الدكتور محمد عفيفي:
يجب عودة الاعتبار لإبراهيم باشا مؤسس الجيش المصرى.. وأخذت اسم روايتى من الكلمات المكتوبة أسفل تمثاله
أحمد عرابى هو أول قائد مصرى للجيش
الأزمة الحقيقبة للروائى الذى يتناول حدثا تاريخيا أنه يتصور نفسه مؤرخا
روايتى «سلامًا على إبراهيم» استغرقت عامًا ونصف فى كتابتها
كنت شغوفًا بالكتابة الروائية.. والحلم قد تحقق مع «إبراهيم باشا»
كتابتى للرواية أتت من فكرة توسيع دائرة الكتابة فى الثقافة التاريخية
الرواية التاريخية مهمتها الحديث عن المسكوت عنه فى التاريخ
استطاع الدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، أن ينقل خبراته العلمية والأكاديمية من خلال مؤلفاته التى عكست التنوع الثقافى والثراء المعلوماتى فى مجال التاريخ، فقد حصل على رسالة الدكتوراه من خلال دراسته عن أقباط مصر فى العصر العثمانى، وقبلها رسالته للماجستير عن الأوقاف فى العصر العثمانى، ما جعله من أهم المؤرخين فى العصر الحالى.
صدر له مؤخرا رواية «سلاما على إبراهيم» والتى تناول فيها حياة قائد ومؤسس الجيش المصرى إبراهيم باشا بن محمد على باشا حاكم مصر، والذى يحاول من خلالها رد الاعتبار لهذا القائد والمؤسس العظيم للجيش المصرى.
وخلال حواره مع «البوابة» يكشف المؤرخ محمد عفيفى الكثير عن أجواء الرواية وعن رحلة إبراهيم باشا فى تأسيس الجيش المصرى، وكيف غير من الحياة السياسية والاجتماعية من خلال تعميق أواصر الانتماء الوطنى.
** حدثنا عن بداية تكوين الجيش المصرى خلال عصر محمد على باشا؟
فترة حكم محمد على بدأت فى عام 1805 واستمرت 1848، وهى الفترة التى نطلق عليها كمؤرخين بأنها فترة نشأة الدولة الحديثة فى مصر، لأن محمد على كان واليًا عثمانيًا على مصر، لكنه أتى بدعم من المصريين، وحاول خلال فترة حكمه عمل مؤسسات الدولة والتى كان من أهمها الجيش، جيش حديث بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وليس الجيش المنقصم على نفسه، والذى كان يضم مجموعات مختلفة ومتنافرة، كما كان فى فترة العصور الوسطى، وحتى مجيء الحملة الفرنسية، فأراد تكوين جيش حديث.
وبالفعل استطاع تكوين هذا الجيش الحديث، كما أنه نجح أيضا فى إدخال النظام التجنيد لأول مرة للمصريين، ومن هنا بدأ الجيش المصرى فى مرحلة جديدة وهى دخول أبناء الفلاحين للجيش، وكانت البدايات فى بادئ الأمر صعبة، لكنها أتت ثمارها فيما بعد، ما جعل هناك ارتباط بين الفلاحين الذين أصبحوا جنودا فى الجيش المصرى، وأن هذا الجيش جزء من بلدهم وأنهم هم من يدافعون عن الوطن ومقدراته، إذ أتاح الجيش لأولاد الفلاحين فرصة إلى الترقى إلى رتب الضباط.
ففى راوية «سلاما على إبراهيم» والتى صدرت حديثا عن دار الشروق، سنجد إبراهيم باشا هو قائد الجيش المصرى، وهو من قاد الجيش، مثلما هو موجود على قاعدة تمثال إبراهيم باشا بميدان الأوبرا، والذى لا أعلم لماذا تغير اسم الميدان بعد ثورة 1952 ميدان إبراهيم باشا.
وفى الحقيقة أتمنى عودة الاسم مرة أخرى لميدان «إبراهيم باشا»، لأنه هو مؤسس وقائد الجيش المصرى وهو من كان يقول للجنود المصريين «يا أولادى» وكان يعسكر ويبيت معهم على الأرض وهم فى ميدان الحرب، وهو من طلب من أبيه محمد على باشا ترقية الجنود المصريين إلى رتب أعلى وإلى رتب الضباط، وهو ما رفضه محمد على باشا وقتها، وكان مبرره أن أول واحد يتم ترقيته منهم من الممكن أن ينقلب على أسرتنا، وهو ما حدث مع أحمد عرابى فيما بعد، فكان أحمد عرابى جندىا فى الجيش ثم تم ترقيته فى عهد إسماعيل إلى رتب الضباط ثم إلى قائد الجيش، وبعدها قامت الثورة العرابية.
ففى الحقيقة كان دخول المصريين إلى الجيش كان عاملا رئيسا فى نمو الروح القومية المصرية وإحساس المصريين بأن يدافعوا عن بلدهم ووطنهم.
نعود مرة أخرى لتمثال إبراهيم باشا، والذى أكرر مرة أخرى تمنياتى بأن يعود هذا الميدان ليحمل اسمه مرة أخرى، فالتمثال مكتوب على قاعدته «سلاما على إبراهيم» وهذه العبارة التى أخذتها عنوانا للرواية، فقد قاد جيشه من نصر إلى نصر، وهذا حقيقى لأن إبراهيم باشا استطاع تكوين جيش مصرى قوى وقاد جنوده فى حروب كثيرة وبلدان كثيرة ومنها بلاد اليونان والشام وفى السودان وفى شبه الجزيرة العربية، وهو قائد الجيش الذى لم يهزم أبدا، وفى الإسكندرية هناك مكان باسم «القائد إبراهيم».
** من أين أتت فكرة الرواية.. وهل تخوفت من كونك مؤرخا وأكاديميا فى أن تكتب رواية وتخوض تجربة عالم الأدب؟
فكرة كتابة الرواية أتت من حبى للأدب، ومنذ أكثر من 25 عاما كنت أريد أن أكتب روايات وسيناريوهات أفلام، الأمر الثانى أن الفكرة أتت من فكرة توسيع دائرة الكتابة فى الثقافة التاريخية، بحيث إن الرواية ستنقل الثقافة التاريخية لجمهور أوسع لاسيما فئة الشباب، وبالتالى ستقرب وتحبب الشباب والجمهور فى التاريخ، ويبدأون فى رحلة قراءة الكتب التاريخية، فالرواية والدراما التاريخية وسيلة لتوسيع دائرة الثقافة التاريخية، ودفع القراء والمشاهدين إلى الأعمال الدرامية إلى حب التاريخ وقراءة كتب التاريخ والتى كانت تعانى العزوف عنها خلال الفترات الماضية، والرواية التاريخية والأعمال الدرامية التاريخية ممكن يوسع تلك الدائرة ويقوم بهذا العمل.
** هناك ظاهرة جديدة فى عالم الأدب وهى الرواية التاريخية.. لماذا اخترت الجيش المصرى أو الحديث عن إبراهيم باشا كمدخل للرواية؟
الرواية دائما ما تسمح بمسألة تعددية الأصوات، ومن الممكن وضع أصوات والوان مختلفة، وهو ما يساعد على سهولة القراءة وتوسيع دائرة القراءة، ففى رواية «سلاما على إبراهيم» سنجد كيف كان إبراهيم باشا يتعامل مع جنوده، وكيف كان يتحدث معهم خاصة وأنه كان يجيد التحدث باللغة العربية على خلاف والده محمد على باشا والذى كان يتحدث اللغة التركية، فنجد كيف كان يهتم بجنوده، وأيضا كيف نجح فى إحراز انتصارات فى جيوشه.
فى الرواية أيضا نعرض كيف فشل الملك فاروق فى قيادة جيشه حينما خاض حرب 48 فى فلسطين ولهذا قام الجيش بثورة عليه وهى ثورة 1952، وهنا نجد مقارنة بين البطل الفاتح المؤسس للجيش المصرى وهو إبراهيم باشا، وبين فاروق الذى لم يعرف أن يقود جيشه إلى النصر، ولهذا صار الجيش المصرى عليه.
** ما المدة التى استغرقتها فى كتابة الرواية.. وما هى المصادر التى لجأت إليها؟
استغرقت فى كتابة الرواية عاما ونصف، أما عن المراجع، فأنا مؤرخ وبالطبع أغلب الكتب التاريخية موجوده فى مكتبى، وكان المهم بالنسبة لى أن الرواية التاريخية ليس فقط أن تقل معلومة تاريخية للقارئ، وإلا تتحول لكتاب تاريخ، وكتاب تاريخ ممل، ولكن كان المهم لدى أن أتحدث عن البطل التاريخى كإنسان، وإظهار الجانب الخفى فى حياته.
كما أن الرواية التاريخية مهمتها فى الحقيقة الحديث عن المسكوت عنه فى التاريخ أو الذى تم تهميشه، أو ما تم تهميشه أو تم ذكره على عجل دون التحدث عنه بشكل موسع، فالحديث عن البطل التاريخى كإنسان، وثانيا الحديث عن المسكوت عنه هذا أمر هام، وما تم تهميشه أيا مهم، وهذا فى الحقيقة مادة خصبة فى الرواية التاريخية ومشوقة أيضا للقارئ.
فى الحقيقة أن الرواية التاريخية ليست مهمتها أن تقدم للقارئ معلومة تاريخية، وإنما هى تثير خياله لفترة تاريخية معينة أو لشخصية معينة وتدفعه للتفكير، وتدفعه للقراءة، فليس وظيفتها أن تلقن القارئ معلومة تاريخية فقط، ففى الحقيقة هذا شكل تقليدى جدا، ولا يثير خيال القارئ، ولا يشركه فى العملية الإبداعية، وهنا تتحول الرواية لكتاب تاريخى مدرسى تلقنه معلومة تاريخية.
وفى نفس الوقت – تقوم الرواية بتعريف القارئ أن هناك أكثر من وجه للحقيقة، وأكثر من سردية للحقيقة، حتى لا تبق العقلية مغلقة على الأبيض والأسود، ولهذا استخدمت فى الرواية الأبيض والأسود ومساحات كثيرة رمادية، وهذا ما أقصده بأن القارئ يجب ألا يصدق الرواية التاريخية، وأنه ليس مجبرا على أن يحفظها أو يصدقها، بل، يجب أن يتفاعل معها، ويفكر فيها ويأخذ منها ويرد عليها، فالرواية التاريخية التى تتصور أنها تقوم بحشو ذهن القارئ بالمعلومات التاريخية فى قالب أدبى هذه ليست مهمتها فى الحقيقة.
** كيف ترى الأعمال الروائية التى تتشابك مع التاريخ فى الوقت الراهن أو تتفاعل معه أو تتحدث عن أحداث تاريخية بعينها؟
هناك البعض ممن يطلقون على أنفسهم كتابا للرواية التاريخية، أو يتناولون بعض الأحداث التاريخية، يقومون بذكر بعض التفاصيل التى لا تهم القارئ، والتى قد يبدو أنها معلومات غير ضرورية أو يتم إقحامها داخل العمل الروائى دون الحاجة، وهى مجرد معلومات يتم ذكرها بالرواية، فليست مهمة الرواية تقديم معلومات تاريخية، وهو ما أراه أن الكاتب ربما يجلس القارئ كالتلميذ الذين يتلقون دروسا فى التاريخ، وهو ما ليس له علاقه بالعمل الروائى.
الرواية التاريخية ليست مهمتها هى تلقين القارئ بالمعلومات التاريخية فى شكل أدبى، وإلا ستتحول إلى كتاب تاريخ، وإن كان الأمر يتعلق بالتاريخ فكتب التاريخ متواجدة فى كل مكان.
الرواية التاريخية مهمتها هى إثارة ذهن القارئ إلى محاولة فهم التاريخ، وليس مهمتها التلقين، وهو ما نطلق عليه الرواية التاريخية الموجهة، وهنا الأديب يقع فى إشكالية أنه يتصور بأنه أصبح مؤرخا، وأكثر ما يثير دهشتى حينما أرى بعض الأعمال الروائية التى تنتهى بقائمة مراجع ومصادر.
** حدثنا عن الجيش قديمًا وحديثًا.. وعن التحولات التى طرأت عليه؟
كما ذكرنا من قبل أن محمد على وإبراهيم باشا هم من أسسوا الجيش المصرى الحديث، وأصبح الجيش المصرى واحدا من أقوى الجيوش فى منطقة البحر الأبيض المتوسط وفى المنطقة العربية، ثم تطور بشكل كبير مع ترقية الجيوش المصريين إلى رتب الضباط والقادة، وظهور أحمد عرابى ولأول مرة يصبح قائد الجيش المصرى مصريا، ولكن مع فشل الثورة العرابية أول أمر قامت به قوات الاحتلال البريطانى هو تخفيض عدد الجيش المصرى، وعدم تسليحه، بحيث يصبح الجيش مجرد قوة رمزية فقط، وأن الدفاع عن مصر يتم اعتماده للجيش البريطانى، وهذا ما يظهر خوف المحتل من قوة الجيش المصرى، ولهذا عمدت بريطانيا على إضعافه وجعله قوة رمزية، ويستمر هذا الوضع حتى معاهدة 36، والتى سمحت للحكومة المصرية فى توسيع قاعدة الجيش المصرى، وبدأ دخول الضباط ومنهم عبد الناصر والسادات ومعظم أعضاء الضباط الأحرار.
وهنا بدأت إشكالية أخرى وهى الضغط البريطانى والغربى فى قضية التسليح للجيش، لاسيما وأن الجيوش يكون قوامها ليس فقط الأعداد وإنما يتطلب أيضا التدريب والتسليح، ومن هنا بريطانيا كانت بخيلة على تقديم التسليح لمصر، وهذا كان جزء وسبب رئيسى فى هزيمة 48، فالجيوش العربية كلها بما فيها الجيش المصرى.
وهنا كانت المهمة الرئيسة للجيش المصرى وهى كسر احتكار السلاح، وهو ما قام به عبد الناصر فى صفقة الأسلحة التشيكية عام 55، فالتسليح أمر هام جدا، ولهذا بعد انتصار 73 كان هناك مشروع هام لكنه للأسف لم يتم، حيث تم إنشاء هيئة التصنيع العربية الحربية وكان مشروع مشترك بين مصر وعدة دول عربية، وتم إنشاء المصانع العربية الحربية لإنتاج السلاح بحيث إن العرب يكون لديهم سلاح، لكن للأسف اتفاقية كامب ديفيد العرب خرجوا من هيئة التصنيع والإنتاج الحربى وأصبحت مصرية فقط، ولهذا أتمنى عودة الهيئة مرة أخرى.
تتلمذ الدكتور محمد عفيفى على يد كبار الأساتذة، مثل رؤوف عباس، ويونان لبيب، والفرنسى أندريه ريمون.
واستطاع «عفيفى» أن ينقل خبراته المتعددة فى مجال التاريخ إلى العالم، حيث عمل باحثا فى المعهد الفرنسى للآثار، وفى المعهد الفرنسى للدراسات الاجتماعية والاقتصادية، واستمر فى العمل بعزيمة وإصرار، ليخرج إلى العالم بكتابات تاريخية قيمة تجاوزت الأسلوب التقليدى للكتابات التاريخية المعتاد، حيث استطاع، من خلال دراساته وكتاباته، أن يتناول زوايا وموضوعات فريدة من نوعها، والتى أسهمت فى تغيير الصورة الذهنية لدى الناس عن المؤرخين، ليصبح أحد أعلام كتابة التاريخ الاجتماعى.
كا استطاع أن يحافظ على مسيرته العلمية المشرفة، من خلال مؤلفاته التى عكست تنوع وثراء الموضوعات التاريخية التى تناولها وأسلوبه الشيق وشغفه بتاريخ المدن والناس.