أصبح عرب إسرائيل فريسة العصابات التى تعمل داخل مجتمعهم لعدة أشهر وأصبحت أعداد الضحايا فى تزايد مستمر، وتجد الشرطة الإسرائيلية صعوبة فى وقف هذه الظاهرة التى تلقى بظلالها على إيران، وذلك بسبب عدم ثقة السكان العرب تجاه الشرطة وعدم التواصل معها نتيجة ذلك.
الأرقام هائلة؛ فى عام ٢٠٢١، فقد ما يقرب من ١٢٥ شخصًا حى اتهم، من بينهم ٦٢ فردًا دون سن الـ٣٠. ومنذ مطلع العام الجارى، وقع ٩٥ شخصًا من الجالية العربية ضحايا لتلك العصابات ومن بينهم ٩٣ شخصًا ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية. تستمر الحصيلة المروعة فى ٨ يونيو ٢٠٢٣، عندما قُتل خمسة من عرب إسرائيل بالرصاص فى مغسلة سيارات فى بلدة يافا العربية غرب الناصرة.
وبحسب المتحدث بإسم الشرطة الإسرائيلية، فإن الحادث «الإجرامى» كان تصفية تافهة للحسابات. لكن كيف يمكننا التأكد من ذلك؟ تتبنى الحكومة الإسرائيلية وجهة نظر مختلفة تمامًا عن الأحداث الجارية على أراضيها لأن الاسباب السياسة ليست بعيدة أبدًا عن تفسير ذلك الأمر.
ظاهرة لها أبعاد وطنية
إن المعلومات التى تصلنا من إسرائيل غالبًا ما تتعلق بالوضع السياسى فى البلاد والجيوسياسى فى المنطقة. نشهد هذه المرة نوعا جديدا من الجرائم حيث تواجه البلاد جرائم قتل متكررة لأبناء الجالية العربية الإسرائيلية.
بدأ بعض المراقبين يتحدثون عن «المافيا» لما يبدو أنه عمل العصابات. أحصت الشرطة الإسرائيلية تسع عصابات تنتشر فى الدولة ولها فروع فى بلدات عربية أو مختلطة فى البلاد.
ظلال حزب الله
منذ انتهاء الحرب فى سوريا، بدأ التهريب من الأراضى التى تديرها داعش وأصبحت سوريا مركزًا لتهريب الأسلحة والمخدرات. فى ١٢ يونيو ٢٠٢٣، أسقط الأردنيون طائرة مسيرة تحمل مخدرات من الجارة سوريا التى تحاول سلطاتها، ولكن دون جدوى، وضع حد لنشاط شبكات التهريب.
وتشكلت فى إسرائيل عصابات تعيش على تجارة السلاح. يتم نقل الأسلحة من سوريا إلى جنوب لبنان. تم التخلى عن بعض المخزون من تلك الأسلحة، وذلك أثناء الاشتباكات مع الجماعة الإسلامية واستولى عليها وكلاء طهران وعلى وجه الخصوص حزب الله.
لكن الاتجار بالمخدرات هو إلى حد بعيد أكثر الأعمال التجارية ربحًا. لقد كان الأمر فى أيدى حزب الله منذ عقود ويتم تنظيم هذا التهريب من الحدود الشمالية لإسرائيل. وفى عام ٢٠٢٢، تعرفت شرطة الاحتلال على المواطن حاتم شيت وهو من سكان كفر كلا بجنوب لبنان. كان يستخدم منزله بالقرب من الحدود لإلقاء المخدرات والأسلحة من شرفته فوق السياج المنصوب ليلتقطه أفراد العصابة على الجانب الإسرائيلى.
وتم تعيين لبنانى آخر هو حسن سريينى كمسئول عن تنسيق التهريب على الحدود مع حاتم شيت. سريينى هو مساعد لقائد بارز فى حزب الله، خليل حرب، الذى قال إن الجيش الإسرائيلى كشف مؤخرًا عن العديد من شبكات تهريب المخدرات والأسلحة التابعة لحزب الله والتى لا يزال يقودها خليل حرب.
ويعد لبنان مركزا تقليديا لزراعة الحشيش وتصديره فى سهل البقاع شرقى لبنان، فى الأراضى التى يسيطر عليها حزب الله، وتنتج هذه الأراضى ومساحتها ٥٠٠٠ هكتار حوالى ٣٠٠ طن سنويًا.
يقدر الباحث فى مركز الأبحاث العالمية فى الشئون الدولية، جوناثان سباير، أن حزب الله يجنى ١٨٠ مليون دولار سنويًا من هذه التجارة. ويتم تصدير الإنتاج إلى أوروبا ولكن الآن يتم تصديره إلى الأراضى الإسرائيلية.
أكد أنتونى بلاسيدو، من إدارة مكافحة المخدرات، خلال جلسة استماع فى وزارة العدل قائلا: «من المهم ملاحظة إن العلاقة بين مهربى المخدرات وبعض المنظمات الإسلامية مثل حزب الله ليست تهديدًا ناشئًا. وقد لوحظت صلاتهم فى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
تشير العديد من تقاريرنا إلى أن عائدات الكوكايين المهربة إلى أوروبا والشرق الأوسط قد انتهى بها المطاف فى خزائن الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل حزب الله وحماس. ولكن وراء تهريب المخدرات وحزب الله، هناك إيران جمهورية الملالى الإسلامية والباسداران التى تستخدم تهريب المخدرات كسلاح ضد إسرائيل. لا يتردد عمر دسترى، من معهد القدس للاستراتيجيات والأمن، فى الحديث عن إرهاب المخدرات لأن وراء هذا التهريب هناك رغبة واضحة لزعزعة الاستقرار.
إنتشار العصابات
وحتى يتم تبييض عائدات تجارة المخدرات والأسلحة، استولت العصابات على الأعمال التجارية والشركات فى قراهم وأحيائهم فى المدن الكبرى. ومن خلال السيطرة على الأعمال التجارية، سيطرت العصابات على سوق العمل وبالتالى، فإن التنديد بعمل العصابة هو بمثابة إخراج الأب أو الابن من العمل وإغراق الأسرة فى الفقر.
ما تحولت تلك العصابات إلى العمل المصرفى. وأقرض هؤلاء المال، غالبًا بفوائد ربوية، وقاموا بتبييض دخلهم غير المشروع وضاعفوا من فرض السيطرة على السكان. إن الضحايا هم المتمردون الذين يرفضون هذا النظام الفاسد والذين يرفضون دفع ثمن حمايتهم لأن ضريبة المافيا هى الابتزاز الذى يضرب أبرز التجار. ونشهد هنا إنشاء سيناريو إجرامى مشابه لذلك الذى أنشأته Mocro Mafia فى هولندا.
خاتمة
فى الوقت الذى تتنصل فيه الشرطة من مشكلة هذه الجرائم، فإن الحكومة تنظر إلى تلك الظاهرة بشكل مختلف تمامًا.. ومع ذلك، يبدو أن المشكلة الآن تعتبر إقليمية حيث يتعين على الأردن التعامل مع تهريب المخدرات والأسلحة من معاقل سابقة كانت تحت سيطرة داعش. ومن الضرورى الآن اعتبار أن الاتجار بالمخدرات ليس مجرد وسيلة للثراء بل هو أيضًا سلاح إقتصادى وأيديولوجى ووسيلة خادعة لشن الحرب من خلال تدمير الأهداف من الداخل.
معلومات عن الكاتبة:
ليا رازو ديلا فولتا.. حاصلة على درجة الدكتوراه فى علوم وتقنيات اللغة والقانون العام. لها العديد من الكتب عن المافيا فى العالم. وعضو مركز الأبحاث بجامعة كوت دازور (CERDACFF) والمؤسس المشارك لمؤسسة Think Tank Status Quo Media المتخصصة فى الجغرافيا السياسية وعلم الجريمة.. تكتب عن تهريب وتجارة المخدرات ودور حزب الله والتنظيمات الإرهابية الأخرى.