يردد البعض في الشارع المصري: " كان أولى علي السيسي بدل ما هو مهتم بالطرق والكباري أن يهتم بالصناعة والزراعة ".. "ويتساءلون هل مصر فعلًا أهملت ملف الزراعة والغذاء؛ وبسببه ندفع اليوم ثمن الإهمال خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية ؟.
عندما تعلم إجابة هذا السؤال ستعلم مدي التلاعب بعقلك ووقوعك تحت سيطرة إعلام موجه يعمل بهدف المؤامرة على البلد وترينداته.الحقيقة أن السيسي من أول يوم جاء فيه وهو عنده هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء.. هل ذلك مجرد هدف وحلم؟؛ طبعا لا ولكن خطة تنفذ علي أرض الواقع وجزء كبير منها يجري بالفعل.
خطة إنتاج الغذاء مكونة من ثلاث محاور: المحور الأول هو استصلاح الأراضي وسبق لنا الحديث في هذا في ذات السياق، وأول عائق أمام زيادة أسعار الغذاء والزراعة وهو الفقر المائي.
وانطلقت مصر باستثمارات تصل إلى ترليون جنية لتوفير أكثر من ٢٥ % من حصة مصر النيلية من خلال إنشاء عشرات المحطات لتحلية مياه البحر أو معالجة الصرف الصحي والزراعي بالإضافة الي تحديث وتطوير أنظمة الري لتخفيض الهدر وتبطين الترع وهو المشروع الأضخم من نوعه في العالم. وتأتي المرحلة الثانية من مشاريع انتاج الغذاء نفسه بعد توفير المياه بشكل المطلوب فكانت النتائج، البدء في أضخم ٤ مشاريع في تاريخ مصر ويمكن في العالم كله بهدف استصلاح 4 مليون فدان حتي عام ٢٠٢٦ يعني تقريبا نصف مساحة مصر المنزرعة البالغة ٩ مليون فدان، والسؤال أين تقع تلك المشاريع وما الذي انتهى منها وما أسباب عدم تأثيرها بخفض أسعار الغذاء؟.. والإجابة تحتاج إلى تركيز ووعي.
المشروع الأول هو إحياء مشروع توشكا الجديد ويستهدف زراعة مليون فدان وتم بالفعل زراعة ربع مليون فدان معظم مزروع بالقمح، المشروع ليس مجرد استصلاح أراضي زراعية لكن هو مجمع متكامل لإنتاج القمح يضم معمل ومصنع لإنتاج البزور والسماد ومركز أبحاث لمراقبة جودة الإنتاج وتحسين شبكات نقل ومعدات حديثة للزراعة والنقل والتخزين.
المشروع الثاني مشروع المليون والنصف مليون فدان يشمل استصلاح أماكن متفرقة على مستوي الجمهورية بين الصعيد وسيناء والدلتا وجنوب الوادي وشرق العوينات. والمشروع الثالث هو مشروع الدلتا الجديدة وهو يستهدف زراعة ٢ مليون فدان على الساحل الشمالي الغربي في محافظات البحيرة الإسكندرية وعند إتمامه سيضيف ١٥ % من المساحة المزروعة لمصر ويضم أكبر نهر صناعي في العالم للري وأكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الزراعي في العالم.
ومحطة رفع مياه لتغذية النهر الذي يتراوح طولة ١٧٤ كيلو متر بالمياه الكافية لزراعة ٢ مليون فدان المشروع يتم بجواره تنفيذ مشروعات تصنيع غذائي لرفع القيمة المضافة للمشروع وأكبر مصنع لإنتاج البطاطس النصف مقلية في العالم.
المشروع الرابع مشروع ١٠٠ الف صوبة وكما هو واضح من اسمه يستهدف زراعة ١٠٠ آلف صوبة زراعية في سبع مناطق مخصصة للخضار والفاكهة منها الأكبر على مستوى العالم مثل مشروع صوب الساحل الشمالي الذي يبلغ ٢٠ ألف صوبة.
المحور الثاني هو الإنتاج السمكي والحيواني، حيث توسعت مصر في إنتاج السمك من خلال مستويين الأول الصيد والثاني الاستزراع. وبالنسبة للصيد مصر بدأت مشروع اسمه إحياء أسطول الصيد المصري في المياه العميقة سواء في البحر المتوسط أو الأحمر عن طريق إطلاق ١٠٠ مركب صيد كمرحلة أولى مجهزة بأحدث وسائل الصيد والتجهيز والحفظ تبني في الشركات المحلية كي تزود خبراتها في بناء السفن وتعطي لتلك الصناعة دفعة في مصر.
أما بالنسبة للاستزراع السمكي طبعا كانت البداية بأكبر مزرعة لزراعة السمك بالشرق الأوسط بِركة أو بحيرة غليون بمركز مطوبس في شمال محافظة كفر الشيخ بشراكة مصرية صينية فالمرحلة الأولى فيها مقامة علي مساحة ٤ آلاف فدان بتوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة ١٥ ألف عامل وتنتج ٣ ،٣ مليون طن من الأسماك والجمبري وهو مجمع متكامل.
المشروع الثاني هو مشروع الفيروز بشرق التفريعة بمحافظة بور سعيد مقام على مساحة ٢٦ ألف فدان تقريبًا يتكون من ٦ آلاف حوض بالإضافة إلى مشروعات أخرى مثل مزرعة سمكية بمثلث الديبه غرب بور سعيد ومشروع الاستزراع السمكي شرق القناه.
وأخيرًا استزراع التونة الزرقاء بمنطقة جرجوب بغرب مرسى مطروح..ومجموع تلك المشروعات رفعت الزيادة في الإنتاج من 40 % إلي 85% في عام 2022. واحتلت مصر المركز الأول في الشرق الأوسط وأفريقيا في إنتاج الأسماك والسادسة عالميًا.
أما بالنسبة للإنتاج الحيواني فهناك مستويين، الأول تشييد مجمعات ضخمة وأهمها مجمع الإنتاج الحيواني المتكامل بالفيوم على مساحة حوالي 500 فدان بطاقه استيعابية 100 ألف رأس وهو مجمع متكامل يحتوي على مصانع إعداد الأعلاف واللحوم وتعبئتها وتخزينها ومجمع لإنتاج الألبان ومجازر آلية.
المستوى الثاني مبادرات دعم صغار المزارعين لتشجيعهم على التربية مثل المشروع القومي للبتلو الذي كان تكلفته حوالي مليار جنيه لدعم المزارعين علي التربية وزيادة إنتاج اللحوم والألبان واستفاد منه حوالي 42 ألف مواطن أتجه للتربية والتسمين في أكثر من نصف مليون رأس.
المحور الثالث: هو رفع قدرات مصر على تخزين الغذاء، سواء الحبوب أو السلع الاستراتيجية وبالنسبة للحبوب وخصوصًا القمح وكان المشروع القومي للصوامع وفيه حولت شون القمح القديمة إلى صوامع إلكترونية لتطوير حفظ الحبوب وفي نفس الوقت تقلل المهدر فيها الذي كان يصل إلى 25% وبذلك رفعت مصر القدرات التخزينية للصوامع من 2 /1 مليون طن في عام 2014 إلى 3/6 مليون طن مما زود السعة التخزينية من ثلاثة أشهر إلى تسعة أشهر والمشروع مازال مستمر وجاري تنفيذ 60 صومعة جديدة خصوصًا بجانب المناطق الزراعية الجديدة في المشاريع الأربعة المشار إليها.
أما النصف الثاني هو التوسع في المخازن الاستراتيجية لتخزين السلع الأساسية مثل الزيت والسكر والمكرونة وخلافة وتم البدء في 2023 بهدف إنشاء 7 مخازن استراتيجية عملاقة وفق أحدث التكنولوجيا لإدارة تخزين السلع على مستوى الجمهورية لضمان سلامة وجودة المنتجات بجانب تأمين المخزون للسلع علي مدار العام، وأول مخزن تم افتتاحه في السويس خلال يونيو 2023 على مساحة 10 افدنه وبحجم استثمارات تقترب من المليون والنصف مليون ويخدم محافظات إقليم السويس في السويس والإسماعيلية وبور سعيد.
وهنا نصل إلى السؤال المهم هل يعقل أن تكون كل تلك المشاريع موجودة وفيه زيادة إنتاج والأسعار زادت في العام المنتهي إلى الضعف في كل المنتجات وأخرى لأكثر من ذلك ؟..ولكي تستوعب هذا التناقض لازم نفرق بين حاجتين مهمين زيادة السعر بسبب نقص المنتج أو قلة المعروض أمام الطلب الزائد؛ وزيادة السعر بسبب زيادة تكلفة الإنتاج لو كل المشاريع والإنتاج قد تم في ظروف عادية من غير الأزمة الاقتصادية العالمية كان كل المنتجات إما أسعارها انخفضت أو على الأقل ثابتة.
واختفاء الشعور بالأسعار مع زيادة الإنتاج، واتصال الإحساس بالزيادة في الأسعار فقط إننا في وضع غير طبيعي والمرور بمرحلة استثنائية فكانت الأزمة العالمية بجائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية والتضخم العالمي جعل سعر تكلفة الإنتاج تزيد في العالم كله ومعظم مشروعات الإنتاج الحيواني والسمكي ما زالت معتمدة علي بعض مدخلاتها مثل الأعلاف من الخارج والذرة وفول الصويا ارتفعت في الأسعار العالمية.
كما أن ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار التشغيل والرواتب نتيجة ارتفاع الدولار أمام الجنية من الأسباب التي خلقت زيادة في التكلفة رفعت اسعار المنتج للمستهلك النهائي.بغض النظر عن كمية انتاجنا منها حتي ولو لدينا منها فائض نصدره ليس له علاقة لأن الزيادة ليس لها علاقة بحجم الإنتاج الأسعار تنخفض بزيادة الإنتاج لو سعر التكلفة ثابت والسعر كان عالي بسبب قلة الإنتاج أمام الطلب، هنا عندما يحدث وفرة في الإنتاج والمعروض مع ثبات التكلفة السعر ينخفض، ولكن في نقطتين مهمين لابد أخذهم في الاعتبار.
الأولي لولا الإجراءات التي فعلت وزيادة الإنتاج التي تمت في الأزمة العالمية كانت مشكلة مصر ليست في سعر المنتج لكن كانت المشكلة في عدم وجودة أصلا ولو تحصلنا عليه كان سعره يصل ثلاث أو اربع أضعاف ثمنه لأن وقتها ستكون الأزمة مزدوجة ارتفاع السعر بسبب زيادة التكلفة بالإضافة لقلة المعروض من المنتج أو السلعة أمام الطلب، يعني ببساطه زيادة الإنتاج هي التي منعت اختفاء المنتجات من الأسواق وهي التي حجمت زيادة سعرها أكثر من الحالي.
النقطة الثانية مع الوقت بسبب وفرة الإنتاج نأمل في التصدير ورجوع الأسعار للانخفاض مرة ثانية مع بدء انفراج الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة الدولار المحلية.. مصر حققت السنة الماضية أرقام تصدير غذاء قياسية تجاوزت 3 مليار دولار ومتوقع وصولها إلى 10 مليار دولار في عام 2026.
في النهاية الواضح والأكيد إننا أمام استراتيجية متكاملة لكي توفر غذاء شعب مصر وبسعر مناسب تخطيط استراتيجي متقن الهدف منه إننا نسبق الأزمات المتوقعة خلال الفترة القادمة، وتلك المشروعات المشار إليها يتم التعتيم عليها من بعض وسائل الإعلام أصحاب الأجندات ويقولوا فين أولوية الإنفاق "وهناكل طرق وكباري "..ولكن الحقيقة عندما تفتح أي ملف ستجد فيه جهد أكثر أو موازي للطرق والكباري لكن الطرق والكباري محل رؤية العين كل يوم ولا يوجد ملف له أولوية عن الآخر وكل الملفات مرتبطة ببعضها.
والأكيد أن مصر مستقبلها واعد لو استمرينا وأحدث دراسة لمؤسسة ستاندرد تشارترد الاقتصادية العالمية صاحبة الشركات والبنوك العملاقة علي مستوي العالم، أن مصر لو استمرت علي النهج التي تسير فيها ستكون من ضمن أكبر عشر اقتصاديات في العالم بحلول 2030.