كعادة مدينة طهطا والتى يطلق عليها قاطنوها «البندر» الازدحام قبل أيام العيد كونها مدينة تجارية شهيرة تقع شمال محافظة سوهاج، وفى منطقة ساحل طهطا كان الأطفال الصغار فى حالة ابتهاج استعدادا لقدوم عيد الأضحي المبارك، من بين هؤلاء الأطفال كانت الطفلة «زمزم» التى لم تكمل عامها السادس تلعب أمام منزلهم الذى يقترب من شريط السكة الحديد.
ضحكات ولعب وفرح من الطفلة وقريناتها فى مثل عمرها، كن يلعبن ويتسابقن فى بهجة وسعادة أمام منزلهن، «زمزم» تلك الطفلة الرقيقة ابنة قاسم السمنودى، كان معروفا عنها مظهرها الحسن، وطيب خلقها مثل والدها.
حل المساء ولم تملأ ضحكات الطفلة «زمزم» الشارع كالمعهود، ولم ترجع إلى منزلها لتناول الطعام كالعادة، ليخرج أبواها ويبحثان عنها ولم يكن لها أثر وكأن الأرض انشقت وابتلعت الفتاة.
حالة من الفزع والرعب الشديد انتابت المنطقة عقب اختفاء الطفلة «زمزم قاسم» فى ظروف غامضة، تبدلت معها أرجاء المدينة التجارية والتى تجمع على إثرها الأهالى من كل حدب وصوب لمساعدة الجيران الذين اختفت طفلتهم الصغرى للتو، لتبدأ رحلة البحث للوصول لطرف خيط يقودهم نحو كشف لغز الدقائق والساعات التى مرت على غياب صاحبة الـ 6 سنوات، فلا حديث ولا أمر يشغل بال الجميع هنا سوى العثور عليها وإعادتها لأحضان أسرتها، قلق ورعب وخوف فالكل منتظر ما ستعلن عن الساعات القادمة من مفاجآت فى مسلسل البحث عن الطفلة الغائبة.
إلا تلك السيدة جارتهم صاحبة «نصبة الشاى» والمتواجدة معهم للبحث عنها، فهى الشخص الوحيد الذى يعلم ما سيدور فى أحداث الحلقة الأخيرة، عقب الكشف عن جريمتها، وهو ما ستعلنه كواليس الواقعة فى أحداثها التالية.
على الفور توجه قاسم محمود أبو العلمين السمنودى 36 سنة، والد الطفلة زمزم، إلى ديوان قسم شرطة طهطا وأبلغ الرائد محمد حسان رئيس مباحث القسم، باختفاء ابنته البالغة من العمر 6 سنوات، وذلك فى الرابع عشر من يونيو، وقام بالإدلاء بأوصافها والملابس التى ترتديها، وقدم صورة ضوئية لها، ولم يتهم أحدا بأنه وراء اختفائها، وتحرر المحضر رقم 1709 لسنة 2023 إدارى قسم شرطة طهطا
خلية نحل.. هكذا كان يبدو الأمر فى ديوان قسم شرطة طهطا، لما شكلته الواقعة من خطورة على الأمن العام، فبعد عرض الواقعة على اللواء محمدد شرباس مدير أمن سوهاج أصدر تعليماته بسرعة تشكيل فريق بحث يضم ضباط الأمن العام وضباط إدارة المباحث الجنائية وضباط وحدة مباحث قسم شرطة طهطا وكشف غموض الواقعة والتوصل إلى الأسباب الحقيقة لاختفاء الطفلة.
على الفور تم تشكيل فريق البحث، وتبين من خلال التحريات الأولية أن الطفلة المختفية تدعى زمزم وتبلغ من العمر 6 سنوات، وأنها تغيبت عن منزلها بتاريخ 14 يونيو، وبمناقشة أهليتها لم يتهموا أحدا بأنه وراء اختفائها، وأقروا أنهم لم يتلقوا أى اتصالات لطلب فدية، وليس لديهم خصومات أو عداءات مع أحد، وأن آخر مشاهدة للطفلة كان أثناء قيامها باللهو فى الشارع.
خطة بحثية محكمة تم وضعها لكشف ملابسات اختفاء الطفلة، حيث جرى استخدام التكنولوجيا الحديثة فى عملية البحث، وتم تفريغ كافة الكاميرات المحيطة بمحل سكن الطفلة وبالشوارع المجاورة، إلا أنه لايوجد أثر للطفلة، الأمر الذى زاد من صعوبة عملية الكشف عن حقيقة اختفائها.
لا كلل ولا ملل فريق البحث الذى ضم أكفأ ضباط مباحث سوهاج فى سيرهم نحو كشف غموض اختفاء زمزم، فتم تكثيف جودة التحرى، وفحص كافة الجيران والمشتبه بهم وسماع أقوال أصحاب المحلات.
أثناء السير فى خطة البحث والتحرى عن الطفلة، وردت إشارة لقسم شرطة طهطا من مديرية أمن أسيوط تفيد عثور عمال الحى بدائرة قسم أول أسيوط بعثورهم على جثة طفلة تشبه زمزم داخل جوال وذلك أثناء قيام عمال الحى بتنظيف خزان أسيوط بالكراكات، على الفور توجه ضباط مباحث طهطا إلى مستشفى أسيوط وبصحبتهم والد الفتاة، لكى يتعرفوا على تلك الطفلة هل هى ابنته أم لا؟
جاءت الفاجعة عندما تعرف والد زمزم على الطفلة التى عثر عليها عمال الحى بأسيوط، وتبين أنها هى ابنته زمزم المختفية.
بتوقيع الكشف المبدئى على المجنى عليها تبين أن بها آثار ضرب على رأسها، ليتضح الأمر قليلا أمام رجال البحث بأن الجريمة بها شبهة جنائية صريحة وأن هناك شخصا ما قد قتل تلك المسكينة.
جهود أمنية مكبرة بذلها ضباط أمن سوهاج فى تحديد وضبط قاتل زمزم، وسعت أجهزة الأمن دائرة الاشتباه، وتم ضبط أحد الأشخاص “مسجل خطر” وحديث الخروج من السجن، ويقيم بجوار منزل الضحية.
بالاستماع إلى أقواله حول الواقعة، تلعثم واختلق فكرة أن أحد تجار الآثار كان يريد خطف الفتاة إلى جبل جهينة الغريبة البلدة المجاورة لهم، لم يقتنع رجال الشرطة بكلام الرجل ولم يثبت عليه أنه القاتل، لكن فطنة وذكاء رجال المباحث وضعوا ذلك الرجل وزوجته وأخته تحت أعين الملاحظة الدقيقة.
باستدعاء والدة زوجة المشتبه به والتي تعمل بائعة شاى على الناصية، وعن سؤالها حول الأقوال المترددة عن اختفاء الطفلة وأنها ذهبت إلى المنزل، رفضت معرفتها بالأمر بشدة، وأن أقوالها جاءت متضاربة مع ما قاله زوج ابنتها.
بتطوير جلسات مناقشتها من قبل عدد من قيادات قطاع البحث الجنائى والأمن العام ذوى الخبرة والكفاءة فى المناقشة والتحقيق، وبتضييق الخناق عليها اعترفت بائعة الشاى التى تدعى “ س. م. م. ح" 54 سنة بأنها ارتكبت الواقعة، بمساعددة ابنتها “أ. ر. ج. هـ" 16 عاما المقيمتان بذات المنطقة.
بمواجهتهما بما توصلت إليه التحريات انهارتا أمام فريق البحث، واعترفنا بارتكاب الجريمة، حيث إن الطفلة كانت تقوم باللهو بالشارع والاختباء داخل منزل المتهمتين، وتم نهرها أكثر من مرة إلا أنها استمرت فى عملية اللعب والاختباء، فقامت الأولى بدفعها، ما نتج عنه سقوطها على الأرض، وقامت بالتعدى عليها باستخدام قطعة خشبية على رأسها ”مفراك خشبى غليظ".
وعقب ذلك قامت ابنتها بمساعدتها لنقلها لأعلى سطح المنزل، وقامت بإشعال النيران بفرن الخبيز البلدى تمهيدا لحرقها والتخلص منها، ولكنها بعدما أشعلت النيران فى الفرن، خشيت أن يفتضح أمرهما، بسبب ظهور الرائحة وانبعاثات الدخان، فقررتا التخلص من الطفلة بوضعها داخل جوال، وتم إلقاء الجوال بترعة نجع حمادى عند كوبرى الكشاكى، ومع اندفاع التيار وصلت الجثة إلى ترعة نجع حمادى على حدود محافظة أسيوط، وهناك عثر عليها رجال الحى وتم استخراجها.
وأضافت التحريات أن المتهمة بعد ارتكابها الجريمة أخذت تبحث عن المجنى عليها رفقة أسرتها، لإبعاد الشبهة عنها.
تم نقل الجثة إلى مشرحة مستشفى طهطا العام، وتم التحفظ عليها تحت تصرف النيابة العامة، وتم انتداب الطب الشرعى لبيان الصفة التشريحية للجثة، والتصريح بدفنها عقب اتخاذ كافة الاجراءات القانونية اللازمة، وتحرر عن ذلك المحضر اللازم رقم 1709 لسنة 2023 إدارى قسم شرطة طهطا، وبالعرض على النيابة العامة قررت حبس المتهة ونجلتها على ذمة التحقيقات.