الأربعاء 20 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جيانى لاتانزيو يكتب: إعادة التفكير فى «القرية العالمية».. الأخلاقيات لا تدار بواسطة الخوارزميات أوالحلول الرقمية!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى زمن الـ «Chat GPT» الذى يعد أحدث مشروع للذكاء الاصطناعى الذى يخاطر بإغراق المجتمعات فى بطالة جماعية بسبب إمكانية استبدال البشر بالذكاء الاصطناعى فى العديد من المجالات كما يعرضنا إلى مخاطر تعريض العقل البشرى إلى حالة من الكسل الشديد وذلك نتيجة الاعتماد على التكنولوجيا وأجهزة الكمبيوتر، فإن هذا المقال للعالم جيانى لاتانزيو، وهوأيضًا مسؤول كبير فى البرلمان الإيطالى، يعد أكثر أهمية عن أى وقت مضى.
بعد ٦٠ عاما من اكتشافها، يبدو أن نظرية «القرية العالمية» التى وضعها ماكلولان تواجه أزمة حقيقية.. لم يعد من الممكن أن نرى فقط سحر التكنولوجيا القادرة على إلغاء مسافات الزمان والمكان بل يجب أيضا أن نرى التضليل واسع الانتشار وخطاب الكراهية الذى تنشره على شبكات التواصل الاجتماعى.. لقد قال البابا فرانسيس محذرا: «الاتصال الرقمى لا يكفى لبناء الجسور فهو غير قادر على توحيد البشرية».
أما بالنسبة للباحث دى كيرنشوف، الذى يعد وريثا للعالم فى المجال الإعلامى ماكلوهان، McLuhan، فلقد عرّف هذه العملية التى نمر بها على أنها «مرحلة انتقالية مظلمة مثل العصور الوسطى وهناك حاجة ملحة لبناء إنسانية جديدة حتى لا تخضع للحتمية التكنولوجية ويعد هذا الأمر ممكنا طالما أننا لا ننكر فكرة القيم المشتركة والجمع للحقوق والواجبات كما يبدو أن هذه المفاهيم مكتسبة فى الغرب، ولكنها تتعلق أيضا بأسوار فى حالة إنهيار.
فى مقاله الصادر فى عام ١٩٦٢ تحت عنوان «مجرة جوتنبرج: ولادة رجل الطباعة»، قدم مارشال ماكلوهان تعريف القرية العالمية على وجه التحديد وذلك لإثارة حس نقدى فى مواجهة الدور المتزايد للتكنولوجيا. ومنذ الثمانينيات، شهدت هذه العملية تعاقبًا مستمرًا لإبتكارات مدهشة. ثم حدد الباحث أن «كل تقنية هى امتداد لقدراتنا التى تفرض توازنات جديدة بين الأعضاء الحسية».
اليوم، أصبح من الواضح بشكل أكبر أن التغييرات فى تشغيل أو تطبيقات الهواتف المحمولة أو غيرها من الأدوات الرقمية، تؤثر بشكل حاسم على التنمية الشخصية والاجتماعية. يتذكر ماكلوهان الفرق بين المعلومات والاتصالات ويؤكد على المسافة بين الرسالة الإعلامية والرسالة الإعلانية القادرة على الإقناع.
ما هى المعلومات؟
يجب أن نتذكر هنا أن المعلومات هى مجموعة من البيانات ذات قيمة لمن يتلقونها، فقط بقدر ما تكون مفيدة لهذا الغرض وتؤدى إلى زيادة المعرفة. ومن ناحية أخرى فإن الاتصال ليس عملية أحادية الاتجاه بل هى علاقة يتفاوض فيها شخصان أوأكثر على مجموعة من المعانى المشتركة.
أول الجوانب الحاسمة التى يجب مراعاتها هو بالتحديد الارتباك السائد اليوم بين المعلومات والتواصل. ابتهج الجميع بإمكانية تدفق المعلومات ليس فقط «من أعلى» ولكن أيضًا «من أسفل». ومع ذلك، فإن الوعى بعواقب خلط أنواع مختلفة من الرسائل والتخلى عن فكرة التحقق من المعلومة لا ينبغى أن يفتقد المصدر.
ويكفى أن نقول إن ٧٠٪ من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٤ و٣٠ عامًا - وفقًا لـ Istat - يشعرون بأنهم قد وصلوا إلى المعلومة عندما يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعى والشبكات الاجتماعية التى تفتقد إلى التيقن من العثور على معلومات حقيقية بحيث يتم تحديد الوصول إلى نوع آخر من الأخبار عن طريق الاتصال أومن خلال الاستخدام الفعال للمحادثات من قبل أولئك الذين يريدون نشر أخبار كاذبة.
ومن أجل عدم تفويت فرصة الحصول على مكان افتراضى، فقد عهد القادة السياسيون أنفسهم، ومنذ فترة طويلة، على الحصول على معلومات من الشبكات الاجتماعية والصحفيين المعتمدين لا يحيدون عن هذا الأمر وهم أنفسهم يتصرفون مثل المدونين ويسعون وراء هذا الاختراع العصرى بالرغم من معرفتهم لأخلاقيات المهنة والتى تتعارض مع هذا التطور ويبحث الناشرون أيضًا عن معلومات أو اتصالات صريحة وغير مؤكدة بنفس أسلوب وسائل التواصل الاجتماعى.
وفى الواقع، لا يقرأ الصحف المطبوعة أو عن طريق الاشتراك عبر الإنترنت، سوى ثلث الأشخاص الذين يدّعون أنهم على دراية بالسياسة. وبالتالى، فإن عددًا قليلًا جدًا من الأشخاص لديهم إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام حيث يعمل الصحفيون المحترفون الذين تدربوا على تقييم المصادر والسياقات وطرح أسئلة مفيدة لشرح أوتعميق الحدث أوالمعلومات أوالظواهر أوالبيانات، للتحقق منها أوحتى لبيان الأخبار الكاذبة. وهكذا يتبادر إلى الذهن قناعة توكفيل التى تتلخص فى أن: «الديمقراطية هى سلطة الأشخاص المطلعين». ومع ذلك ووسط وسائل الإعلام الحديثة، لقد تضاعفت فرص توفير المعلومات أوبالأحرى المعلومات الزائفة بشكل كبير، بحيث لا يكون لدينا مواطنون أكثر وعيًا من ذى قبل بل على العكس من ذلك.
كل هذه الظواهر تذكرنا بمدى تأثير التكنولوجيا على تقدم البشرية. علاوة على ذلك، هناك آليات توضح خطر أن الكلمة الأخيرة ستكون أكثر فأكثر للخوارزميات.
نحن جميعا فى غرفة الصدى!
فى الغالب تقرر لنا محركات البحث ما هى دقة المعلومات. وفى الواقع، يوجد دائمًا خلف كل بحث خوارزمية تهدف إلى إرضاء المستخدم. إنها استراتيجية أولية: كلما شعرت بالرضا، كلما واصلت التنقل فى هذا المجال دون البحث عما يمكن أن يقدمه لك من شروط حقيقية للمقارنة بين المعتقدات المختلفة، بدلًا من إرضائك. ثم يظهر أمرا بصورة جلية: ما ينقص هذه العملية هوما يمكن أن يحرك الإبداع وهوعامل التنوع الذى يخرج بنا عن المسارات التقليدية ويبدأ فى لابتكار.
على العكس من ذلك، فإن آلية الإحالة الذاتية تضخم تفضيلاتنا وتضعنا على أرض خصبة ومثالية لنشر الأخبار الكاذبة، أى ما نطلق عليه «غرف الصدى» أو"صناديق الرنين». وبالتالى تقوم بإرسال رسائل متكررة لنفس المحتوى فى بيئة مغلقة لدرجة أنه لا توجد فرصة لأى تفسير متعارض. ثم يتم تكرار الرسائل وتضمن إستمرارها من حيث المصداقية عندما نرى أن المجتمعات الكبيرة تؤيدها وتعيد نشرها. وفى الأساس، نميل إلى البحث عن تأكيد لما يسمى بالحقائق الموجودة بالفعل فى أفق فهمنا. ومن المسلم به أن بعض الهراء ينتشر فى بعض الأحيان بدرجة كافية حتى يتم كشفه بشكل صارخ، لكن العديد منها يستمر فى الانتشار لأشهر وأحيانًا سنوات. كما أنه من المستحيل اصطيادهم جميعًا حتى من قبل مختلف المراقبين اليقظين المتخصصين.
التعلم بشكل آلى وذاتى
هنا نتحدث أيضًا عن التعلم الآلى، أى الأنظمة التى تتعلم من تسجيلات أفعالنا وعاداتنا وردود أفعالنا ويكررونها لنا بينما نخدع أنفسنا فى الواقع عندما نعتقد أنه يمكننا العثور على شيء آخر. وهناك بعض التطبيقات التى نجددها أمام أعيننا: التعرف على الصوت والاقتراحات الشخصية لتكوين النصوص على لوحات مفاتيح الهواتف المحمولة ("دردشة GPT") وأنظمة التوصية لشراء المنتجات وحتى التسعير الديناميكى المعقد والأنظمة التى تعدل أسعار التجارة الإلكترونية فى الوقت الفعلى بناءً على سلوك المستخدم.
تحذير المتخصصين
ليس من الواضح بالضبط كيف يتم استيعاب كل هذا من خلال اتصالات الشبكات العصبية متعددة الطبقات للمخ وهوما يسمى بمستوى التعلم العميق. تظهر هنا أسئلة أخلاقية مهمة حتى قبل التفكير فى الإنسانية التى تظهر فى العالم الافتراضى. نرى «حشد من الاعتداءات غير العادية والشتائم وسوء المعاملة والإهانات والجلد اللفظى حتى يتم هدم الآخر.
يذكر البابا فرانسيس هذا الأمر فى رسالته العامة الثالثة فيشير بالفعل إلى أنه «مثلما يدافعون عن عزلتهم المريحة، يختار الناس أن يكونوا مرتبطين بإستمرار وبهوس بالأجهزة المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، حيث' يجد العدوان مساحة غير مسبوقة لـلانتشار. وللأسف، الأخبار غنية بحلقات عنف وحشية وغير مبررة فى آن واحد، مما يؤكد التشابك بين الفرضى والواقعى. ثم هناك دعوة لشرح وإبراز الروابط بين مصير الإنسان والبيئة الطبيعية».
بعد نشر Laudato Sì، ذكّر البابا فرنسيس فى كثير من الأحيان أن الصحفيين «يمكنهم المساهمة فى تمكين المواطنين وقادة الدول والذين يوجهون الأنشطة الاجتماعية ورجال الأعمال وأبطال الاقتصاد والتمويل، وذلك بهدف التحول البيئى العاجل والحاسم من أجل البقاء». لطالما كان المعنى هوالمكون الرئيسى للتواصل ولكننا اليوم ندرك تغييرًا فى السجل العقلى: فلم نعد نبحث عن قيمة الموضوعية، على العكس من ذلك، فإن «الأنا الفرويدية تحتدم بكل ذاتيتها» كما يؤكد ديريك دى كيركهوف، المدير العلمى لمرصد توتى ميديا وميديا دوميلا والأستاذ فى كلية الفنون التطبيقية فى ميلانو.
يحذر العالم بصوت عالٍ وواضح: «يجب أن نعيد تشكيل الأدوات قبل أن تشكّلنا على صورتها». ولا يمكن التغاضى عن أنه فى مثل هذا الانفجار الذاتى، تتكاثر الأخبار الكاذبة. وهى تقدم أرضا خصبة للإرهاب والجريمة. لا يساور دى كيركوف أدنى شك فى «أننا نعيش مرحلة انتقالية مؤلمة مثل تلك التى حدثت فى العصور الوسطى والتى أدت إلى حروب الدين ولكن على نطاق عالمي».
حرب إلكترونية
لا شك أن الحرب العالمية الحقيقية هى حرب سيبرانية وإلكترونية؛ فالهجمات الإلكترونية تخترق البيانات الأكثر حساسية ليس فقط للأشخاص ولكن أيضًا لدول بأكملها. ويكمن الخطر فى أن بعض القراصنة الإلكترونيين والمتسللين الأكثر خبرة قد تمكنوا من حجب مراكز الأعصاب الحيوية للشبكات الأساسية مثل شبكات الطاقة.


علاوة على ذلك، تعمل الاختراعات مثل الائتمان الاجتماعى على السيطرة على المواطنين فى بلادهم أوفى أى بلد آخر. فى الصين، توجد خوارزميات هى التى تقوم بالحساب وفقًا لسلوك الشخص و«سمعته الاجتماعية» وبالتالى ترسم الحدود والفرص. اندلع الجدل أيضًا فى المملكة المتحدة عندما تم اكتشاف أن بعض الشركات، ليس على نطاق وطن، ولكن فيما يتعلق بموظفيها، قد أعدت شيئًا قريبًا جدًا من الميزة الاجتماعية.
فى السنوات الأخيرة استوعبنا، بتعبير صمويل هنتنجتون، مصطلح «صراع حضارات» واحتمال حدوثه بين الغرب والشرق، ولكن حان الوقت للتفكير من منظور «انهيار الحضارات»، كما قال الكاتب فى حين يؤكد أمين معلوف ذلك فى مواجهة مظاهر التدهور الاجتماعى الواضحة.
وفى الحقيقة يعتبر نشر المعلومات والتواصل هى من الإجراءات السياسية التى تتأرجح بين الحقوق والواجبات: إنها لحظات أساسية فى العملية التى يتم من خلالها تكوين ضمائر المواطنين. إنها مسألة تذكر أننا مواطنون عندما يتعلق الأمر بالحقوق والواجبات. كنا نتحدث منذ سنوات عن الحقوق المتعلقة بالإنترنت ومن الواجب الموافقة عليها، ومع ذلك، فقد حان الوقت أيضًا للحديث عن الواجبات فيما يتعلق بالمساحة الافتراضية.
عند الفحص الدقيق نجد أن عالم الاتصالات أكثر سخاء فى اقتراح المناقشات حول الحقوق أكثر من الواجبات. ومع ذلك، يتكون المجتمع من أفراد مدرجين فى سياق وبالتالى يشكلون جزءًا من الكل. تبدأ الحقوق من مطالب الأفراد ويتم تأكيدها أيضًا بشكل جماعى. علاوة على ذلك وعلى المستوى الإعلامى، فإن مفهوم الإدعاء عزيز دائمًا على الجميع. ومع ذلك، فإن الواجب يقوم على مفهوم التقييد: إنه يعمل وفقًا للقول المأثور القديم بأن حريتى تنتهى حيث تبدأ حريتك. للأسف، يبدو أن مفهوم قصر الحقوق والحريات على الآخرين أقل نجاحًا فى وسائل الإعلام.
ولا شك أن الحقوق والواجبات تكون ذات معنى إذا كانت القيم هى الاختصاصات وبدون الاعتراف بقيمة الحرية، على سبيل المثال، لا يوجد «حق فى الكلام» أوالتظاهر وما إلى ذلك. وفى الحقيقة، فى أجزاء كثيرة من العالم، عندما يكون أحدهما مفقودًا، يكون الآخر مفقودًا أيضًا.
المشكلة الحقيقية فى الغرب هى ما إذا كنا نريد الاستسلام للاندفاع الساحق للنسبية التى ترفض مفهوم القيم المشتركة. النسبية هى نتيجة عملية ثقافية محددة، من خلال التباين اللغوى، فرضت نفسها كنقد مدمر لفكرة إيجابية عن المجتمع. نحن نتحدث هنا عن الأيديولوجيا التى يمكن تلخيصها فى التعبير الصحيح سياسيًا، أو، إذا كنت تفضل، «التقدمية الجديدة» أو"الثقافة» أو"إيديولوجية التنوع».
من الواضح أنه طلب ملح بشكل متزايد لتعديل اللغة بحيث تكون أكثر احترامًا للحساسيات المختلفة ولكن فى الواقع يتم فرض المفهوم بهذه الطريقة التى بموجبها يكون كل شيء نسبيًا وبالتالى لا يتم إعطاء شيئا مؤكدا ولا يمكن مشاركته. وهنا، كما يود المرء أن يعتقد، ليس انتصار العلم على الأخلاق أوالدين. إنه ببساطة أفق الهزيمة. لقد كررتها ريتا ليفى مونتالسينى كثيرًا بصفتها امرأة علمية غير مؤمنة: «إن الشر المطلق فى عصرنا هو عدم الإيمان بالقيم... الحياة تستحق العيش فقط إذا كان المرء يؤمن بالقيم».
الخلاصة
فى عام ١٨٦٠، قبل قرن من اعتبارات ماكلوهان، أوصى جوزيبى مازينى، وهو مثقف ذورؤية، بكتابة مقالته بعنوان واجبات الإنسان: «قد يبدو صوتى قاسيًا ومُلحًا جدًا عليك فى تعليمك ضرورة التضحية والفضيلة تجاه الآخرين. لكننى أعلم، وأنتم، طيبون وغير فاسدين بثروة زائفة، ستفهمون قريبًا أن جميع حقوقك لا يمكن أن تكون إلا ثمرة واجب تم عمله وإنجازه بالفعل».
ومن أجل محاربة انحطاط المعرفة والحتمية العددية، فإن الطريقة المثلى لمواجهة ذلك هى تحمل مسؤوليات حالية وعاجلة ولكن ليست جديدة: عدم التقليل من أهمية هذا الملف وإعادة اكتشاف عمق النزعة الإنسانية التى كانت السبب فى عظمة الغرب على وجه التحديد بفضل القيم المشتركة والتكامل بين الحقوق والواجبات.
معلومات عن الكاتب: 
جياتى لاتانزيو.. رئيس جمعية كونفاسيوناتزى الدولية، مهتم بقضايا الجغرافيا السياسية، ينضم للحوار بهذا المقال حيث يرى أن الحرب العالمية الحقيقية هى حرب سيبرانية وإلكترونية، يشهدها العالم الآن.