الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جوليان أوبير يكتب: إنها الفوضى!.. السؤال الفلسفى المطروح: كيف نتعامل مع الشخص الذى لا يحترم أى قواعد؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

١١١٣٧ حريقًا متنوعًا.. ٥٦٦٩ حريقًا للسيارات.. ١٠٦١ تدميرا وضررا للمبانى العامة، ٢٥٥ هجمات على مراكز الشرطة وأفرادها.. إصابة ٧٢٨ فردًا من قوات الأمن من بينهم ١٣ إصابة بسلاح نارى.. إصابة ٣٦ من رجال الإطفاء (وفاة فرد منهم).. ٣١٧٣ اعتقالًا.. كل ذلك هو حصيلة أحداث الشغب التى وقعت فى ٣ يوليو والتى انتشرت كالنار فى الهشيم فى عدد من المدن الفرنسية وذلك بعد وفاة شاب فرنسى جزائرى فى السابعة عشرة من عمره بسلاح نارى فى ٢٧ يونيو. 
قد تبدو هذه الأحداث من بعيد وكأنها صدى للانتفاضات التى أعقبت وفاة محمد البوعزيزى فى تونس عام ٢٠١١ أو وفاة جورج فلويد فى الولايات المتحدة عام ٢٠٢٠ لكن الأمر ليس كذلك؛ لأن أعمال الشغب التى وقعت فى فرنسا عام ٢٠٢٣ كانت عفوية وليس لها رسالة سياسية؛ كما أن وفاة نائل بالخطأ ليست جريمة عنصرية على عكس ما يصوره مكتب المفوض السامى للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
الفرضية الأكثر ترجيحًا هى ضابط شرطة كان يطارد الشاب نائل لمدة ثلاثين دقيقة فى شوارع المدينة باستخدام سلاحه وقتل الشاب بطريق الخطأ. أعمال الشغب التى أعقبت ذلك لم يكن لها أى مطالب باستثناء العدالة.. لكن سرعان ما تحول هذا إلى عملية انتقام ثم تحولت إلى الفوضى.. وكل ذلك لا علاقة له بظاهرة السترات الصفراء التى هزت فرنسا عام ٢٠١٨.
إذا نظرنا إلى ظروف وفاة نائل سنجد أننا فى المقام الأول نواجه حالة الشعور بالإفلات من العقاب الذى تولد لدى جزء من السكان؛ ففى صباح يوم ٢٧ يونيو كان نائل يقود (ربما بدون رخصة) سيارة أثناء القيادة بسرعة عالية فى ممر مخصص للحافلات طارده اثنان من ضباط الشرطة ورفض إيقاف سيارته وكسر إشارة حمراء ثم اصطدم بأحد المشاة وراكب دراجة.
وعندما وصلت إليه الشرطة أخيرًا قبل إطلاق النار المشئوم بقليل كان قد ارتكب بالفعل ست جرائم فى بضع دقائق.. السؤال الفلسفى وراء ذلك هو: كيف نتعامل مع الشخص الذى لا يحترم أى قواعد إذا كان لا يريد أن يستمع إلى العقل؟ كان لدى هذا الشرطى ثانية للرد ونحن نعرف الباقى.
وفى الحقيقة، الديموقراطية الناضجة هى التى تؤمن بإيقاظ المواطن وحل النزاع والفرص الثانية وحتى الفرصة الثالثة لا حول لها ولا قوة فى وجه الجماهير التى ترفض سماع القانون لأنها تعتبره غير شرعى وإذا كان هؤلاء الشباب الذين قاموا بالحرق أو التدمير أو النهب بعد وفاة نائل لا يحترمون النظام العام فذلك ليس لأنهم لا معنى ذلك.
وفى المدن التى ابتليت بتهريب المخدرات حيث يمكن لشخص يبلغ من العمر ١٥ عامًا أن يكسب فى يوم واحد أكثر من دخل وزير وحيث يقود التجار سيارات فاخرة يسود قانون الأقوى مما يعنى أنه من أجل نظرة جانبية أو انتماء معارضة أو حتى التواجد فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ يمكن للإنسان أن يدفع الثمن باهظًا بالتشويه أو الإصابة أو القتل على يد العصابة المهيمنة ومن المؤكد أن نائل كان يطبق هذا القانون: لقد سخر من الشرطة وشعر أنه يستطيع تحديهم.
والنتيجة الطبيعية لسيادة القانون البديل هى أن الهرم الاجتماعى لا يقوم على الجدارة أو العمل بل على الثروة فى نظام بيئى يغذيه الاتجار. هؤلاء الشباب ليسوا مناهضين للرأسمالية على العكس تمامًا: إنهم يعشقون السيارات الكبيرة والساعات الفاخرة ومظاهر الثروة المبهرجة. كانت أعمال الشغب ذريعة لنهب المتاجر الكبرى التى كانت الشرطة تكافح من أجل الدفاع عنها.
إن العلامات التجارية تعطى انطباع عن الوضع الاجتماعى: مراكز التسوق (أكشن، ليدل، ألدى، إلخ) ومحلات السوبر ماركت (كارفور، أوشان، إلخ) ومتاجر الأزياء: (نايكى زارا وفوت كورنر...) ومحلات المجوهرات.
إن الامر على عكس ما يعتقده وزير العدل إريك دوبون موريتى أو الرئيس إيمانويل ماكرون لا يتعلق فقط بظاهرة الشباب الذين فروا من عائلاتهم ولكنها الثقافة المضادة التى تسود الضواحى بما تحويه من رموزها الخاصة: وهكذا ركبت والدة نائل موتوكروس على هتافات الحشود الذين تجمعوا حدادًا على نائل. فى الطرف الآخر من السلسلة رأينا فى مرسيليا الآباء ينهبون المتاجر مع الأطفال.
ليس من المستغرب أن يشعر هؤلاء الآباء والأمهات المعزولون بالتضامن مع أطفالهم أكثر من شعورهم بالتضامن مع وطنهم. ربما شاركوا هم أنفسهم عندما كانوا أصغر سنًا فى أعمال الشغب التى وقعت فى عام ٢٠٠٥ والتى أشعلت النيران فى الضواحى بعد وفاة المراهقين زيد بينا وبونا تراورى جراء صعقهما بالكهرباء داخل محطة كهرباء فرعية أثناء محاولتهما الفرار من تفتيش الشرطة.
زيد وبونة ونائل: الضحايا المغاربة والأفريقيون فى أحداث متفرقة. وفى الحقيقة، صور أحداث الشغب عامى ٢٠٠٥ و٢٠٢٣ تتحدث عن نفسها: أغلب مثيرى الشغب الشباب قادمون من فرنسا السوداء والدول العربية. كما أن ربع السجناء يحتفلون بشهر رمضان فى السجون الفرنسية بحسب تصريحات وزير العدل. ويقدر عالم الاجتماع فرهاد خسروخافار أن ما بين ٤٠ إلى ٦٠٪ من مثيرى الشغب عام ٢٠٠٤ كانوا من المهاجرين.
ومن المثير للقلق أن جميع الشخصيات التى تبنت قضية نائل تقريبًا يمثلون هذه المجتمعات غير المرئية: كيليان مبابى، بول بوجبا، جول كاوندى، أوريلين تشوامينى، باكارى ميتى، عمر سى، حمزة، جول، كاريس، كلش وغيرهم الكثيرون.
ولا شك أن اليمين يميل بشكل كبير للعولمة واعتبار أن فرنسا العربية المسلمة والأفريقية ستكون فى حالة ثورة ضد فرنسا البيضاء والعنصرية. وهذا ما يراه إريك زمور الذى تحدث عن بدايات الحرب الأهلية ثم الحرب العرقية. يبدو أن الحكومة الجزائرية التى تدخلت فى الشئون الفرنسية بحجة ازدواج جنسية الضحية تدعم هذه الأطروحة عندما أعلنت نفسها «إلى جانب أفراد مجتمعها الوطني» وطالبت فرنسا بحماية «رعاياها».


الواقع ألاكثر تعقيدًا هو أن عدد المشاغبين حتى لو وصل إلى عشرات الآلاف لا يمكن أن يمثلوا ملايين الفرنسيين من أصل أجنبى الذين لم يخرجوا إلى الشوارع فحسب بل كانوا أحيانًا ضحايا نهب. وإذا بدا أن الدين بعيد عن المطالب فمن الواضح أن هناك ثقافة مضادة تم تشكيلها.. ثقافه تتكون من مزيج من العروبة المفترضة بشكل سيئ والانبهار بالعنف العرقى فى الولايات المتحدة والثقافات البديلة التى لها جاذبية لكل من يكره تجسيد الثقافة الرسمية ويمكن أن تشهد على ذلك قاعات المدينة والمكتبات وعربات الترام المحترقة.
وبسبب عدم ارتياحنا للمفهوم العرقى نفضل التحدث عن الفقر أو الهبوط أو حتى ثقافة ألعاب الفيديو فهذه الحركات السياسية مشبعة بمناهضة العنصرية التى تنظر الى الأسود أو العربى على أنهم مثيرو شغب خوفا من إنعاش نظام فيشى. وجميع الأسباب الاجتماعية المتقدمة محدده فقد أظهر النهب أن مشاعرالإحباط المالى تلعب دورًا.
وتظل الحقيقة هنا مرة أخرى، أن الريف الفرنسى الذى هو أقل الضواحى من حيث تخصيص الأموال العامة لم يحرق الكافيهات والمقاهى بها. أنا لا أتحدث عن آلاف الشباب الذين يلعبون ألعاب الفيديو أو يشاهدون أفلامًا عنيفة ولم يخرجوا إلى الشوارع. إذا كانت هذه الجماهير التى كانت فى الماضى قادرة على معارضة السلطة بعنف (سترات صفراء فى ٢٠١٨، مظاهرات ضد الحزب الشيوعى الصينى فى ٢٠٠٦)، لم تفعل ذلك فذلك لأنهم لم يشعروا بالقلق بسبب موت نائل. يقوم اليسار بعمل تجريد كامل لرابطة الهوية القوية، لهذه الثقافة المضادة التى كشفت رموزها فى المنبع.
الاختلاف مقارنة بعام ٢٠٠٥ هو انفجار العنف، مع ظهور سمة جديدة وهى محاولة إشعال النار فى منزل رئيس بلدية هاو ليه روزس بسيارة خلال ليلة من أعمال الشغب. لقد أصبح المتمردون أكثر جرأة.
فى مواجهة هذا العنف الذى لا يؤثر على المجتمع بأسره ولكن على الجماهير فى الضواحى فإن خطيئة الحكومة هى السعى وراء التهدئة وبذلك أصبح ينظر إليها على أنها ضعيفة: «رخصة للعمل» من قبل الأفراد الذين تعترف فقط بقانون الأقوى. فى السابعة عشرة من عمره كان نائل معروفًا بالفعل لدى الشرطة برفضه الامتثال يتمتع «بسلوك بغيض ومستفز إلا أنه كان لديه كما يقول محاميه سجل نظيف. وقد تركه المجتمع ينجر إلى المأساة. ياترى من المسـئول.
على مدى أربعين عامًا أنفقت الحكومات المتعاقبة المليارات على السياسات الحضرية التى لم تغير شيئًا. لا تزال الأحياء اليهودية موجودة والسكان يحرقون معداتهم الخاصة. هناك بالطبع إجراءات طويلة الأمد، ولكن على المدى القصير لا بد من العنف المشروع الذى هو عنف الدولة هو الذى يجب أن يكون له الأسبقية حتى نعطى الفرصة للخوف أن يغير.. هل يستطيع الرئيس ماكرون فعل ذلك؟
معلومات عن الكاتب: 
جوليان أوبير.. سياسى فرنسى، انتخب نائبا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017، ولم يوفق فى انتخابات 2022.. يتناول الاحتجاجات الفرنسية التى استمرت قرابة أكثر من أسبوع.