رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الرافعي في "وحي القلم": العيد نظرة تدرك الجمال وتلمح السعادة على وجه الجميع

الاديب مصطفى صادق
الاديب مصطفى صادق الرافعي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ذكر الأديب مصطفى صادق الرافعي في كتابه “وحي القلم”، أن "العيد هو يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة ، فذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة ، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز ، وإلى داره نظرة تدرك الجمال وإلى الناس نظرة ترى الصداقة ومن كل هذه النظرات تستوى له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم فتبتهج نفسه بالعالم والحياة ، وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله في الكل:.
 

ويضيف الرافعي، “إن يوم العيد هو يوم السلام والبشر والضحك والوفاء والإخاء وقول الإنسان للإنسان وانتم بخير، يوم الثياب الجديدة على الكل، إشعارا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم، هو يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ، ليكون الناس جميعا في يوم حب”.

ويبين الرافعي أن “العيد ليس إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة في طريقها وترك الصغار يلقون درسهم الطبيعي من حماسة الفرح والبهجة ويعلمون كبارهم كيف توضع المعاني في بعض الألفاظ التي فزعت عندهم من معانيها ويبصرونهم، كيف ينبغي أن تعمل الصفات الإنسانية في الجموع عمل الحليف لحليفه لكن العيد هو يوم تسلط العنصر الحي على نفسية الشعب، وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف توجه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت، فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها بالأمثلة فتجعل للوطن عيدا ماليا اقتصاديا تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض وتخترع للصناعة عيدها وتوجد للعلم عيده وتبتدع للفن مجال زينته ، وبالجملة تنشيء لنفسها أياما تعمل تقوده كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر”. 
 

وأوضح الرافعي أن “كل هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فرض العيد ميراثا دهريا في الإسلام ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلة مما يبدعه نشاط الأمة ويحققه خيالها تقتضيه مصالحها فالعيد هو يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم ، زمن قصير ظريف ضاحك ، تفرضه الأديان على الناس ليكون لهم بين الحين والحين ، وهو يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت من طبيعتها ”.
 

ويختتم الرافعي كلامه قائلا : “العيد يجتلي في نظره الحقيقي على الأطفال السعداء هذه الوجوه النضرة التي كبرت فيها ابتسامات الرضاع فصارت ضحكات وهذه العيون الحالمة التي إذا بكت بكت بدموع لا ثقل لها ، وهذه الأفواه الصغيرة التي تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان من تقليد لغة الأم ، وهذه الأجسام الغضة القريبة العهد بالضمات واللثمات فلا يزال حولها جو القلب على هؤلاء الأطفال السعداء الذين لا يعرفون قياسا للزمن إلا بالسرور وكل منهم لك في مملكة وظرفهم هو أمرهم الملوكي ويلقون أنفسهم على العالم المنظور فيبنون كل شيء على أحد المعلنين الثابتين في نفس الطفل وهو الحب الخالص واللهو الخالص ويبتعدون بطبيعتهم عن أكاذيب الحياة فيكون هذا بعينه هو قربهم من حقيقتها السعيدة فهم الذين يرون العالم في أول ما ينمو الخيال ويتجاوز ويمتد ويفتشون الأقدار من ظاهرها ولا يستنبطون كي لا يتألمون بلا طائل ، وبأخذون من الأشياء لأنفسهم لأنفسهم فيفرحون بها ولا يأخذون من أنفسهم للاشياء كيلا يوحدوا لهم الهم"..