الجمعة 20 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جان برنارد بيناتيل يكتب: تمرد بريجوجين الفاشل.. صاحب المطعم فقد عقلانيته.. والالتفاف حول «بوتين» مثال على نجاحه فى استعادة القوة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سأقدم هنا التفسير الذى أراه مناسبا لانقلاب يفجينى بريجوجين الفاشل.. هذا التفسير ليس قراءة فقط للواقع ولكنه يستند إلى معرفتى العميقة بروسيا حيث عملت بانتظام منذ عام ١٩٩٠ لشركات فرنسية كبيرة وهذا التفسير يعتمد أيضا على معرفتى بالعلاقات الغامضة بين الجيش الفعلى والمرتزقة الذين عرفهم عامة الناس من خلال وسائل الإعلام والسينما، وتحديدا فى أفغانستان والعراق.
عندما وصل بوتين إلى السلطة فى روسيا عام ١٩٩٩، كانت الدولة تعانى من الضعف ومن المنظمات الإجرامية وحكم القلة الذين كونوا ثروات كبيرة تحت حكم يلتسين وتقاسموا السلطة وهكذا فى منطقة كراسنويارسك وهى إحدى أغنى مناطق روسيا، نجد نوريلسك نيكل، رائد إنتاج النيكل والبلاديوم وكراز، صاحب مصنع إنتاج الألمنيوم العملاق وأتشينسك محول البوكسيت، وكان «مصنع المعادن غير الحديدية» هى الشركة الرائدة فى تصنيع الذهب والفضة فى البلاد، كلهم كانوا تحت سيطرة المنظمة الإجرامية للأخوة تشيرينوى.
وتعهد بوتين بتصفية هذه المنظمات الإجرامية ولكن حتى يكون قادرًا على القيام بذلك، فقد عقد اتفاقًا مع الأوليجارشية يمكن تلخيص شروطه فى الآتى: «يمكنك الاستمرار فى تكوين الثروات، ولكن يجب عليك الاستثمار فى روسيا». وقد وافق معظمهم على هذه الصفقة وكانت الفترة ٢٠٠٢-٢٠١٢ هى فترة توسع اقتصادى فى روسيا بمعدل نمو وصل إلى ٧٪. لقد هاجر قليل منهم وتم الترحيب بهم فى بريطانيا حيث لم تظهر أى آثار عن ثرواتهم ولم تفح رائحة ثرواتهم. من بين هؤلاء نجد إبراموفيتش الذى أصبح مالكًا لنادى تشيلسى لكرة القدم، فيما أراد آخرون تحويل قوة المال إلى سلطة سياسية ودخلوا السجن وكان أشهرهم ميخائيل بوريسوفيتش خودوركوفسكى.
بريجوجين، هو من مواليد ١ يونيو ١٩٦١ فى لينينجراد وقد أصبح أحد الأوليجارشيين، وهو رائد أعمال فى مجال الترميم. وفى عام ١٩٩٠ افتتح متجر «هوت دوج» ثم سلسلة مطاعم للوجبات السريعة التى كانت مصدر ثروته والذى طور أعماله ليصبح المورد الحصرى تقريبًا لوجبات المدارس وفى عام ٢٠١٤، شارك فى تأسيس شركة عسكرية خاصة تسمى مجموعة فاجنر وتولى إدارتها. وكانت هذه الشركة تقوم بتجنيد المرتزقة للقيام بعمليات شبه عسكرية فى دول مختلفة (سوريا وأفريقيا وأوكرانيا) وذلك لدعم دول عاجزة أو المناطق الانفصالية، وذلك لدعم السياسة الروسية ومثل كل من ينتمى إلى الأوليجارشيين الذين يدعمون بوتين، فقد كان لدى بريجوجين القدرة على الوصول إلى بوتين. وكان بوتين يلجأ إليه لتنفيذ بعض الأعمال فى دونباس وفى الشرق الأوسط وأفريقيا. وهكذا فقد كان يستفيد من توريد الأسلحة والذخيرة من قبل وزارة الدفاع كما فعلت فرنسا مع بوب دنارد فى وقت من الأوقات وكان تدهور هذه العلاقة بين بوتين وبريجوجين هو أحد أسباب تمرد الأخير.
ظل رجل الأعمال متحفظًا للغاية حتى بدء العملية الخاصة، حتى أنه ذهب إلى حد إنكار صلته بفاجنر فى عدة مناسبات. وفى سبتمبر ٢٠٢٢، صرح علنًا، ولأول مرة، أنه زعيم مجموعة فاجنر ووعد فى خطابه أمام نزلاء أحد السجون فى روسيا بإطلاق سراحهم وإعطائهم حريتهم إذا ما وافقوا على المغادرة للقتال فى أوكرانيا.
ومنذ ذلك التاريخ أصبح نجمًا إعلاميًا وأصبح غروره يعلو فوق مصالحه وأصبح يقوم بإجراء مقابلات بشكل متكرر وسط المرتزقة التابعين له وهو يرتدى ملابس القتال وواجه صاحب المطعم الملياردير لأول مرة فى حياته، حربًا شديدة ومنى بالخسائر بسبب العديد من العاملين لديه وفى نظرى، فإن مزيجا من الغرور والأنانية التى زادت من خلال الظهور فى وسائل الإعلام بالتزامن مع اكتشافه للأحداث المرعبة للحرب وهى تلك الأمور التى لم يكن يتعرض لها خلال حياته المهنية كرائد أعمال، هذا المزيج هو ما جعله بطريقة أو بأخرى، يفقد عقلانيته «و تسبب فى إنزلاقه أو تماديه وخروج الأمور عن سيطرته. وفيما يلى بعض الخطوات التى أدت لذلك:
- وفقًا لمصادر مختلفة، كان بريجوجين سيطلب من فلاديمير بوتين فى منتصف أبريل ٢٠٢٣ إنهاء «العملية العسكرية الخاصة» فى أوكرانيا.


- فى منتصف مايو ٢٠٢٣، أشارت وسائل إعلام غربية إلى أنه فى الملفات المسماة «تسريبات أوكرانيا» كان هناك حديث عن تعاملات سرية بين بريجوجين والمخابرات الأوكرانية لتقصير معركة باخموت.
- فى ١٠ مايو ٢٠٢٣، اشتكى بريجوجين للصحافة من أن مقاتليه من فاجنر لا يتلقون قذائف كافية من وزارة الدفاع.
- فى ١٠ يونيو ٢٠٢٣، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنه من الآن فصاعدًا سيتم إلحاق جميع المقاتلين من الشركات العسكرية الخاصة بالجيش بموجب عقد موقع مع الوحدة التى ينتمون إليها. وحتى ذلك الحين، كانت فاجنر والشركات العسكرية الخاصة الأخرى تقع ببساطة تحت السيطرة التشغيلية لقائد العملية الخاصة مع الاحتفاظ باستقلاليتها التنظيمية. وأعلن بريجوجين أنه يرفض هذا القرار.
- فى ٢٣ يونيو ٢٠٢٣، أدلى بريجوجين بسلسلة من التصريحات المثيرة ليشرح خلالها أن الحرب فى طريقها للخسارة بسبب فساد القيادة العسكرية. وأضاف أننا كنا نكذب فى روسيا منذ ٢٠١٤. فالجيش الأوكرانى ما كان ليهاجم المدنيين فى دونباس وأنه لم يكن هناك أى تهديد على روسيا فى بداية عام ٢٠٢٢. وأنه يمكن تبرير الحرب فقط نتيجة المصالح الأوليجارشية الخاصة.
- فى ٢٤ يونيو أطلق حملته التى فشلت فشلا ذريعا بسبب رد فعل جميع هيئات الدولة والسكان وجزء من قواته الذين ظلوا موالين لبوتين.
خاتمة
حتى لو تم استغلال هذا الانقلاب الفاشل للتأكيد على إضعاف بوتين من قبل جميع دعاة الأنجلو ساكسون وحلف شمال الأطلسى، فإن الأمر ليس كذلك. ولدينا للتو دليل صارخ على عكس ذلك. فى حين أن انقلاب الجنرالات الفرنسيين فى أبريل ١٩٦١ قد هز الجمهورية لمدة ثمانية أيام، فإن محاولة الانقلاب التى قام بها برجوجين والموجهة ضد وزارة الدفاع وحدها، التى يتهمها بأنها غير قادرة وأنها فاسدة، استمرت هذه المحاولة لمدة ٢٤ ساعة فقط. كل السلطات المدنية والعسكرية والدينية والغالبية العظمى من السكان دعموا السلطة القائمة. وهذا يعد مثالا آخر على نجاح فلاديمير بوتين فى استعادة القوة العمودية فى روسيا.
وفى النهاية، نتساءل هل سيكون لهذا تأثير على استمرار العمليات؟ لا أعتقد ذلك.. حتى وسائل الإعلام الأنجلو ساكسونية تدرك أن هذه المحاولة لم يكن لها أى تأثير على مسار القتال المستمر والباقى ليس سوى ضجيج أو دعاية إعلامية.. ومن المحتمل أن نرى وسائل الإعلام الأنجلو ساكسونية والأوروبية التى كانت دائما تدين فاجنر لجرائم الحرب التى ارتكبتها، تحول بريجوجين، اللاجئ حاليا فى بيلاروسيا، إلى بطل للمقاومة ضد بوتين.
معلومات عن الكاتب: 
الجنرال جان برنارد بيناتيل.. قائد عسكرى سابق، حاصل على الدكتوراه فى العلوم السياسية، له ستة كتب جيوسياسية، منها كتاب «تاريخ الإسلام الراديكالى ومن يستخدمه».. يكتب تحليلًا عن انقلاب بريجوجين الفاشل.