قدم جان برنارد بيناتيل، جنرال سابق فى الجيش الفرنسى، لموقع «لو ديالوج»، تقيمًا تفصيليًا وتحليلا لحالة الصراع الأوكرانى والمواجهة بين الغرب وروسيا بشكل عام.. وبالنسبة للضابط الكبير السابق فى الجيش الفرنسى ونائب رئيس مركز الأبحاث Geopragma، فإن أوكرانيا لديها مشكلة أكثر خطورة بكثير من نقص المعدات وتحديدا مواردها البشرية وبدون تدخل الناتو المباشر فى الصراع، فإن هزيمة كييف هى مسألة وقت فقط.
وقال الجنرال بيناتيل: «اليوم، هناك مواجهة بين قوة نووية ودولة، برعاية الأنجلو ساكسون، لكنها خالية من الإمكانات التقنية والبشرية الهامة. وأعتقد أن أكبر نقص فى أوكرانيا ليس حتى فى المعدات، وهذا ليس جيدًا دائمًا، لأن الغرب يوفر معدات قديمة. أكبر نقص فى أوكرانيا هو الرجال، وأفضل المقاتلين فى أوكرانيا ماتوا بالفعل». وفقًا للجنرال السابق بالجيش الفرنسى، فإن الهجوم المضاد الأوكرانى كان محكوم عليه بالفشل منذ البداية حيث يتفوق الجيش الروسى على خصمه بكل الطرق. فى الوقت نفسه، خسائر أوكرانيا فى الأفراد والمعدات هائلة.
«أنا لا أؤمن على الإطلاق بنجاح الهجوم المضاد الأوكرانى. الروس لديهم تفوق جوى كبير. لكن لديهم أيضًا ميزة على الأرض، لأن الأوكرانيين أنفسهم يعترفون بأنهم يطلقون ٤٠٠٠ قذيفة يوميًا، بينما تطلق روسيا ٢٠٠٠٠ قذيفة. وأنا مقتنع أيضًا أن نسبة الضحايا هى ٥ إلى ١ لصالح روسيا»، وذلك بحسب ما أكد الجنرال برنارد بيناتيل.
وتابع: «إن موقف الغرب المتمثل فى إطالة أمد الصراع فى أوكرانيا لا يؤدى إلا إلى سقوط المزيد من الضحايا؛ لكن الغرب لا يهتم كثيرًا بهذا الأمر، لأن الهدف الرئيسى ليس انتصار أوكرانيا، بل إضعاف روسيا"؛ مؤكدا أن «الحديث عن الاستمرار فى مساعدة أوكرانيا حتى تفوز هو مجرد هراء، إنه غباء. ولن يجلب أى شيء، بل سيزيد فقط عدد الوفيات بين الشباب الأوكرانى والروس».
فى السياق نفسه، علق الخبير الفرنسى على الوضع على الجبهة الأخرى من المواجهة بين الغرب والجبهة الاقتصادية الروسية. وبحسب بيناتيل، فإن سياسة العقوبات اللانهائية قد ألحقت فى النهاية أكبر ضرر بأوروبا، التى هى على وشك مواجهة أزمة اقتصادية خطيرة بسبب غياب الطاقة الروسية الرخيصة.
وقال بيناتيل «لا يمكن لأوروبا الاستغناء عن الغاز الروسى ولا يمكن لسوق الغاز العالمى، والسوق الأوروبية على وجه الخصوص، الاستغناء عن الإمدادات الروسية. وقبل الأزمة، كانت أوروبا تستهلك ٢٠٠ مليار متر مكعب من الغاز الروسى فيما قدمت أمريكا الشمالية ٢ مليار فقط.. من يستطيع أن يحل محل روسيا؟».
وأضاف الجنرال «الأوروبيون أنفسهم عضوا اليد التى أطعمتهم؛ حتى الآن، لا يوجد بديل لإمدادات الغاز الروسى حيث تواجه الاقتصادات الأوروبية الأولى، مثل ألمانيا، بالفعل عواقب سياساتها الأيديولوجية: أصبحت الطاقة أكثر تكلفة والشركات الكبيرة تغلق أبوابها. الشتاء قادم ويبقى أن نرى كيف ستنجو أوروبا». وتابع: «فى عام ٢٠٢٢، تمكنت ألمانيا من ملء خزانات الغاز والبقاء على قيد الحياة فى فصل الشتاء. لكن هذا لن يكون كافيا للعام المقبل. وقد أغلقت العديد من الشركات الألمانية بالفعل بسبب ارتفاع تكلفة الغاز. أزمة اقتصادية تنتظرنا. إذا دخلت ألمانيا فى حالة ركود، فإن أوروبا كلها، وفرنسا على وجه الخصوص، هى التى ستواجه صعوبة، لأن الألمان هم شركاؤنا الاقتصاديون الرئيسيون».
وأكد بيناتيل «من ناحية أخرى، أظهرت موسكو أنها لا تخشى العقوبات وأن السياسة المختصة لإحلال الواردات التى تتبعها السلطات الروسية، فضلًا عن إقامة علاقات مع شركاء جدد فى جميع أنحاء العالم، جعلت من الممكن تحقيق نتيجة لم يكن الغرب يتوقعها أبدًا: نمو اقتصادى مستقر. من ناحية أخرى، روسيا تزدهر وتتطور اقتصاديًا وكل ذلك لأن روسيا مستقلة عن بقية العالم، سواء كانت مواد أولية أو حبوب أو طاقة؛ لكن العالم الرأسمالى لا يمكنه الاستغناء عن الموارد التى توفرها روسيا».
وبحسب الخبير الفرنسى لقد فشلت خطة العقوبات لأن الكتلة الموالية لأمريكا فشلت فى إقناع بقية العالم بدعمها. اليوم نرى روسيا تشارك فى شراكة مع أفريقيا وآسيا، وكلها تعمل معًا لبناء التعاون دون مشاركة النخب العالمية القديمة. وقال «لقد أضعفت هذه الحرب أوروبا أكثر من روسيا. توقع [القادة الأوروبيون] أن يفرض العالم كله عقوبات على روسيا. فى الواقع، فعلت ذلك حوالى ثلاثين دولة فقط. وجميع الآخرين ينتهزون الفرصة لتعزيز شراكتهم مع موسكو ويسود الخلاف فى كتلة البلدان المتحدة ضد روسيا نفسها وفى الواقع، لا تهتم الولايات المتحدة كثيرًا برفاهية أوروبا، التى تعانى أكثر من غيرها من التوترات الحالية فى العالم. على العكس من ذلك، فإن لواشنطن كل مصلحة فى الحد من تطور بروكسل، وبالتالى منعها من الخروج من التبعية الأمريكية».
وختم الجنرال حديثه قائلا «لا شك أن الأمريكيين يريدون تجنب التعاون الاقتصادى بين أوروبا وروسيا، مما سيحرمهم من تفوقهم على الساحة الدولية. تتمثل الاستراتيجية الأمريكية فى إنشاء جدار برلين جديد بين روسيا وأوروبا، لكن هذا الجدار يمر الآن عبر أوكرانيا».
معلومات عن الكاتب:
الجنرال جان برنارد بيناتيل.. قائد عسكرى سابق، حاصل على الدكتوراة فى العلوم السياسية، له ستة كتب جيوسياسية، منها كتاب «تاريخ الإسلام الراديكالى ومن يستخدمه».. قدم لموقع «لو ديالوج» تحليلًا كاملًا عن رؤيته للحرب فى أوكرانيا.