا استمر مشروع الإسلام السياسى الذى أطلقه التنظيم الدولى للإخوان المسلمين فى التوسع قبل نصف قرن أو يزيد، فإننا نجازف بأن نشهد فى غضون فترة زمنية قصيرة اعتلاء الإسلاميين من الجيل الرابع والخامس على عروش السلطة فى أكثر من دولة أوروبية، وفى مقدمتها فرنسا.
إن جماعة الإخوان المسلمين تغذى روح الكراهية بين المسلمين وغير المسلمين. وتحاول اختراق مؤسسات المجتمع المدنى لتغيير البنية الاجتماعية للمجتمع الأوروبى وتشكل تهديدًا حقيقيًا ينبغى على الحكومات والسياسيين الغربيين مجابهته قبل فوات الأوان.
ولعل من المفيد فى هذا الصدد أن تستمع فرنسا إلى الدروس التى تعلمتها دولة مسلمة مثل مصر التى كانت أول هدف وضحية للإخوان المسلمين.
أخطأت أوروبا فى تركها للمسلمين الأوروبيين والمهاجرين المسلمين ليكونوا فريسة سهلة لزعماء هذا التنظيم الذى يحارب قيم القارة الأوروبية.
فللأسف هناك من يساعدهم من السياسيين الأوروبيين بوعى أو بغير وعى، فى محاولاتهم اختراق المجتمعات الأوروبية وبالتالى تحقيق أهدافهم.
لقد تغلغلوا فى أحزاب اليسار والخضر بفضل وصول الجيل الثالث من المهاجرين الذين تسللوا إلى أجساد وهياكل تلك الأحزاب. أجيال تحمل جنسية الدول الأوروبية.. تعلمت فى مدارسها وتتحدث بلغتها.
فى النهاية، تهدف جماعة الإخوان المسلمين إلى أسلمة القارة الأوروبية وهو التحدى الذى يجب على السياسيين الغربيين مواجهته وإحباطه بشكل حتمى.
لكن لسوء الحظ: هناك محاولات للعلاج بإصدار قوانين معينة مثل قانون «محاربة النزعة الانفصالية» فى فرنسا. لكنها محاولات تنتهى دائمًا بالتشويه والابتعاد عن أهدافها الأساسية.
إن قانون «محاربة الانفصالية» لا يكفى فى حد ذاته، خاصة بعد أن تم تخفيفه بضغوط يسارية ليصدر فى ٢٤ أغسطس ٢٠٢١، تحت مسمى: قانون «تأكيد احترام مبادئ الجمهورية» CRPR)).
وهكذا فإن هذا القانون الذى كان يهدف إلى تسليح الجمهورية ضد كل أشكال الانفصال وحماية النموذج الجمهورى، قد تم حرفه عن هدفه.
الحل الوحيد لهذا التحدى هو تفكيك هيكلية هذا التنظيم. والكشف عن خططه وتجفيف مصادر تمويله. باختصار: لابد من إعلان مواجهة شاملة لوقف انتشاره المتخفى داخل المجتمعات والمؤسسات السياسية الأوروبية.
من جانبنا، لن نتوقف عن التحذير من هذا الخطر حتى يستيقظ السياسيون الغربيون ويتحدون لمواجهته. لأنه إذا لم يتوقف هذا التدهور قريبًا، فسوف تدفع أوروبا ثمنًا باهظًا.
فنحن نحتاج إلى تطوير خطة ترقى إلى مستوى التحدى. ونعمل على تقديم نماذج وخبرات سابقة عشناها للسلطات الفرنسية من أجل وقف اختراق وتوسع هذه الجماعة فى المجتمع الفرنسى.
دعونا لا ننسى أننا جميعًا نواجه - على ضفتى البحر المتوسط – خطرًا واحدًا. ذلك أن الإخوان بعد أن شنوا حربًا على المجتمعات الإسلامية فى جغرافيتهم التقليدية، تحولوا إلى المجتمعات الأوروبية التى يسمونها وفقًا لعقيدتهم: «دار الحرب».
باختصار: يجب أن نوحد جهودنا لندشن مواجهة شاملة فى كل مكان ضد هذا الوباء، وباء التطرف والعنصرية، لمنعه من تحقيق أهدافه فى السنوات القادمة.
بدون هذا، وبالاعتماد فقط على محاولات إصلاح وتغيير القوانين الرسمية والمشاريع الضبابية وغير الدقيقة لما يسمى «إعادة تنظيم الإسلام الفرنسي». فإننا سندور فى حلقة مفرغة.
منسق الجلسة فنسنت بونس.. إعادة بعث الأمل: مسارات جديدة للديمقراطية
فكرة جلسة مؤتمر «إيكس أون بروفانس» حول «الطرق الجديدة للديمقراطية»، تتضح فى الرسالة التالية التى تلقاها الكاتب الصحفى عبد الرحيم على، من منسق الجلسة فنسنت بونس، وتنشر «البوابة» نص تلك الرسالة:
تظهر المؤسسات السياسية فى فترة ما بعد الحرب اليوم، علامات الهشاشة فى العديد من البلدان الديمقراطية. كانت نسبة المشاركة فى التصويت على مدار عدة عقود، آخذة فى الانخفاض، فى حين أن الاستياء من المسؤولين المنتخبين آخذ فى الازدياد. فى الآونة الأخيرة، تلقت الأحزاب الشعبوية التى تتحدى الوضع الراهن دعمًا مفاجئًا حتى فى أقدم الديمقراطيات، وانتشرت الاضطرابات الاجتماعية فى جميع أنحاء العالم. حتى العناصر الإجرائية للديمقراطية - مثل الحملات الانتخابية - التى ينبغى أن تسمح بالتداول المنطقى يبدو أنها تغذى الاستقطاب بين المعسكرين المتعارضين. ووفقًا لمسح أجراه مجلس المؤتمر فى عام 2022، كان عدم الاستقرار السياسى والحكومى بالنسبة لمعظم الرؤساء التنفيذيين «أكبر تحد عالمى يواجه مؤسساتهم».
هناك الآن حاجة ملحة لفهم أسس هذه الاتجاهات المقلقة وتحديد الحلول لها. لا يوجد نقص فى الأفكار، بدءًا من اختراع قواعد تصويت بديلة ومنتديات جديدة للنقاش. لكن هل هذه الحلول واعدة حقًا؟ وما هو الدور الذى يمكن أن تلعبه المؤسسات، التى تتفرج بقلق اليوم، فى عملية ترسيخ ديمقراطياتنا غدًا؟