إن الأمم منذ خلق الله آدم تخترع المناسبات المختلفة لتحتفل فيها وتفرح وتمرح، وهذا أمر وجده الإسلام وأقره، فعيد الفطر وعيد الأضحى عيدا الإسلام بمثابة استراحة في رحلة الحياة ومشاكلها، وقد أمر الله فيهما بالفرح والبهجة مهما كانت الظروف التي يمر بها المجتمع، فإذا جاء العيد لابد أن يفرح الجميع ويبتهج.
وقد ارتبطت الأعياد في الإسلام بمعنيين كبيرين، معنى رباني ومعنى إنساني:
o فالمعنى الرباني: هو أن لا ينسى الإنسان ربه في العيد، فليس العيد انطلاقًا وراء الشهوات بل العيد يبدأ بالتكبير وبصلاة العيد والتقرب إلى الله عز وجل، أخرج الطبراني في المعجم الصغير عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زينوا أعيادكم بالتكبير)، وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق نافع عن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يخرج إلى العيدين رافعًا صوته بالتهليل والتكبير). فالعيد والفرح فيه عبادة لله، وهو لا يعني التحرر من العبادات والطاعات، خاصة وأن الله قد ربط الأعياد في الإسلام بالفرائض الكبرى وبالعبادات الشعائرية العظمى، فربط عيد الفطر بفريضة الصيام، وربط عيد الأضحى بفريضة الحج.
o وأما المعنى الإنساني للعيد فيتمثل في الفرح والمرح واللعب والغناء ولبس الجديد، وأن يوسع الإنسان على نفسه وأهله ومن حوله من الفقراء. إن يوم العيد مهرجان وفرح للناس جميعًا، للكبار والصغار، وللنساء والرجال، يتواصل الناس فيه بعضهم مع بعض، فالإنسان يصل أقاربه وجيرانه وأحبابه وأصدقاءه ويهنئ الناس بعضهم بعضًا دون تميز بين مسلم وغير مسلم، ولا يصح أن يقاطع الناس بعضهم بعض وبصفة خاصة في الأعياد، ومع الأسف هناك عادة خاطئة نجدها في مجتمعاتنا العربية اليوم وهي: اقتصار الفرح والطرب على الصغار فقط، رغم مشروعية الفرح والطرب للصغار والكبار، وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أسوة ففي أحد الأعياد أذِن للحبشة أن يرقصوا ويلعبوا بحرابهم في مسجده الشريف، وكان يشجعهم ويقول: (دونكم يا بني أرفدة) وهو لقب للحبشة أو اسم أبيهم الأقدم والمعنى: تابِعوا اللَّعِبَ، فلا إنكارَ عليكم، ففيه إذْنٌ وتَنشيطٌ لهم، وسمح لزوجته عائشة أن تتسلق على كتفيه من الوراء وكان بيت النبي يطل على المسجد، وجعلها تنظر إلى هؤلاء الحبشة حتى شبعت وملت فقال لها "حسبك؟" قالت له: "حسبي"، فالرسول كان يشجعهم على هذا لأنه يعلم أن هؤلاء القوم يهوون اللعب، وأيضًا دخل سيدنا أبو بكر على عائشة رضي الله عنها في عيد من الأعياد وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بالدف بغناء من أغاني العرب من أيام الجاهلية، فانتهرهما سيدنا أبو بكر وقال "أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم"؟!، وكان صلى الله عليه وسلم متكئًا ومغطى بثوب، فظن أبو بكر أن الرسول كان نائمًا، وأن عائشة فعلت هذا دون إذن من الرسول، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم وجهه وقال: (دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا، حتى يعلم اليهود أن في ديننا فسحة وإني بُعثت بحنيفية سمحة)، فالإسلام ليس بدين تزمت ولا دين تضييق، بل هو دين الفطرة وفطرة الإنسان، إنه يحب اللهو واللعب وخاصة في هذه المناسبات.
شرع العيد في الإسلام ليكون مهرجانًا للأمة كلها للكبار وللصغار وللرجال وللنساء، حتى قالت أم عطية: "أُمرنا أن نُخرج العواتق – جمع عاتق ويطلق على البنت في أول بلوغها أو التي لم تتزوج - والحُيض في العيدين، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحُيض المُصلى – أي تجلس ذوات الحيض قريبًا من المصلى ولا يصلين، لأن الحائض لا تصلي ولكنها لا تحرم أو تمنع من المشاركة في الفرح والبهجة- "، متفق عليه. وقد جعل الإسلام صلاة العيد في الساحات ولم يجعلها في المسجد، حتى يجتمع أهل الحي الواحد أو أهل البلد الواحد إن أمكن في مصلى واحد يهنئ بعضهم بعضًا ويصافح بعضهم بعضًا.
الأضاحي ونحرها في يوم عيد الأضحى، شعيرة إسلامية تضافرت الأدلة على شرعيتها يقول الحق سبحانه:{فصل لربك وانحر} – سورة الكوثر آية ٣، وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحي بكبشين سمينين، عظيمين أملحين، أقرنين، موجوءين "مخصيين "، وأضجع أحدهما وقال باسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وآل محمد ثم أضجع الآخر وقال: باسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وأمته ممن شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ - حديث صحيح رواه ابن ماجه. وقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحية فروت عنه عائشة أنه قال: (ما عمِلَ آدمِيٌّ مِن عمَلٍ يومَ النَّحرِ أحبَّ إلى اللهِ مِن إهراقِ الدَّمِ، إنّها لتَأْتي يومَ القيامةِ بقُرونِها وأشعارِها وأظْلافِها، وإنّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللهِ بمكانٍ قبلَ أنْ يقَعَ مِن الأرضِ، فَطِيبوا بها نفسًا) - حديث صحيح أخرجه الترمذي. وحكم الأضحية عند أكثر العلماء أنها سنة مؤكدة.
لكن كما أن الأضحية من الدين فإن الرفق بالحيوان أيضًا من الدين، وإن الطريقة الوحشية المتبعة عند نقل وذبح الأضاحي في عيد الأضحى والفيديوهات التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي عن الأضاحي الهاربة والتي تجري في الطرقات تتعارض مع ما أمر به الإسلام بشأن الرفق بالحيوان، إن الإسلام يظهر اهتمامًا كبيرًا بشأن الحيوان، ونصوص السنة الشريفة غنية جدًا بما ورد على لسان الرسول من أقوال تتعلق بالرفق بالحيوان:
o نهى الرسول عن ضرب الحيوانات أو وسمها "أي الكي" في الوجه.
o لعن الرسول من عذب حيوانًا، وبشر بالأجر لمن أحسن إليه.
o نهى الرسول عن التمثيل بالحيوان بقطع أطرافه.
o وتشدد الشريعة الإسلامية على الرأفة بالحيوان عند الذبح، فقد ورد في صحيح مسلم ما روى عن النبي ص أنه قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء،... فإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة، وليُحدّ شفرته، وليُرح ذبيحته)، وأمر ص أيضًا: (أن يعطى الحيوان الطعام والماء ويهدئ قبل الذبح)، وقال: (أتريد أن تميتها مرتين؟ هلّا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)، ويجب إتمام عملية الذبح بحركة واحدة ومن شخص محترف وذلك حتى لا يتعذب الحيوان.