الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

رولان لومباردى يكتب: مصـر.. و30 يونيو 2013.. نظرة إلى الوراء وقراءة فى أوراق الثورة بعد عشر سنوات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى ٣٠ يونيو المنقضى، احتفلت مصر بالذكرى العاشرة لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. وهنا نقوم بإلقاء نظرة إلى الوراء على هذا الحدث التاريخى الذى غير مصير مصر للأفضل!
جرت الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٢، التى تحققت بفضل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. هذه الثورة التى أعاد بعض المراقبين الغربيين تسميتها بسرعة «ربيع النيل»، كانت حقبة «الربيع العربى» الشهير الذى كان يتقدم فى المنطقة بأسرها وتم مقارنته بشكل خاطئ بـ"ربيع الشعوب فى أوروبا» فى القرن التاسع عشر وتحول هذا الربيع بسرعة إلى شتاء إسلامى. وفى الواقع، لأنه بعد الانتخابات و«التحولات الديمقراطية» فى أعقاب التظاهرات التاريخية وغير المسبوقة لعام ٢٠١١، فى مصر وأيضًا فى أنحاء العالم العربى، استطاع الإخوان المسلمون، المعارضة السياسية الأكثر تنظيمًا، أن يفرضوا أنفسهم. وبين نوفمبر ٢٠١١ ويناير ٢٠١٢، فاز التنظيم السياسى الدينى الراديكالى فى الانتخابات التشريعية المصرية (كما حدث فى تونس وليبيا وأماكن أخرى).
ومن بين ٤٩٨ نائبًا منتخبا حصل «الائتلاف الديمقراطى» بزعامة حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الاخوان المسلمين على ٢٣٥ مقعدًا فيما حصل حزب النور السلفى الذى شكل ظهوره المبهر مفاجأة كبيرة لكل المحللين والمراقبين، على ١٢١ مقعدًا، وتشاركت القوى الليبرالية فى باقى المقاعد: ٣٩ لحزب الوفد و٣٥ للكتلة المصرية و١٠ مقاعد لحزب الإصلاح والتنمية وفاز الائتلاف الثورى «الثورة الدائمة» بسبعة مقاعد فقط. وفى ٣٠ يونيو ٢٠١٢، فاز محمد مرسي- مرشح الإخوان المسلمين- فى الانتخابات الرئاسية المصرية، بشكل غير مفاجئ وبعد بضعة أشهر، أصدر رئيس الإخوان الجديد إعلانًا دستوريًا يمنحه صلاحيات غير محدودة.. منطقيًا، اتهمت المعارضة مرسى بعد ذلك بإعادة الديكتاتورية، مما أدى فى النهاية إلى مضاعفة المظاهرات الجماهيرية المنتظمة التى جرت بالفعل من نوفمبر ٢٠١٢ حتى يوليو ٢٠١٣.
وبجانب التحول السريع للسلطة الإسلامية الجديدة نحو الاستبداد، يضاف أيضا الرغبة فى جعل مصر دولة شبه دينية، إيران جديدة تقريبًا فى النسخة السنية. وعلاوة على ذلك، أظهر مرسى وحكومته عدم الاحتراف السياسى وعدم الكفاءة فى إدارة البلاد. وعلى الصعيد الاجتماعى والاقتصادى والأمنى والدبلوماسى، شهدت مصر فى الفترة ما بين يونيو ٢٠١٢ ويوليو ٢٠١٣ تراجعًا مذهلًا، أثار غضب غالبية المصريين، الذين واجهوا أيضًا نقصًا خطيرًا ومتعددًا، لا سيما فى الوقود.
وهكذا، بلغت الاحتجاجات ذروتها فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، فى الذكرى الأولى لفوز مرسى، حيث خرج أكثر من ١٠ ملايين متظاهر فى جميع أنحاء مصر إلى الشوارع وطالبوا باستقالة الرئيس.. وفى السابق، كانت المعارضة قد أطلقت عريضة بهذا المعنى وجمعت ما يقرب من ٢٢ مليون توقيع. وبعد ثلاثة أيام من المظاهرات الضخمة المناهضة لمرسى، رفضت الشرطة والجيش أوامر مرسى بقمع الحشد بعنف.. المؤسستان، الركيزتان التاريخيتان للدولة المصرية، انضمتا إلى المعارضة. وبدعم كبير من غالبية السكان، قرر الجيش، الذى لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة فى البلاد، تولى زمام الأمور.


ومثل الجنرال بونابرت فى فرنسا فى مواجهة فوضى ما بعد الثورة (كما قلت فى كتابى الأخير السيسى بونابرت المصري) أمهل الجنرال عبد الفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع الرئيس مرسى ٤٨ ساعة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة الاستقرار.
وفى ٣ يوليو ٢٠١٣، فى وقت مبكر من المساء، أمر المجلس العسكرى الرئيس مرسى بالتنحى وأعلن أنه لم يعد رئيسًا لمصر منذ ذلك التاريخ ثم عُين رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور رئيسًا مؤقتًا للبلاد ولم يترشح لرئاسة الجمهورية فى الانتخابات التالية التى حقق فيها السيسى الفوز والباقى معروف للجميع. على الرغم من أن بعض المسئولين الغربيين وبعض المحللين أدركوا متأخرًا أن مصر السيسى أصبحت أكثر من أى وقت مضى عاملًا مهمًا للاستقرار فى المنطقة، فإن هذه الدولة هى حاليًا الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان (أكثر من ١٠٠ مليون نسمة) ولديها أقوى جيش عربى وموقع جيوستراتيجى بارز. وهنا علينا أن نتحدث عن العديد من الحقائق المهمة؛ فلا يمكن أن نتخيل مصر والعالم العربى اليوم بدون السيسي! لأن أى سيناريو آخر، يجعلنا نشعر بالقشعريرة، كان ممكنًا مع ربيع النيل أن تحقق خطط بعض الدول الراعية للإخوان نجاحًا فى مصر عام ٢٠١٢، أول قوة عسكرية وأكبر دولة فى المنطقة من حيث عدد السكان ويتمكن الإخوان المسلمون من السلطة ويقدم مرسى نفسه على أنه «الأخ المسلم المصرى الحقيقي»، لكنه المخادع والوحشى.
ويضع نهاية دموية للتظاهرات الشعبية فى صيف ٢٠١٣ ويؤسس أكبر جمهورية إسلامية فى العالم العربي! ورغم كل ذلك، لا يزال بعض المعلقين أو «المتخصصين» يجرؤون على تقديم الإخوان المسلمين المصريين إلينا على أنهم «إسلاميون معتدلون» (وهذا غير صحيح بالفعل!) أو يقدمونهم كضحايا أو رهبان مضطهدين من قبل «ديكتاتور شرير».. إلا أن الحقيقة مختلفة تماما.
وبالمثل، إذا لم يستخدم السيسى القوة ضد هذا التنظيم الإسلامي- وهو الأكثر خطورة على هذا الكوكب – وضد المصفوفة الأيديولوجية للقاعدة وداعش، لعاشت مصر وضعًا على النمط الجزائرى فى التسعينيات من القرن الماضى أو مؤخرًا فى سوريا، وبالتأكيد مع أزمة هجرة أكثر خطورة من التى حدثت عام ٢٠١٥ كان يمكن أن تحدث نقطة تحول مأساوية لمنطقة البحر المتوسط بأكملها والشرق الأوسط بأكمله.. تخيلوا فقط الكابوس للمنطقة وأوروبا وخاصة المصريين!
فى الواقع، لم يكن شعار «السيسى أم الفوضى» مجرد صيغة دعائية وهناك من يقوم فى الغرب بتوجيه الانتقادات لمصر ولكن هذه الانتقادات تأتى بسبب الجهل بالأوضاع وعدم الإلمام بالحقائق فى مصر والمنطقة بأسرها.. إضافة إلى كل ذلك، من نحن الغربيين لنحكم ونعطى دروسًا أخلاقية مرة أخرى؟ خاصة نحن الفرنسيين فلقد استغرقنا ثلاث ثورات وخمس جمهوريات لتحقيق ديمقراطية لا تزال غير كاملة.
على أى حال، سواء أحببنا ذلك أم لا؛ فلا يمكننا أن ننكر أن - حتى لو كان لا يزال هناك العديد من الصعوبات فى إصلاح اقتصاد قديم والعديد من التحديات الكبيرة – التحديثات والتغييرات التى أدخلها السيسى على مصر ومعركته الدؤوبة (التى لم تحدث من قبل فى هذه المنطقة!) ضد أكبر تحديين فى العالم العربى وهما الإسلام السياسى والفساد - هى بحق «ثورية».. وهذه الإجراءات تاريخية ولم تحدث من قبل وهى بشكل عام إيجابية للغاية.
لهذا السبب، كما فى كتابى الأخير عن الرئيس المصرى، مستوحى من اقتباس سبينوزا الشهير، «لقد امتنعت بحذر عن السخرية من الأفعال البشرية: لا أضحك ولا أبكى ولا أكره؛ لكن أن أفهم».. وفى الحقيقة، بعيدًا عن الإثارة الإعلامية والفلاتر الإيديولوجية المشوهة والقديمة السارية فى الغرب، حاولت أن أفهم ما حدث بالفعل وما الذى لا يزال يجرى فى مصر وخاصة فى هذا الجانب الآخر للبحر المتوسط.
معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق الوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يكتب افتتاحية العدد عن ثورة 30 يونيو بعد عشر سنوات من انطلاقها.