يعد الراحل نصر حامد أبو زيد الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده واحد من أبرز المفكرين التنويريين فى مصر والعالم العربى خلال القرن الحادى والعشرين، وصاحب المشروع المهم فى تجديد الفكر والخطاب الدينى، فترك إرثا كبيرا من المعرفة، الكثير من الأبحاث والكتب المهمة لفهم تراثنا.
ويقول الكاتب الكاتب الراحل نصر حامد أبو زيد في كتابه نقد الخطاب الديني: إنه ومنذ اللحظات الأولى في التاريخ الإسلامي وخلال فترة نزول الوحي وتشكل النصوص كان هناك ثمة إدراك مستقر أن النصوص الدينية مجالات فعالياتها الخاصة، وثمة مجالات أخرى تخضع لفعالية العقل البشري والخبرة الإنسانية، ولا تتعلق بها فعالية النصوص، وكان المسلمون الأوائل كثيرا ما يسألون إزاء موقف بعينه ما إذا كان تصرف النبي محكوما بالوحي أم محكوما بالخبرة والعقل، وكثيرا أيضا ما كانوا يختلفون معه ويقترحون تصرفا آخر إذا كان المجال من مجالات العقل والخبرة والأمثلة في ذلك كثير، إلا أنه وبالرغم من ذلك يمضي الخطاب الديني في فعالية النصوص الدينية إلى كل المجالات متجاهلا كل تلك الفروق التي صيغت في مبدأ "أنتم أعلم بشئون دينكم".
ويبين أبو زيد أن الخطاب الديني لا يكتفي بذلك بل يوحد بطريقة آلية بين هذه النصوص وبين قراءته وفهمه لها، وبهذا التوحيد لا يقوم الخطاب الديني بإلغاء المسافة المعرفية بين الذات والموضوع فقط، بل يتجاوز كل الشروط والعوائق الوجودية والمعرفية والوصول إلى القصد الإلهي الكامن في هذه النصوص، وفي هذا الادعاء الخطير لا يدرك الخطاب الديني المعاصر أنه يدخل منطقة شائكة هي منطقة الحديث بـ "باسم الله"، وهي المنطقة التي تحاشى الخطاب الإسلامي على طول تاريخه عدا استثناءات قليلة لا يعتد بها، ومن العجيب أن الخطاب الديني المعاصر يعيب هذا المسلك ويندد به في حديثه.
ويشير أبو زيد في هذا الإطار إلى أن هذه الآلية تتداخل مع آليات أخرى ويشتبك بها فآلية اليقين الذهني والحسم الفكري مثلا يمكن أن تعد احدى نتائجها وإن كان هذا لا ينفي استقلالها، بوصفها احدى آليات الخطاب، أما آلية إهدار البعد التاريخي فهي تعد في جانب منها جزء من بنية آلية التوحيد بين الفكر والدين، وذلك أن التوحيد بين الفهم والنص فالأول يقع في الحاضر والثاني يقع في الماضي، ولا بد أن يعتمد على إهدار البعد التاريخي، والخطاب الديني يدور في هذا كله وكأنه يصدر عن مسلمات لا تقبل النقاش أو الجدل، فالجميع يتحدثون عن الإسلام بألف ولام العهد دون أن يخامر أحدهم أدنى تردد، ويدرك أنه يطرح في الحقيقة فهمه هو للإسلام الذي كثيرا ما ما تضاف له صفة "الصحيح" فصلا له عن "الزائف" الذي يمثل اجتهادا آخر، ولا يشغلنا الاجتهاد بقدر ما يشغلنا الكشف عن ذلك الاقتناع بامتلاك الحقيقة في الخطاب الديني، وهو الاقتناع الذي جعله يتخلى كثير من فضائل الخطاب السلفي.