الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ميريام مايسترونى تكتب: صراع السيادة.. الاتحاد الأوروبى فى مواجهة القوة الخضراء الأمريكية!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى الوقت الذى تعمل فيه أوروبا لضمان سيادتها فى مجال الطاقة تبذل أمريكا قصارى جهدها لتصبح «قوة عظمى للطاقات الخضراء»، فقد نشرت مجلة «الإيكونوميست» فى افتتاحيتها: «كيف يمكن لأمريكا أن تكون قوة عظمى تعمل فى مجال الطاقة النظيفة؟».
بعد مرور أكثر من عام على الصراع الروسى الأوكرانى الذى أصبح بؤرة إعادة توزيع خريطه الطاقة الجيوسياسية الأوروبية والعالمية، فإن الوضع الأمريكى الجديد أصبح مثيرا للتحدى؛ ففى ديسمبر ٢٠١٩ أى منذ ثلاث سنوات، كانت أوروبا تمتلك كل الأصول التى تؤهلها لتصبح هى القوة العظمى فى هذا المجال.
مؤخرا، وبعد انتشار جائحة كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية وتوقف تدفق الغاز الروسى إلى القارة الأوروبية وعلى مدى هذه السنوات الثلاث الماضية خرجت أوروبا من الميثاق الأخضر والصفقة الخضراء التى تمكنت من إبراز التزام قارتنا الصريح والواضح بتحقيق الحياد الكربونى بحلول عام ٢٠٥٠ «net zero» (الوصل إلى صفر استهلاك كربون) وأصبحت أوروبا تسعى من خلال استراتيجية «RePower EU» إلى موازنة الإمدادات القادمة من روسيا والتى أصبح الوصول إليها امرا صعبا مع الاهتمام ببناء «سيادة الطاقة الأوروبية». 
وبالطبع من الناحية النظرية يمكن قبول الفكرة المغرية القائلة بأن التعجيل بالصفقة الخضراء يمكن أن يأتى من تنفيذ استراتيجية RePower ولكن من الناحيه العملية قد تصبح الأمور أكثر تعقيدًا مما هو متوقعً وفى الواقع، لا شك أن ضريبة استقلالنا فى مجال الطاقة قد يكون له عواقب وخيمة على قدرتنا التنافسية الصناعية.
ومع ذلك فإن مواجهة طموحات الصين والولايات المتحدة - التى تعتبر قوى خضراء حقيقية - أصبحت أمرا حتميا.. الامر الذى يزيد من صعوبة حل معادلة كفاءة الطاقة الجديدة؛ فلم يعد الأمر يقف عند حد إزالة الكربون فقط وهو الهدف الأساسى للميثاق الأخضر ولكن بالإضافة إلى ضمان شروط سيادة الطاقة والإمدادات بأفضل الأسعار الممكنة من أجل استعادة القدرة التنافسية الصناعية أصبح علينا مواجهة المحنة المزدوجة كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية.
وكذلك الصراع التجارى بين جبابرة أمريكا والصين خاصة أن أزمة الطاقة التى يواجهها الاتحاد الأوروبى بسبب اعتماده الشديد على الغاز الروسى كمصدر لإنتاج الطاقة النهائية (للمباني- التدفئة وإنتاج المياه- الماء الساخن) والطاقة الأولية (لإنتاج الكهرباء)- لم تضع هذه الأزمة الدول الأوروبية المختلفة فى رهان صعب فحسب؛ بل سلطت هذه الأزمة الضوء على مجموعة من سياسات الطاقة المتناقضة تمامًا.
فقد كشف الانحراف المعيارى عن الاعتماد الكلى أو شبه الكلى على الإمدادات الروسية (كما هو الحال فى البوسنة والهرسك، مقدونيا الشمالية، مولدوفا، فنلندا، لاتفيا أو صربيا -٩٠ ٪ تبعية).. وكيف نتحدث عن الاستقلالية لدول الاتحاد الأوروبى فى حين أن ألمانيا تستورد نصف غازها من روسيا وإيطاليا ٤٦٪ من غازها من روسيا فى حين أن إسبانيا لا تستورد الغاز على الإطلاق وتعد مثالا للاستقالية فى هذا الملف.
لذلك تفرض سياسات الطاقة المتباينة ظروفا متباينة على كل بلد على حدة مع مراعاة الاختلافات التاريخية خاصة حول الطاقة النووية التى لا تزال بعيدة عن الإجماع كما تفرض ضرورة البحث عن إمدادات بديلة للغاز الروسى وتهدف الآن إلى تفضيل الواردات من قطر وأذربيجان، والجزائر أو حتى الغاز الطبيعى المسال الأمريكى الناتج من التكسير الهيدروليكى المحظور فى أوروبا والمزود ببصمة كربونية أكبر مرتين أو ثلاث مرات من الغاز الطبيعى المسال التقليدى.
ولقد شهدنا اندفاعًا جديدًا نحو الطاقات المتجددة بهدف مشترك وطموح وبالنسبة لبلدنا نحن فى أمس الحاجة إلى تعويض الوقت الضائع لأننا البلد الوحيد الذى لم يحقق الأهداف التى تم تحديدها لعام ٢٠٢٠ (١٩٪ مقابل ٢٣٪ مجموعة).
باختصار تحاول أوروبا المنغمسة فى مشاكلها منافسة الولايات المتحدة، التى تخلفت عن ملف انتقال الطاقة، على وجه الخصوص خاصة بعد قرار ترامب الانسحاب من باريس. وأمام هذا أعلنت جينيفر جرانهولم وزيرة الطاقة الأمريكية أنها وضعت » ثلاث جزرات من شأنها أن تحفز الولايات المتحدة وتضعها فى المقدمه «.. تقصد بذلك ٣ قوانين رئيسية تهدف إلى تحويل أمريكا إلى بطل فى مجال الكفاح ضد تغير المناخ وأن تصبح رائدة عالمية فى مجال الطاقة النظيفة.


أول هذه القوانين هوIRA (قانون خفض التضخم) وقد اعتمده الأوروبيون فى أغسطس الماضى وقانون CHIPS (الذى يهدف إلى استعادة الاستقلال فى مجال صناعه أشباه الموصلات) وهو يضرب عصفورين بحجر واحد عن طريق ضخ ما يصل إلى ٨٠٠ مليار دولار فى شكل (إعانات، إعفاءات ضريبية، قروض، إلخ) وكذلك لتعزيز جميع مجالات الصناعة الخضراء، مع مكافحة التضخم وقد تم بالفعل استثمار ما يقرب من ٢٠٠ مليار دولار من الاستثمارات فى تصنيع البطاريات والسيارات الكهربائية أو فى الهيدروجين الأخضر.
إنها مبالغ ضخمة وبالتالى واعدة خاصة عندما يتعلق الأمر بالارتقاء إلى مرتبة القوة العظمى الخضراء وربما يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية إدراك حقيقة أن رأس المال ضرورة ولكنه ليس كافيا للوصول إلى مرحلة التفوق كقوه عظمى فى مجال الطاقة البيئية الجديدة وتشيرالإيكونوميست إلى العديد من العقبات المحتملة من بينها متلازمة «بانانا» العالمية (التى تعنى: لا تبنى أى شيء على الإطلاق فى أى مكان بالقرب من أى شخص) وكذلك منطق أيضاNIMBY. وفى الحقيقة، كل ذلك يضع اعتبارا للمواطن ويعمل على زيادة اليقظة بشأن قضايا السلامة الصناعية والمخاطر البيئية واحترام التنوع البيولوجى والاعتراف بمخاطر التلوث السمعى والبصرى.
المشكله الثانية وهى مشكلة التنفيذ على أرض الواقع فلقد تم تصميم الأحكام الأمريكية المنصوص عليها فى القوانين الثلاثة أولًا لإحباط التهديد المتصور من الصين التى سلكت منعطف النمو الأخضر وبالتالى إذا تم تطبيق إجراءات الحماية فستكون هناك مشكله ارتفاع الأسعار الذى قد يؤثر على تكاليف إنشاء البنى التحتية للطاقة النظيفة وبالتالى تمديد المواعيد النهائية «للسماح».
ويبدو أن هذه المخاطر قد تم تحديدها بوضوح كما يبدو أن إدارة بايدن فى حالة تأهب جيد لتظل براجماتية قدر الإمكان فى المسائل المتعلقه بالتنفيذ. وعلى سبيل المثال تم وضع حكم بيروقراطى بشأن سلاسل توريد السيارات الكهربائية بحيث يكون الشراء من حلفاء الولايات المتحدة شرط للحصول على إعانات! وهذا يعد تحديا كبيرا!
ويشير إرنست مونيز وزير الطاقة السابق فى المقالة إلى أن هناك بعض اللوائح فى القانون الحالى - على سبيل المثال، بشأن انبعاثات الميثان من صناعة النفط والغاز فى المنبع وأنه يوفر أساسًا عظيمًا لجهود المناخ فى أمريكا لكنه يتمنى أن يرى تشددًا فى النهج التنظيمى مع مرور الوقت. وستقوم وكالة حماية البيئة (EPA) بتشديد اللوائح المختلفة التى من شأنها أن تكون بمثابة العصى اللازمة لدعم نهج بايدن حيث أعلنت وكالة حماية البيئة مؤخرًا عن اللوائح المقترحة لانبعاثات عوادم السيارات التى تزيد حصة السيارات الكهربائية من ٨٪ العام الماضى إلى ٦٧٪ بحلول عام ٢٠٣٢.
ومع ذلك وعلى الرغم من مخاطر التشغيل فانه يمكن التغلب عليها خاصة مع الحلم الأمريكى بأن تصبح الولايات قوة عظمى خضراء من خلال تطوير قطاع الطاقة المتجددة وصناعة إزالة الكربون. فقد أصبح هذا الحلم يبدو أمرًا واقعيًا مدفوعًا بنشر موارد هائلة، تضع أمريكا قدمها على دواسة الوقود فى مواجهة أوروبا التى لا تزال تحت التوتر ولا تزال بعيدة عن تحقيق حلمها القديم فى «اتحاد الطاقة» وبما تنطوى عنه من الخصائص الوطنية للطاقه التى تنبع من الإرث التاريخى والنسيج الصناعى المحلى والموارد الطبيعية والخصائص الجغرافية ورؤى جيوسياسية معينة، إلخ.
فى هذا السياق من المهم الاستمرار فى التشكيك فى اتحاد الطاقة هذا الذى لم يكن مثاليًا تمامًا ولم يتم إنجازه بالكامل.. لذلك قد يكون من المثير للاهتمام تناول القضية بشكل مختلف من خلال التفكير فى القواسم المشتركة وكل هذا سيقودنا إلى إلقاء نظرة فاحصة على الاستثناء الذى يثبت القاعدة. ومن الواضح أن البلدان المختلفة فى الاتحاد الأوروبى قد اتفقت على فكرة رصانة الطاقة فرضت نفسها فى مواجهه ندرة الإمدادات وانفجار الأسعار فى كل مكان فى أوروبا وأصبحت أخيرًا - كقاعدة حقيقية مشتركة وذات صلة لسياسة طاقة مشتركة.
وهكذا، فى الشتاء الماضى، وجد جميع المواطنين الأوروبيين أنفسهم مدعوين لتوفير الطاقة وإدارة استهلاكهم بأكبر قدر ممكن من الدقة «لتجاوز الشتاء» وقد نجحت! حتى ولو كانت احتياطيات الغاز الاستراتيجية كبيرة والزيادة فى واردات الغاز الطبيعى المسال كبيرة (أغلى ثمنًا وبصمة ثانى أكسيد الكربون أعلى من الغاز الطبيعى المستورد عبر خط الأنابيب).
فى الحقيقة ساهم تنوع الموردين فى لعب دورًا أساسيًا فى تحقيق ذلك وسلط الضوء على أهمية استخدام أداة «سياسة الطاقة».. لقد حان الوقت لتطبيق ذلك.. لأنه منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، تم التعرف على هذا الملف، ولكن يبدو أنه لم ينجح بالشكل الذى نريده فلا تزال حالة من «عدم الوعى الجماعى» والتى تسيطر عليها فكرة انطلقت من السبعينيات وهى: «فى فرنسا، ليس لدينا نفط ولكن لدينا أفكار"! ولتجديد ذلك بشكل عاجل.. نؤكد أنه «فى أوروبا ليس لدينا غاز ولكن نعرف كيفية الاستفادة القصوى من طاقتنا"!
 معلومات عن الكاتبة: 
ميريام مايسترونى.. رئيسة مؤسسة E5T لنقل الطاقة، والمديرة السابقة لشركة بريما جاز Primagaz ومؤسسة شركة EDE وتعد ميريام واحدة من أفضل الخبراء الفرنسيين فى قضايا الطاقة البيئية.. تتناول، فى مقالها، ضرورة استقلال أوروبا عن الولايات المتحدة فى قضايا الطاقة النظيفة.