الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مصر من أين.. إلى أين؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

دعونا نتفق أننا لسنا بصدد الدفاع عن أشخاص ولسنا في خندق مع أحد، وليس لدينا رغبة في إقرار وجهة نظر بعينها، لكن لنفكر سويا ونجيب على كل الأسئلة بمنطق الأشياء الطبيعي لتقييم اللحظة الراهنة بإنصاف دون مغالاة في حب أو كره.

حقيق علينا قبل أن نسأل مصر إلى أين؟ نسأل مصر من أين؟ لنأت الطريق من بدايته لتضح معالمه لتلك الأجيال التي عاشت أكثر من 10 سنوات في تشتت فكري وثقافي وسياسي.

عن أي مصر تسألون؟

كان هذا هو السؤال الذي وجهه الاستعمار البريطاني لزعماء مصر بعد سقوط الخلافة العثمانية، حينما سألوا عن مصير مصر؟ كان سؤالا استنكاريا وكانت الإجابة كذلك أتقصدون أن تظلوا تابعين لخلافة سقطت أم تقصدون مصر تحت الحماية البريطانية؟ وكانت إجابة زعماء مصر آنذاك، بل نقصد مصر، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن الهوية المصرية أو إن شئت قل "عودة الروح".

ثورة 1952

لنتفق أنه ليس هناك اكتمال لحلم فلا بد أن يشوبه النقصان ليستمر السعي نحو الأفضل ما دامت الحياة باقية ونحن إذ نقارن بين ما كان وما سيكون علينا الوقوف على حقيقة ما نحققه في يومنا، بعد لقاء الزعماء المصريين بالاحتلال تجمع عزم المصريين على إيجاد سبيلا لتحقيق الإجابة الصعبة وهو أن تخرج مصر من تحت عباءة التبعية أيا ما كانت، وكان الاحتلال يبحث عن أداة تحكم تناظر الخلافة التابعة تتحكم من خلالها في مستعمراتها بالشرق وكان البديل الأمثل هو إنشاء تنظيم قوي في هذه الدول موالي لها يتلقى أوامره منها ويتحكم في مجريات الأمور فكانت جماعة الإخوان المسلمين، لكن الحراك الشعبي والثقافي والسياسي حال دون ذلك ولم تكن هناك قوة تستطيع ضرب هذا المخطط سوى الجيش وضباطه الأحرار الذين تبنوا مشروع نهضوي لم يكتمل لأسباب عديدة لكنه حقق نجاحات التف حولها جموع الشعب، كانت نكسة 67 انكسارا لهذا الحلم لكن الروح التي اكتسبها المصريون جعلتهم يتخطون الهزيمة العسكرية، لكنهم فقدوا البوصلة السياسية والثقافية فعاد مؤشر صعود التيار الإسلامي إلى الحد الذي تم فيه اغتيال رئيس الجمهورية بعد انتقال مصر من حضن المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي الذي أنشأ وأعد وجهز جماعة الإخوان لتكون حليفا لها فخرجت من تحت الأرض كتنظيم سري لتظهر في الحياة السياسية بقوة.

عنوان بلا محتوى

كانت الأوضاع في الشرق الأوسط ووفقا للمصالح الغربية قرابة الثلاثين عاما تؤجل انقضاض تلك الجماعة على الحكم.. حالة الجمود التي عاشتها دول المنطقة ومن بينها مصر بدت في الظاهر أوقات استقرار لكن في باطنها كانت تجريف للحياة الثقافية والسياسية وفقدان لبوصلة الهوية وتمزيق المجتمع استغلتها الجماعة في الانتشار بين الطبقات الأكثر فقرا والأقل تعليما حتى أسست قاعدة شعبية قائمة على شعور زائف باسم التعاطف الديني، استغلت فيه حاجة الناس في غياب شبه تام لأجهزة الدولة، شارك المجتمع بأكمله في بناء تبعية جديدة لمستعمر آخر خفي اسمه الفساد تسلل إلى كل مفاصل الدولة فباتت مصر عنوانا تاريخيا بلا محتوى..ولأن الروح المصرية أقوى من التلاشي مهما كانت الظروف خرج الشعب مرة أخرى يبحث عن إجابة للسؤال الأبدي حول الهوية المصرية ولأنه لم تكن هناك قاعدة راسخة للحلم ولا بديلا يحمل على كاهله هذا الحلم انقض الإخوان على الحكم واستساغ المصريون الأمر كنوع من التجربة مدفوعا بتلك العاطفة نحو الدين، لكنهم سرعانا ما اكتشفوا أنهم وقعوا في شراك الطائفية والتقسيم فهرعوا إلى الجيش يولونه مسؤولية إدارة البلاد التي كانت نزفت آخر قطرات الدماء في عروقها، لم يكن هينا على المعسكر الغربي خسارة مخططهم مرة أخرى بعد تلك السنوات، فقد كانوا على أهبة الاستعداد لإعلان شهادة وفاة مصر.

في هذه المرة كان الوضع أسوأ بكثير من 52 لا بنية تحتية ولا ظهير ثقافي ولا سياسي ومجتمع شرذمته جماعة الإخوان المسلمين ومعارضة في أغلبها ذات هوى، فكان لابد أن يكون هناك اندفاعا نحو إثبات الذات مع إجبار للشعب على تحمل مسؤولياته التي إن لم يكن له فيها ذنب إلا أنها إرث وتركة بات من الواجب التعامل معها،  بين إرهاب يعث في سيناء وداخل مشتعل وعمالة تعود من الدول العربية دون وجود فرص عمل وجب التضحية وبذل أقصى جهد ممكن وإجراء عمليات جراحية دون النظر إلى نسب الخطورة، فكانت الخطة هي أن نبقى أحياء مهما كانت التكلفة. جيش يعاد تسلحيه ومشروعات تعيد قوام دولة ضربتها العشوائية وتستوعب تلك الأيادي العاملة.. مع الاعتراف التام بأن التطبيق العملي لم يكن مثاليا لكن لم يكن هناك بدائل أفضل أو كما يقال لم يكن في الإمكان أبدع مما كان فالقاهرة ضاقت بسكانها والدلتا تآكلت والطرق ضاعت معالمها وأعمال العنف والتخريب والبناء العشوائي جففت آخر ينابيع الحياة، هذا الوضع الداخلي يطوقه حزام من نار لدول تتساقط كأوراق الشجر في الخريف ومؤمرات تحاك ليلا ونهارا لغلق كل سبيل للنجاة، وهناك مؤسسة واحدة تصارع الموت بحثا عن الحياة فتقدم شهداء في حرب شاملة قادرة على سحق جبالا ثم ننجو ونحقق الأمن وننهض رويدا من لحود الفناء غير مكبلين بأصفاد هزيمة عسكرية أو إذلا لتبعية دولية أو لفاشية دينية ونشكو من ضيق في العيش وهذا وارد ما دمنا قد أصبحنا أحياء، لكن بقليل من الإنصاف أننا تخطينا أصعب الصعاب وأننا لم ننهزم ولم ننكسر ولم ننقسم إلى دويلات، بات لنا بيتا نختلف ونتعارض فيه على طريقة إدارته وننشد الأفضل فيه ونخطط معا لمستقبل لأبنائنا ونتصدى جميعا لمحاولة هدمه بوعي تام بأننا جميعا دفعنا ثمن إعادة البناء دون تخوين وتشكيك.. ونتفق على أننا جميعا نحب مصر وإن تعددت مذاهب العشق.