تُعد منطقة أهرامات الجيزة من أشهر المناطق عالميًا في مجال السياحة الثقافية، وهي التي تضم بين جنباتها إحدى عجائب الدنيا السبع وهو هرم الملك خوفو، والذي هو قبلة الراغبين في التعرف على حضارة مصر القديمة، بل هو البداية دومًا فيمن يرغب البدء بسياحة عامة عن ثقافة الشرق، وكل يوم تفاجئنا المنطقة بالجديد من الاكتشافات الأثرية، التي تُلهب خيال الباحثين دومًا وكان آخر تلك الاكتشافات هو الممر الذي أعلن عنه المجلس الأعلى للآثار منذ أسابيع قليلة.
فريدريك نوردن
يبدو أن المنطقة مازالت تحمل الكثير حيث كشف بسام الشماع المرشد السياحي المعروف، من خلال قراءة له في كتاب فريدريك نوردن وهو أحد الرحالة المشهورين الذين قدموا إلى مصر عام ١٧٣٧م، والذي استطاع أن يطوف بها ويسجل ويصور آثارها، وكان ضمن المناطق التي زارها نوردن هي منطقة أهرامات الجيزة وقام بتصوير "رسم" أهراماتها الثلاثة الكبرى وما يحيط بها من أهرامات أخرى حيث أن المنطقة تضم عدد كبير من الأهرامات يكاد يبلغ العشرة عددًا، وهم أهرامات خوفو، وخا إف رع، ومنكاورع و٦ أهرامات للملكات والأميرات، إضافة لهرم الملكة خنتكاوس، ويبدو أن ذلك العدد مرشح للزيادة.
أهرامات الجيزة.. هل هناك هرم جديد؟
سجل نوردن في كتابه عن رحلته إلى مصر هرمًا قد يكون هو الهرم الحادي عشر، حيث أثبتت الرسومات التي سجلها نوردن، أنه كان هناك هرم إلى جانب هرم الملك خوفو، والذي أعطيناه اسمًا اصطلاحيًا «الهرم الرابع» فهو يقع على نفس محور الأهرامات الثلاثة، وقد يكون هرمًا لأحد أبناء الملك خوفو، ولن نجد أفضل من "جدف رع" ابن "خوفو" كي ننسب له هذا الهرم الذي سجله نوردن بدقة متناهية.
هذا الهرم الذي يظهر في رسومات "نوردن" كان موجودًا حتى الفترة ١٨٤٢م، وهي الفترة التي زار فيها مصر رجل آخر يُدعى ليبسيوس، وهو الذي ورد أسمه في كتاب الدكتور أحمد فخري عن الأهرامات المصرية، حيث زار ليبسيوس مصر، وتسلّق الهرم الأكبر وسجل تاريخ البعثة الخاصة به من ١٨٤٢م إلى ١٨٤٥م.
وخلال هذا التسجيل خلّد ذكرى ميلاد الملك فريدريك ويليام الرابع ملك بروسيا، (ألمانيا والنمسا حاليًا)، بنقش هيروغليفي بجانب المدخل الرئيسي للهرم الأكبر وتحديدًا بجانب الممر المكتشف حديثًا، والنقش غير موجود الآن، ولكن ذكره الدكتور أحمد فخري في كتابه، كما أن ليبسيوس لم يُسجّل الهرم الذي سجله نوردن، أي أنه سجل المنطقة وليس فيها هذا الهرم، إذًا فهذا الهرم لم يعد موجودًا في هذا التاريخ، فأين ذهب؟
هرم صغير
أمر آخر وهو أن كتاب وصف مصر والذي أصدرته الحملة الفرنسية تحديدًا في فبراير عام ١٨٠٢م، أورد رسمًا لهذا الهرم الصغير، أي أن هذا الهرم ظل موجودًا منذ أن التقطته ريشة نوردن عام ١٧٣٧م، وحتى التقطته أعين علماء الحملة الفرنسية، وسجلوه في كتاب وصف مصر الذي صدر ما بين أعوام ١٨٠٩ و١٨٢٨م، في حين لم يسجله ليبسيوس عام ١٨٤٢م، إذًا فهذا الهرم قد اختفى من الوجود في تلك الفترة من ١٨٠٩ وحتى عام ١٨٤٢م.
براءة نابليون بونابرت من كسر أنف أبو الهول
الحقيقة أن نوردن ليس جديدًا على كشف المغالطات التاريخية، فهو من كان له الفضل في تبرئة ساحة نابليون بونابرت من كسر أنف أبو الهول، حيث صورت ريشة فريدريك نوردن تمثال أبو الهول وأنفه مكسورًا عام ١٧٣٧م، في حين أن الحملة الفرنسية على مصر كانت عام ١٧٩٧م، أي أنه رسم أبو الهول قبل الحملة بـ٦٠ عامًا فهذا ليس غريبًا على فريدريك نوردن والذي صدقه العالم وبرأ نابليون بونابرت على أساس رسوماته، فليس من الغريب أن نكتشف الآن من خلال نفس الرسومات وجود هذا الهرم الرابع الذي لم يعد موجودًا الآن.
يبقى السؤال.. أين ذهب هذا الهرم الصغير في حجمه؟ هناك العديد من النظريات التي دارت حول منطقة الأهرامات، ولكن بالتأكيد أن ضررًا أصاب تلك المنطقة عام ١٣٠١م، ضمن الزلزال الذي ضرب مصر، والذي سجلته كتب المؤرخين في هذ التاريخ، ثم جاء رحالة آخر وهو "بالدنسل" بعد هذا الزلزال بمائة عام، وسجل كسوة الهرم متساقطة بجواره وموجودة، وعليها كتابة باللونين الأسود والأحمر.
ثم نجد إدوارد وليم لين رسم في كتابه ألف ليلة وليلة ترفيهيات الليالي العربية، هذا الهرم الرابع، والذي ترجمه للإنجليزية عام ١٨٣٨م، أي أن هذا الهرم كان موجودًا حتى هذا التاريخ أو قبله بقليل، أي أننا نتكلم في فترة تقل عن ١٠ سنوات، حيث سجلت رسومات الرحالة هذا الهرم حتى عام يقترب وجوده من عام ١٨٣٨م، ثم يبدو أنه تلاشى بعد هذا التاريخ.
الأهرامات تتحول إلى محجر
المُرجّح أن تكون منطقة أهرامات الجيزة قد تحولت إلى محجر ضخم يتم الاستعانة بأحجاره سواء أحجار الكسوة المتساقطة، أو أحجار هذا الهرم الصغير في البناء، وقد يكون عزم محمد علي باشا على هدم هرم منكاورع لبناء قناطره الشهيرة دليل على تحول المنطقة لمحجر.
وقد استمع محمد علي لتوصية مسيو موجيل صاحب تصميم القناطر وعدل عن رأيه بهدم هرم منكاورع، لأن هذا أكثر تكلفة، وقد يكون هذا الهرم الصغير قد اقتلعت أحجاره لسبب أو آخر، فيبدو أن المنطق تحولت لمحجرًا كبيرًا حيث اختفت كسوة الهرم المتساقطة وكذلك هذا الهرم الصغير، وهذا مجرد ترجيح. يظل السؤال هنا لماذا اختفى هذا الهرم؟ وهل له بقايا يجب البحث عنها إلى جانب هرم الملك خوفو؟ وهل سيفتح مزيد من البحث حول أسرار منطقة أهرامات الجيزة مرة أخرى؟ سيبقى هذا السؤال معلقًا في انتظار المزيد من الاكتشافات الأثرية القادمة.