تمر علينا اليوم الثلاثاء الموافق ٤ شهر يوليو ذكرى انتصار القائد صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين وتحرير بيت المقدس، ولذا نستعرض تفاصيل المعركة.
معركة حطين: هي معركة فاصلة بين الصليبيين والمسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وقعت في يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـجري والموافق 4 يوليو عام1187 ميلادي بالقرب من قرية المجاودة، والتي تقع بين الناصرة وطبريا واسفرت عن انتصار المسلمون،
ووضع فيها الصليبيون أنفسهم في وضع غير مريح إستراتيجيا في داخل طوق من قوات صلاح الدين الأيوبي، وأسفرت عن تحرير مملكة بيت المقدس وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون.
دوافع معركة حطين:
كانت مناطق من البلاد الإسلامية والقدس تحديدا قد احتلت من قبل الصليبيين عام 1099 ميلادي وكان الإقطاعيون الصليبيون والفرسان قد نصبوا أنفسهم أمراء وملوك على تلك المناطق، فكان هذا على مدى قرن دافعًا لتحرير البلاد من الاحتلال، وكانت غارة لصوصية شنها أحد بارونات الإفرنج البارزين، رينو دي شاتيون السبب المباشر لهجوم المسلمين،
و رينو دي شاتيون كان مغامرا وقحا وسبق له أن اجتاح قبرص البيزنطية في عام 1155 ميلاديا وعمل فيها سلبا ونهبا، وكان قد أسر عند نور الدين زنكي قبل 16 سنة، وبعد إخلاء سبيله استقر في حصن الكرك، وعكف على نهب وسلب قوافل التجار المارّة في الجوار، لأن الحصن كان يقطع الطريق من سوريا إلى مصر والحجاز، وفي أواخر سنة 1186 م ولربما أوائل 1187 ميلادي،
و شن رينو غارة (خلافا لشروط هدنة عقدت في 1180) على قافلة متجهة من القاهرة إلى دمشق ونهب بضائعها، وأسر أفرادها وزجهم في حصن الكرك، ويروى أن القافلة كانت لأخت صلاح الدين بالذات، فما كان من صلاح الدين إلا ان يطالب في الحال ملك القدس آنذاك غي دي لوزينيان بالتعويض عن الضرر والإفراج عن الأسرى ومحاسبة الناهب، ولكن الملك لم يجازف بمس تابعه القوي رينو، فكان أن قرر صلاح الدين إعلان الحرب على مملكة القدس، إلا إن مرض صلاح الدين أخر بدء القتال في هذا العام.
أحداث المعركة
أحرق المسلمون الأعشاب والشجيرات في ساحة المعركة، واستولوا على عيون الماء، عملا على تعطيش الصليبيين وإجبارهم على النزول للاشتباك معهم ولما وصل الصليبيون إلى السهل الواقع بين لوبيا وحطين،
وشن القائد صلاح الدين هجوما ففروا إلى تلال حطين، فحاصرت قوات المسلمين التلال،
وأقبل الليل،وتوقف القتال وفي اليوم التالي الموافق ٤ يوليو عام ١١٨٧
،قامت معركة حطين، ولف الفرسان الصليبيون الذين انتظموا على مرتفع حطين سحب الدخان المتصاعد إلى أعلى، فالتحم الجيشان على بعد ميلين من حطين، فأنهارت صفوف الصليبيين وأهلكت سهام جيوش المسلمين الصليبيين، ثم شن هجوم بالسيوف والرماح، فقتل وجرح وأسر الكثير، فاستسلم الألوف منهم، وقام الصليبيون بمناورة،
فتقدم قائد الفرسان ريمون الثالث أمير طرابلس بأمر من غي دي لوزينيان ملك القدس، وزحزح بهجومه هذا قوة يقودها تقي الدين عمر، فظن الصليبيين أنهم فتحوا ثغرة في صفوف صلاح الدين فاندفعوا فيها، وحاصر جيش صلاح الدين جزء من الجيش الصليبي فشطره إلى شطرين.
ودامت المعركة نحو 7 ساعات على التوالي وسقط فيها الآلاف بين جرحى وقتلى، ووقع الملك غي دي لوزينيان ملك القدس آنذاك في أسر صلاح الدين، بالإضافة إلى العديد من القادة والبارونات، ولم ينج إلا بضع مئات فروا إلى صور واحتموا وراء أسوارها.
هزيمة الصليبيين في معركة حطين
كانت هزيمة الصليبيين في معركة حطين هزيمة كارثية، حيث فقدوا فيها زهرة فرسانهم، وقتل فيها أعداد كبيرة من جنودهم وأسر فيها أعداد كبيرة أيضًا. وأصبح بيت المقدس في متناول صلاح الدين، وكان من بين الأسرى ملك بيت المقدس ومعه مئة وخمسون من الفرسان ومعهم رينو دي شاتيون (أرناط) صاحب حصن الكرك وغيره من كبار قادة الصليبيين، فأحسن صلاح الدين استقبالهم، وأمر لهم بالماء المثلج، ولم يعط أرناط (حاكم الكرك)، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقى إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال: «إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني»، ثم كلمه وذكره بجرائمه وبذنوبه وعرض عليه أن يسلم فرفض أرناط فقام إليه فضرب عنقه،
وقال: «كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدرا».فكان أن بر صلاح الدين بيمينه وضرب عنق أرناط.
وبعد المعركة، سرعان ما دخلت قوات صلاح الدين وأخوه الملك العادل المدن الساحلية كلها تقريبا جنوبي طرابلس، عكا، بيروت، صيدا، يافا، قيسارية، عسقلان. وقطع اتصالات مملكة القدس اللاتينية مع أوروبا، كذلك استولى على أهم قلاع الصليبيين جنوبي طبرية، ما عدا الكرك وكراك دي مونريال.
وفي النصف الثاني من شهر سبتمبر عام1187، حاصرت قوات صلاح الدين القدس، ولم يكن بمقدور حاميتها الصغيرة أن تحميها من ضغط 60 ألف رجل. فاستسلمت بعد ستة أيام، وفي 2 أكتوبر 1187 ميلادي وفتحت الأبواب وخفقت راية السلطان صلاح الدين الصفراء فوق القدس.
و في ضهر شهر نوفمبر عام 1188 ميلادي استسلمت حامية الكرك، وفي أبريل - مايو عام 1189،
استسلمت حامية كراك دي مونريال، وكان حصن بلفور آخر حصن يسقط، ومنذ ذلك الحين صار ما كان يعرف بمملكة القدس اللاتينية بمعظمها في يد صلاح الدين، ولم يبق للصليبيين سوى مدينتي صور وطرابلس، وبضعة استحكامات وحصن كراك دي شيفاليه (قلعة الحصن) في شرق طرطوس. وقد أدى سقوط مملكة القدس إلى دعوة بابا روما إلى بدء التجهيز لحملة صليبية ثالثة والتي بدأت عام 1189ميلادي.
عامل صلاح الدين القدس وسكانها معاملة أرقْ وأخفْ بكثير مما عاملهم الغزاة الصليبيون، قبل ذلك بمئة عام تقريبا حيث قتل الصليبيون انداك كل اهالي القدس من رجال وكهول ونساء واطفال و70000 تم قتلهم في ساحة المسجد الأقصى.
فلم تقع من صلاح الدين قساوة لا معنى لها ولا تدمير، ولكنه سمح بمغادرة القدس في غضون 40 يوما بعد دفع فدية مقدارها 10 دنانير ذهبية عن كل رجل، 5 دنانير ذهبية عن كل امرأة، ودينار واحد عن كل طفل، واظهر صلاح الدين تسامحًا كبيرًا مع فقراء الصليبيين الذين عجزوا عن دفع الجزية.